رُبَّما الزاني يتوب ...
رُبَّما الماءُ يَروبْ ..
رُبَّما يُحملُ زيتٌ في الثقوب !
رُبَّما شمس الضُحى ..
تُشرقُ من صوبِ الغروب !
رُبما يبرأ إبليسُ من الذنبِ ..
فيعفو عنهُ غفارُ الذنوب !
إنما لا يبرأ الحُكامُ ..
في كلِّ بلادِ العُربِ ..
من ذنبِ الشعوبْ !! ..
العصافير لا تُصافح الطائرات .... كريم العراقي
بعد أن إلتحمَ الجيشان بالسلاحِ الأبيض والأسود .. إشتعلت الصواريخ وتهاوت الصواريخ والدبابات .. مات من مات واختفى الآخرون بين أسير ومعاق ..
وخيم ليل ٌ ذبيح يقطعهُ نعيق الغربان وهجين من الحيوانات البريه تتقاسم أشلاء الجنود الموتى
من المعسكرين ..
نهض من بين الركام جندي مذعور مازال حياً إلا أنه بلا عينين .. لا يدري كيف وبمن يستغيث
وإلى أي إتجاه يسير ثم صرخ غير آبهٍ بشيء : ماء .. ماء .. جرعة ماء , ولم يصدق الصوت البشري الذي أجاب : إرجع إلى الخلف بسرعة .. بسرعة هناك ذئاب تتقدم بإتجاهك ..
وبلا تردد عاد أدراجه بإتجاه الصوت البشري على الرغم ِ من معرفتهِ أنه من جنود المعسكر المعادي .. فها هي لهجته تدل عليه لكنه أيقن وهو يسمع صوت إطلاق الرصاص مع عواء ذئاب تتدحرج للوراء ..
- إنني أبعدته عن المكان .. تقدم .
- من أنت ؟
- هات يدك .. أنا من كنت عدوك قبل ساعتين .
- والآن .. هل أنا أسيرك ؟
- لا أنت أسيري .. ولا أنا أسيرك , أنت بلا عينين وأنا بلا ساقين ..
- أتسخر ؟
- لا وقت للسخرية , إحملني على كتفيك قبل أن تأكلنا الذئاب , أو تنفجر تحتنا الألغام
- أقسم لي أنك صادق
- أقسم لك بالذي تركنا أحياء أنت وأنا بين آلاف الجثث ..
وإنكب الأعمى على الكسيح وحمله والكسيح يعطيه إتجاهات الطريق , صاح الأعمى وهو يلهث ...
- بربك هل أنت سائرٌ بي إلى معسكرك ؟
- أنا والله لا أدري أين هو معسكري وأين هو معسكرك .. إنني أهرب بك وبي من مخالب الذئاب وأكداس الديناميت ....
- إنكَ فعلا ً بلا ساقين .. إنك تنزف بشدة .. كيف أعالجك ؟
- بالصبر .. بأن تثق بما أقوله
- أتمنى أن تبقى حياً .. كي نعالج بعضنا ..
- سنرمم بقايانا فثمة أمل يا عدوي .. أتضحك إنه عربون التفاهم .. سر .. تقدم ..
- هل أنت عطشان مثلي ؟
- ينفطر كبدي عطشاً .. والمضحك أن زمزميات الماء متناثرة حولنا بالمئات لكننا
لا نستطيع أن نلمسها فهي بالديناميت والذئاب ..
- من حكمة الله إننا لا نزال أحياء داخل بركان الموت .. ما أسمك ؟
- ملاك .
- ما أغرب المصادفة
- لماذا ؟
- أنا موسيقار ومغن ِ ..
- وما أسمك ؟
- بيات ..
- يبدو أن أباكَ موسيقي هو الآخر ..
- بالضبط .. كان ملحنا ً بارعا ً وأسماني بيات .. لأنه مغرم بهذا النغم الشجي ..
- يا بيات .. وصلنا .. قف .. بقايا سيارات ومقبرة للدبابات
- أين نحن ؟
- لا أدري .. المهم أمامنا سيارة صغيرة لعلها صالحة للسير .. خذ يميناً ..
ضع يدك ِ هنا أجلسني وراء المقود .. إجلس أنت هنا .. ضع رجليك هنا ..
هذهِ الكابح .. وهذا المفتاح بيدي ..
- كيف سنقودها يا ملاك ...
- أنا بعيوني وأنت بساقيك .. ضع يديكَ على المقود وسأضع يدي فوقهما هيا يل بيات
واحد إثنان ثلاثة .. إنها تشتغل وفي داخلها غذاء معلب ..
- إي والله .. إنها تسير مبروك يا ملاك .. إبحث لنا عن ماء
- خذ و اشرب .. خذ ..
- يا رب كل هذه البركات مرة واحدة .. خذ أنت و اشرب يا ملاك ..
- سأشرب بعدك .. يا بيات إن قصيدة تنتفض في صدري ..
- يا ملاك إنتبه إلى أين نحن نتجه الآن .. إلى بلدك أم بلدي ؟
- لا أدري ..
- إذا أصبحنا في بلدك فسأكون أسيراً مجهول المصير
- كذلك إذا أصبحنا في بلدك فسأكون أنا الأسير المجهول المصير , ولكن ...
إننا نسير بإتجاه البحر لا إلى بلدي ولا إلى بلدك ...
- أسمعنيَ القصيدة يا ملاك ..
- تهيأ .. وكن أذناً صاغية لتلحينها وغنائها .. عنوانها قرن الرحمة ..
قصيدة " قرن الرحمة " ....... كريم العراقي
أجنحتكِ أيتها العصافير لا تصافح الطائرات الحربية
حوارك أيتها الأمواج لا يصغي لخطب الساسة الملوثين
تبقى الفنون نقية والشعوب لا تأخذ شكل البيانات السياسية
قد يصبح الحصان صرصاراً والجبل قطعة أسفنج ..
قد يصبح الذل جواز سفر دولياً ..
قد تصبح الكرة الأرضية حفنة عبيد لطاغية واحد
لكن القرون الذين اصطفوا واحداً واحداً ليصبحوا عشرين قرناً ...
أنجبوا قرنهم الحادي والعشرين .. ذلك القرن الذي سيكون قرن الإنتفاضة والرحمة ..
هو الذي سيعيد للموسيقى عيونها ..
و للشعر ساقيه .. و للأرض براءتها الأولى .. وللإنسان كرامته ..
فصلوا معي للفارس الذي سيشرب جراحنا .....
Bassem
* هذه المقالة إحدى نغمات الوتر السادس للشاعر العراقي .. كريم العراقي ..
والقصيدة الأولى بعنوان " ربما " لشاعر اللافتات والمنفى " أحمد مطر " ..
إعداد وتنسيق المقال ... باسم ..
العرض العادي
