الاخلاق الفاضلة ..
أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن إمكانية إطالة العمر بالحرص على بعض خصال الخير والبر التي في جملتها تدور حول فن التعامل مع الناس وهي في الفروع التالية :
الفرع الأول : صلة الرحم :
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه " . ومعنى ينسأ بضم أوله وسكون النون بعدها أي يؤخر .
وعن عبدالله بن مسعود ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلة الرحم تزيد العمر " .
إن صلة الرحم من محاسن الأخلاق التي حث عليها الإسلام ودعا إليها وحذر من قطيعتها . فقد دعا الله عز وجل عباده بصلة أرحامهم في تسع عشرة آيه من كتابه الكريم ، وأنذر من قطع رحمه باللعن والعذاب في ثلاث آيات . ولهذا دأب الصالحون من سلف الأمة على صلة أرحامهم رغم صعوبة وسائل الاتصال في عصرهم . وأما في وقتنا المعاصر فرغم توفر مختلف وسائل النقل والاتصال كالهاتف والبريد التي ينعم بها كثير من الناس ولله الحمد الا أنه لايزال هناك تقصير في صلة الرحم إذ لم يستغل ماسخر الله من تلك الوسائل في صلة الرحم . إن الواحد منا قد يشد الرحال إلى بلد بعيد للسياحة ولكنه يتثاقل زيارة لأحد أرحامه وهو في نفس مدينته إن لم أقل في نفس منطقته . ان أدنى الصلة أن تصل أرحامك ولو بالسلام .
فهل تكلف أحدنا واستخدم جهاز الهاتف ليتصل بأحد أرحامه على الأقل ويسلم عليه ؟ روى ابن عباس ( رضي الله عنهما ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بلوا أرحامكم ولو بالسلام " . ثم لعل قائل منا يقول ان من أسباب قطيعة الرحم كثرة مشاغل الناس اليوم وتوسع المدن . ولكن الناظر الى أمثال أبي بكر الصديق وعمر الفاروق ( رضي الله عنهما ) زمن حكمهما لدولة مترامية الأطراف مع الرغم من كثرة الأعباء التي كانت على عاتق كل منهما وعدم توفر الوسائل الحديثة في النقل والاتصال ، الا أن كلا منهما كان يجد من وقته وقتا لزيارة أرحامه وخدمة جيرانه . وأما نحن فنجد الواحد منا يكثر من زيارة أصدقاءه والالتقاء بهم ولا يضع في جدوله زيارة أحد أرحامه ولو مرة كل شهر .
إن السبب الرئيسي في انشغالنا عن صلة أرحامنا لعله سوء إدارة أوقاتنا وعدم تنظيمها أو لعدم إحاطتنا بعظم أثم قاطع الرحم ، وبكثرة الانشغال بالزائد من الدنيا . فتجد الواحد موظفا في الصباح ولكنه يربط نفسه بوظيفة أخرى تشغل باقي يومه وهو في كفاية من الرزق فيفرط في حقوق أهله وأولاده ووالديه وأرحامه . فحري بك أخي المسلم ان كنت حريصا على إطالة عمرك بأن تصل رحمك فان من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله .
الفرع الثاني : حسن الخلق :
عن عائشة ( رضي الله عنها ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " انه من أعطي من الرفق فقد أعطي حظه من الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار " .
ان حسن الخلق صفة سامية بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى ، فهي تطهر صاحبها من آفات اللسان والجنان وترتقي به الى مراتب الاحسان مع خالقه ومع سائر الناس . قال عبدالله بن مبارك في تفسير حسـن الخلق : " هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى " . وقال الواسطي : هو أن لايخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى ، وقال أيضا هو ارضاء الخلق في السراء والضراء . وقال سهل أدنى حسن الخلق الاحتمال وترك المكافأه والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه " .
ان من المعاب على المسلمين حقا أن يعيروا بأخلاق الذين كفروا بعد أن بين لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن هدف بعثته للناس انما ليتم مكارم الأخلاق ، وبعد أن منح الله جل جلاله لصاحب الخلق الحسن أثقل الحسنات يوم القيامة . فعن أبي الدرداء ( رضي الله عنه ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ماشيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن " ، وبعد أن تكرم الله وهو الغني الحميد ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " .
انظر الى كثير من السلف كيف ورثوا لمن بعدهم أروع الأمثلة في الأخلاق الحسنة فكانوا منارات وقدوات يستدل بها على حسن الخلق فزرعوا سنن خير لمن بعدهم فاستمرت أخلاقهم الحميدة وذكرهم الحسن مضرب مثل بعد موتهم فاستمرت حسناتهم وطالت بذلك أعمارهم وأنظر الى نفسك هل خلفت لمن بعدك خلقا حميدا أو موقفا مجيدا ليحتذى بك وتكون مضرب المثل به بين أهلك وولدك أو بين أصدقائك ؟ فحن خلقك مع والديك وأرحامك وزوجك وولدك ومع الناس أجمعين تدرك خيري الدنيا والآخرة ، واذا أردت أن تصل الى درجات الصائم القائم في الجنة مختزلا النصب والمصابرة على الصيام والقيام فما عليك الا أن تحسن خلقك لتدرك هذه الدرجة العظيمه ، فعن عائشة ( رضي الله عنها ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة القائم الصائم " .
الفرع الثالث : الاحسان الى الجار :
ان الاحسان الى الجار من الاخلاق الحميدة المطيلة للأعمار . فقد روت عائشة ( رضي الله عنها ) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار " .
لقد تناسى كثير من الناس في هذا الزمن حقوق جيرانهم وفضل التزاور والاحسان اليهم حتى وصل حال بعضهم الى أن يعيش السنين الطوال لايعرف اسم جاره وقد يأتيه رجل غريب يسأله عن بيت فلان من الناس فلا يعرفه ثم يفاجىء أنه أحد جيرانه . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .
ان من أكثر الأسباب التي أدت الى عدم التزاور بين الجيران – فيما أرى - هو ترك صلاة الجماعة . فان المسجد يفتح أول قناة للتعارف بين الناس عامة والجيران خاصة . فحري بك أخي المسلم أن تكثر زيارة جيرانك فتحسن اليهم وتناصحهم وتعرف لهم حقوقهم لتفوز بطول العمر وكمال الايمان . روى أبو شريح العدوي( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن الى جاره " . انظر الى عائشة ( رضي الله عنها ) عندما سمعت بعظم حق الجار وأرادت أن تكون في جملة القائمين باكرام الجار سألت رسول الله صلى الله عليها وسلم فقالت : " يارسول الله ان لي جارين فالى ايهما أهدي ؟ قال الى أقربهما منك بابا " .
اطالة العمر بالأعمال ذات الأجور المضاعفة :
لو تقصينا الطرق المباشرة لاطالة العمر لوجدناها في صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار . وهذا مانص عليه الشارع الحكيم . وحيث أن هدفنا من اطالة أعمارنا كسب مزيد من الحسنات لتقربنا الى مرضاة الله عزوجل ، فهناك طرق غير مباشرة لاطالة الأعمار ، يكسب سالكها أكبر قدر ممكن من الحسنات في أقصر فترة زمنية ممكنة ، ليصبح العمل الانتاجي – فيما يرى الناظر – يفوق العمر الزمني ، وهذا لايتأتى الا بأعمال ذات ثواب مضاعف . وهذا المعنى هو الذي قصده القول الأول من أقوال أهل العمل بالبركة في تعريف اطالة العمر : بأن تعمل في الزمن القصير مالا يعمله غيرك الا في الكثير . وقبل تقصي معظم الآعمال ذات الأجور المضاعفة ومدى ارتباطها غير المباشر بموضوع اطالة العمر .
فلو حضر عاملان من بلد ما ليعملا في المملكة العربية السعودية براتب شهري متعارف عليه مقداره ألف ريال لكل منهما ثم قرر أحد العاملين عند بدئه العمل تغيير وظيفته طمعا في راتب مضاعف فوجد مراده وأعطي ألفين ريال شهريا في احدى الشركات . وفي نهاية العقد المبرم معهما مدة سنتين رجعا الى بلديهما ، فأخبر العامل الأول ذويه أنه حصل على دخل مقداره أربع وعشرين ألف ريال مدة مكثه في السعودية بينما أخبر الآخر أنه حصل على ثمانية وأربعين ألف ريال فاستغرب الحضور من قول الثاني ، فقالوا مندهشين : هل أمضيت أربع سنوات في السعودية ؟ فقال كلا وانما بحثت عن عمل آخر يعطي راتبا مضاعفا !
فانظر كيف أن كلا العاملين قد أمضيا المدة نفسها وهي سنتان ولكن العامل الأولالثاني حصل على ضعف دخل الأول فكأنه قد أمضى ضعف المدة المقررة له في السعودية .
وهنا يكون السؤال : كيف يمكن أن تكسب ثواب أعمال يفترض أن يستغرق أدائها زمنا يفوق عمرك المحدود ؟ فكيف يمكن أن تستغل عمرك على افتراض أنه سيكون ستين سنة ليصبح كأنه بلغ ألف سنة أو خمسة آلاف سنة أو عشرة آلاف سنة أو أكثر من ذلك بكثير ؟
يمكن لك ذلك بأن تسلك سبيلين اثنين هما :
(1) الحرص على الأعمال ذات الأجور المضاعفة .
(2) الحرص على الآعمال الجاري ثوابها الى مابعد الممات .
ان الأعمال ذات الأجور المضاعفة أرشد اليها المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخبر عن مضاعفة ثوابها مقارنة بأعمال صالحة أخرى . علما بأن الله تبارك وتعالى يضاعف الحسنة الى عشر أمثالها والى سبعمائة ضعف والى أضعاف مضاعفة وذلك فضل من الله تعالى ولاعتبارت منها قدر اخلاص المرء . وفيما يلي نذكر بعض الأعمال التي نصح بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته أن يأخذوا بها وذلك في تسعة فروع .