السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نستطيع أن نحول بيوتنا بيوت كرامةٍ الهية،ٍ كما نستطيع تحقيق معالم هذه البيوت من الإحترام والحب والتفاهم، إذا ما تعرفنا على حقوق الآخرين، وجعلنا أولادنا يعرفونها. وقد رأيت في بعض رحلاتي إلى دول تهتم شعوبها اهتماماً شديداً بالحقوق العامة، كيف أن الأم هناك تؤكد لولدها على ضرورة رعاية الحقوق العامة، كمقاعد القطارات، باعتبارها من أموال الناس، أو كالإستفادة الصحيحة من الماء والكهرباء ووسائل النقل العامة وأي شيءٍ آخر له علاقة بالجانب الإجتماعي، باعتباره أولى بالإحترام والإهتمام مما يملكه الإنسان نفسه.
إن مثل هذه التربية تجعل من الطفل مواطناً صالحاً في الغد القريب مواطناً لا يفكر في مصالحه الذاتية فقط، بل إنه يضع في سلم أولوياته مصالح الآخرين بدءاً، فلا يفكر في أن يكون هو دون غيره، فتراه يتكالب على احتلال المناصب وحيازة الأشياء ومصادرة الآراء وإلغاء دور الآخرين، وهي الأمور التي تعد من أسوء ما يمكن أن يتربى عليه الطفل، وكأن السماء انشقت عنه فنـزل ليكون مفضلاً على غيره، غافلاً عن أنه كسائر الناس، وقد ولد كغيره.
إن الطفل يجب أن يوجَّه ويتعلم بأنه يتنفس كغيره، وأنه مجرد فرد من الأفراد في الأسرة والمجتمع على حدٍ سواء؛ بل لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة بأن الطفل الذي يتربى ويعيش وسط أسرة كثيرة الأطفال والأفراد، أنه ينمو متعادل الشخصية أكثر من الطفل الذي ينمو في عائلة قليلة الأفراد، أو ينمو بين أبويه فقط، باعتبار أن النموذج الأول في بحثنا قد تجاوز الكثير من المطبات التربوية بفعل التنافس والتعايش والتحادث مع إخوانه وأقرانه ممن هو بسنهم.. في حين أن النموذج الثاني عادة ما يملؤه التصور بأنه الأفضل بين الأطفال وأن أبويه ليسا إلاّ خادمين له، وهذا من أخطر المشاعر التي ستحمل هذا الطفل في الغد على أن يتوقع خدمة الآخرين له والتفافهم الجبري حوله، ولكنه حينما يجابه بالنقيض لذلك تراه يصطدم ويتشاجر ويعتدي ويظلم.
ولعل من الأصح أن نعرف الأطفال حقيقة أنهم أعضاء في مجتمع كبير، بدءاً من الأسرة الى العشيرة أو القبيلة إلى الوطن، وانتهاءً بالعالم، وهذا الإحساس نابع، أو ينبع من عمق ثقة الإنسان بنفسه، فيسرى الى أن يحترم نفسه والآخرين ويحترم حقوقهم، بل ويبذل الجهود لحفظ هذه الحقوق والدفاع عنها ما استطاع. إن هذه ركيزة أساسية في التربية التي يجب على الوالدين أن يهتما بتكريسها في نفوس أولادهم وذهنياتهم.
إن المجتمع الإسلامي الصالح هو الذي يرى كل شخص من أفراده أن الآخرين لهم حقوقهم، وأنه من الضروري جداً المحافظة على هذه الحقوق..
فمن تكريس وتنمية الثقة بالنفس، وإشعار الأطفال وتحسيسهم بكرامتهم الإنسانية، وحدودهم المرسومة لهم من قبل خالقهم، تعتبر كل هذه الأمور والأهداف الرئيسية لركيزة أن يكون الطفل ذا شخصية مقاومة؛ أي له القدرة على مقاومة عوامل الإنهيار التي يركع لها الضعفاء حينما يواجهون مصاعب الحياة.
ولكننا نرى في الأطفال من تتحطم شخصيته بداعي تعرضه للضغوط من قبل والديه أو معلمه أو من قبل المجتمع والجو المحيط به، حيث يكبر مهزوز الشخصية هشها، يتحطم بمجرد فشله في الدراسة مثلاً، حتى أن الدنيا تسوّد بوجهه متخيلاً انسداد كل الطرق أمامه، غافلاً عن حقيقة إمكان فشل الإنسان في يوم ما مقدمة لنجاحه في غده.
ولكن ما نراه اليوم في بعض المجتمعات من انتشار الفساد بين أفراد طبقة الشباب فيها وإدمانهم على المخدرات واستفحال حالات الضياع بكل ألوانه، إنما السبب فيه عدم تحسس الأطفال لشخصيتهم وكرامتهم. ومن هنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من أبرز معالم خلقه أنه كان يولي الأطفال الإحترام البالغ، فكان عليه الصلاة والسلام يبدل أسماءهم إذا كانت ذات مداليل سيئة وغير صحيحة من تراث الجاهلية. كما كان يبادر الأطفال بالتحية واحترامهم وإجلاسهم إلى جنبه في مجلسه دوماً، وكان صلى الله عليه وآله يأمر الوالدين بإظهار المزيد من الإحترام لأولادهم.. ونحن ما علينا - والحال هذي- سوى الاقتداء بنبي الإسلام ورسول الأخلاق والمحبة، فنتبع خلقياته الرفيعة، وخصوصاً في قضية إحترام الأولاد وتكريس الكرامة فيهم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
منقول
|
العرض العادي
