[size="6"
السلام عليكم ورحمة وبركاته
والقول الوجيز فيه أن من ذمك لا يخلو من ثلاثة أحوال.
إما أن يكون قد صدق فيما قال وقصد به النصح والشفقة؛ وإما أن يكون صادقاً ولكن قصده الإيذاء والتعنت وإما أن يكون كاذباً.
إن كان صادقاً وقصده النصح فلا ينبغي أن تذمه وتغضب عليه وتحقد بسببه، بل ينبغي أن تتقلد منته فإن من أهدى إليك عيوبك فقد أرشدك إلى المهلك حتى تتقيه، فينبغي أن تفرح به وتشتغل بإزالة الصفة المذمومة عن نفسك إن قدرت عليها، فأما اغتمامك بسبب وكراهتك له وذمك إياه فإنه غاية الجهل، وإن كان قصده التعنت فأنت قد انتفعت بقوله إذ أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلاً به، وأذكرك عيبك إن كنت غافلاً عنه، أو قبحه في عينك لينبعث من حرصك على إزالته إن كنت قد استحسنته. وكل ذلك أسباب سعادتك وقد استفدته منه فاشتغل بطلب السعادة فقد أتيح لك أسبابها بسبب ما سمعته من المذمة. فمهما قصدت الدخول على مللك وثوبك ملوث بالعذرة وأنت لا تدري، ولو دخلت عليه كذلك لخفت أن يحز رقبتك لتلويثك مجلسة بالعذرة فقال قائل: أيها الملوث بالعذرة طهر نفسك، فينبغي أن تفرح به لأن تنبيهك بقوله غنيمة، وجميع مساوئ الأخلاق مهلكة في الآخرة والإنسان إنما يعرفها من قول أعدائه فينبغي أن يغتنمه. وأما قصد العدو التعنت فجناية منه على دين نفسه وهو نعمة منه عليك فلم تغضب عليه بقول انتفعت به أنت وتضرر هو به؟ الحالة الثالثة: أن يفتري عليك بما أنت بريء منه عند الله تعالى فينبغي أن لا تكره ذلك ولا تشتغل بذمه، بل تتفكر في ثلاثة أمور " أحدها " أنك إن خلوت من ذلك العيب فلا تخلو عن أمثاله وأشباهه، وما ستره الله من عيوبك أكثر، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك ودفعه عنك بذكر ما أنت بريء عنه. " والثاني " أن ذلك كفارات لبقية مساويك وذنوبك فكأنه رماك بعيب أنت بريء منه وطهرك من ذنوب أنت ملوث بها وكل من اغتابك فقد أهدى إليك حسناته وكل من مدحك فقد قطع ظهرك. فما بالك تفرح بقطع الظهر وتحزن لهدايا الحسنات التي تقربك إلى الله تعالى وأنت تزعم أنك تحب القرب من الله. " وأما الثالث " فهو أن المسكين قد جنى على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك نفسه بافترائه وتعرض لعقابه الأليم، فلا ينبغي أن تغضب عليه مع غضب الله عليه فتشمت به الشيطان وتقول: اللهم أهلكه، بل ينبغي أن تقول: اللهم أصلحه اللهم تب عليه اللهم ارحمه، كما قال صلى الله عليه وسلم " اللهم اغفر لقومي اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون لما أن كسروا ثنيته وشجوا وجهه وقتلوا عمه حمزة يوم أحد. ودعا إبراهيم بن أدهم لمن شج رأسه بالمغفرة فقيل له في ذلك فقال: علمت أني مأجور بسبب وما نالني منه إلا خير فلا أرضى أن يكون هو معقباً بسببي. ومما يهون عليك كراهة المذمة قطع الطمع فإن من استغنيت عنه مهما ذمك لم يعظم أثر ذلك في قلبه، وأصل الدين القناعة وبها ينقطع الطمع عن المال والجاه، وما دام الطمع قائماً كان حب الجاه والمدح في قلب من طمعت فيه غالباً، وكانت همتك إلى تحصيل المنزلة في قلبه مصروفة، ولا ينال ذلك إلا بهدم الدين، فلا ينبغي أن يطمع طالب المال والجاه ومحب المدح ومبغض الذم في سلامة دينه فإن ذلك بعيد جداً.
بيان اختلاف أحوال الناس في المدح والذم
اعلم أن للناس أربعة أحوال بالإضافة إلى الذام والمادح: الحالة الأولى: أن يفرح بالمدح ويشكر المادح ويغضب من الذم ويحقد على الذام ويكافئه أو يحب مكافأته، وهذا حال أكثر الخلق وهو غاية درجات المعصية في هذا الباب.
الحالة الثانية: أن يمتعض في الباطن على الذام ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافاته ويفرح باطنه، ويرتاح للمادح ولكن يحفظ ظاهره عن إظهار السرور، وهذا من النقصان إلا أنه بالإضافة إلى ما قبله كمال.[/size] قاله بعض العلماء الافذاذ
تحياتي