تلك التي وأدت نظرة من عينيها ما في قلبك من حزن قديم عتقته السنون وما احتواه كأس الصبر..
تلك التي هزّ صوتها جذع صدّك المتيبس في انتظار “لا أحد”، فتساقط منك الحنين!
نضج فؤادك للهوى إذا لوعتك في غيبتها الأولى أشواق وتنهيد.
تلك التي قدّت لوعتك من قبل ومن دبر وتركتك في كل التفاتة تذرف اللهفة في انتظار خيالات مجيئها، وقميص البشريات.
تلك التي استقامت “جودي أمل” حين غرقت كل القمم التي قالت بأنها ستعصمك من يأسك،
بين ذراعيها كان مرساك وخطوتك الأولى بعد أن فقدت كل شيء تبحث عن من يكملك.
تلك التي في أثر خطوتها قلت لخيبتك امكثي هنا، فكانت هي فاتحة الحكايات، وخاتمة ما تريد.
تركت خيبتك ولم تعد، تركتها في صحراء التيه، وذهبت تشقّ اليم معها ولا تخشى البلل!
يا جار الرصيف الذي لم يعنك على المسافة ولم ينقذك من الشتاءات..
أتذكر النافذة التي خلعت عليك الدفء وطرزت لك من ستائرها ثوب حلم تدثرته لتحيا!
هي .. سيّان أنكرت أم تذكرت، فشتان بينك وهي تحملك بين انتشاء عينيها بك ولهفة شفتيها إليك وبينك وليس لك إلا بقية من رائحة لطيف كان،
ومنديلاً تحمله وتخشى عليه الدموع، يذكرك بميلادك العشريني لحظة احتضنتك فأعادت فيك الطفولة من جديد.
وأنت لم تكن سوى إضافة حائرة في الوجود، تلازم الظل وتخشى من إشارات الآخرين.. هي صنعت بداخلك الاستثناء.
لم يكن قلبك الخائف يجرؤ على أمنية، هي غرست بداخلك قلبها أمنية، وأرخصت ما دونها من الأمنيات.
في بحة صوتها لحظة تستيقظ.. دنياك.
في عينيها التي تداري الخجل بالالتفاتات.. تمنيت أن يكون مثواك.
في أكناف صبرها على كل انفعالاتك البائسة كبرت من جديد. رسمت لك في رمشها بوصلة تشير إلى وجهة في أقصى الوجود..
وعلمتك أن تسير نحو نهاية دورانك حول ذاتك، وملاحقة ظلك، ووجلك حين يحلّ الظلام.
فهل جربت مرة أن تشعر بأن لأنفاسك في صدر إحداهنّ صدى لا يعترضه ضجيج آخر..
وأن لخطاك إشراق في عين من لا تراك إلا شمساً
بوجودك تبدأ الحياة، ونجمة تعرف بها الدروب في الليل القاتم منتهاها. هي أسكنتك في عرش لم يبلغه سواك، وغيرك يبحث عن بلاط يقف به ويكتفي!
أيها المسكون بغرور أنك لا يستحقك أحدٌ، أنك من كل إدانات الحب أكبر! ها أنت الآن.. أ
صغر من شوقك وحنينك إليها تسألها ونبرة صوتك امتنان وخشية فراق.. هل استحقك؟!
تركتك مهزوماً في كل مرة تغلبك فيها أنانيتك ورغباتك في امتلاك كل شيء. لم تجرب الانحياز إلى ذاتها ولو مرة واحدة،
علمتك أنها في الحبّ تخسر كل شيء كي تفوز بك. حتى أنت لم تتمسك بذاتك كما ضمتك إليها ولم تفارقك!
جعلتك أغنى من كل رجال الأرض. حين فتحت لك قلبها كنزاً لا يفنى، تأخذ منه ما تشاء، من حنين وعشق وتلفظ فيه ضجرك وحبك لذاتك.
كانت بين يديك منبعاً للرضا لم يرزقه أحد غيرك. كل الأشياء كانت تفنى إلا ما تبعثه بسمتها واحتضانها لك من سعادة.
أيها المغرور.. حتى احتمالك لذاتك يفنى، ورضاها عنك لم يكن ينقص. تسترك بمغفرتها لكل خيباتك، وتزينك بشوقها لكل حماقاتك.
من عاش مثلك وهو يملك قلباً باعثاً للحياة لا يفنى، من كان مثلك يغرف من كأس صوتها وخجل عينيها بشرى لا تنقطع إلا لتزيد!
أيها البائس.. هناك، في المسافة بين رنين هاتفها وميعاد إجابتها، بين صوت خطوها.. وجلال حضورها كل برد الشتاءات يعتصر قلبك.
وهناك حين تجيبك فاتحة باب السماء بمطر صيفي، كانت تتساقط أوراق الخريف التي لم تعد تزينك، ويتفتح بسؤالها عنك ورد الربيع وألوان الفراشات.
أنوثة أعذب من التوقعات وأجمل. كنت تظنّ بأن خيالاتك لن تلامس أدنى أطرافها أي حقيقة، فجاءتك بما لم يحدثك به حلم!
وانتهيت وهي من خيالاتك أكبر. لم تبلغ ربع ولا نصف أحلامك،
بل جمعتها لك في ضحكة واحدة وأعادتها وهي تقول: عفواً بماذا كنت تحلم؟
العرض العادي
