لابد ان تَعترفِ .. شئتِ أم أبيتِ .. أنكِ تكبري مع كل يوم يمضي ..
ومع كل ساعة تنقضي .. وان الأيام تجري بسرعة دون ان تحسي بها وانه في الوقت
الذي تحققي فيه مكاسب في هذه الدنيا .. فإنكِ تخسري أشياء اخرى كثيرة ..
في الجانب الآخر ومن دون ان تدري؟!
تخسري تضحيات لا عدَّ لها .. دون ان يقدِّرها احد .. او يلتفت إليها او يشكركِ عليها
ولو من قبيل المجاملة؟!
تخسري تنازلات كثيرة على حساب نفسنكِ وصحتكِ ووقتُكِ ومالُكِ من اجل ان تحظي
ولو بشيء بسيط جداً .. يردلكِ اعتباركِ او يجعلكِ تعيشي في سلام وهدوء ..
وتحتفظي بكرامتُكِ وإحترامكِ لنَفسُكِ؟!
قد تنظري لما أقول بشيء من المبالغة ولكن ماذا لو فكرتِ بكل شيء اخذتيهِ ..
او حصلتي عليه؟!
هل فكرت كم كلفك كل ذلك .. ولا اقصد هنا الناحية المالية فقط وان كانت مهمة
وهل بالفعل هنئتي وإستمتعتي به كما كنتِ تتمني .. ام ان حصولكِ عليه كان لهدف آخر
وما تبعات ذلك عليك فيما بعد؟!
إنها حقيقة مزعجة بالنسبة للكثيرين ولا نشك ولكن الى متى يظل الانسان منا ..
يكابر نفسه ويتجاهل أبسط الحقائق؟!
نحن مع الاسف لا نحس بحقيقة ان الأيام تـُمضِ وانها محسوبة من عمرنا ..
لا نحس بها الاَّ حينما نرى من هو أصغر منا مثلاً .. الا حينما نعود الى مذكراتنا
الشخصية ونفتحها ونتصفحها ونقرأ ما فيها ونتذكر تلك الايام الخوالي التي ولَّت
ولن تعود بالكيفية التي نريد؟!
لا نحس بجريان الأيام الاَّ حينما نرى اطفالنا الصغار يكبرون فجأة امام أعيننا ..
وتصبح تلك الفتاة الصغيرة المدللة شابة في مرحلة المراهقة او بداية مرحلة النضوج
وكذلك الشاب وتزداد مطالبهم ويكبر همُّهم وتكثر مشاكلهم؟!
لا نحس بهذه الايام تجري الاَّ حينما نرى مؤشرات جسدية مختلفة تبدأ في الوضوح علينا
دون ان نستطيع إخفاءها او تجاهلها؟!
أنظري وإن شئتِ إلى شقيقتكِ أو إبنتكِ الصَّغرَى المدللة التي كانت تهوى اللعب بعرائسها
وتحتظِنُ دُميتُهَا عند النَّوم .. وتسبح في خيالاتها البريئة لم تعد كذلك ..
بل تغيرت اهتماماتها وبدأت تتجه لمن هم في مثل سنها وبدأت تكثر الاهتمام بنفسها ..
بل حتى ان مجرد اطلاق اسم الطفلة عليها اصبح يضايقها رغم ان بداخلها طفلة صغيرة
ما زالت بحاجة لمزيد من الدلال والحنان الطفولي والعطف؟!
بل وحتى الفتاة المراهقة وجدت نفسها هي الاخرى فجأة في سن الجامعة ..
وفي مجتمع مختلف عما تعودته؟!
وجدت نفسها في صراع لم تعهده من قبل .. صراع بين كونها تريد ان تعيش عالم ..
الفتاة الصغيرة الحرة التي تفعل ما يحلو لها ببراءة دون مساءلة وبين احساسها ..
بأنها كبرت وأنها محط انظار الجميع وأنها قد تكون غداً في منزل آخر ..
غير منزل والدها الذي تعودت عليه وألفت العيش فيه مع بقية افراد اسرتها؟!
وهنا يبدأ الخوف من المجهول ومن المستقبل الذي لا تعرف ماذا يخبئه لها من مفاجآت
واحداث ومواقف لا تستطيع مواجهتها بمفردها او تحملها لكونها اكبر من قدراتها ..
وهكذا الوضع مع الابن لا يختلف كثيراً عما هو الحال مع الابنة الا في الاختلافات ..
المتعلقة بالشباب واهتماماتهم وطموحاتهم .. التي قد تفوق قدرات الآباء على تحقيقها
حتى في المنظور البعيد؟!
صحيح ان الانسان يكبر مع الايام في اشياء كثيرة وهذا لا يعني فقط الاشياء السلبية ..
او المؤلمة؟!
ولكن هذا معناه أننا ننضج ونكون اكثر فهماً للحياة واكثر وعياً بها واكثر قدرة على العطاء
من ذي قبل؟!
ومعنى هذا أيضاً ان الانسان منا يكبر عقله ويعالج الامور التي تعترض حياته ..
بـ ( مُقتَطِفَات من المَنطق ) وبمنطق الحكمة والعقلانية بما فيها من تنازلات ..
وتضحيات صعبة أحياناً من اجل ان تسير دفة الحياة ومن اجل ان يحافظ على ما لديه
بأقل الخسائر الممكنة وهذا هو المعنى الحقيقي لـ ( مُقتَطِفَات المَنطق ) في تسيير ..
دفة شؤون الحياة المختلفة بأقل خسارة ممكنة؟!
ولكن ماذا يعني أننا نكبر .. هل يعني هذا ان نظل كما نحن .. وهل تبقى الظروف كما هي
لا تتغير .. أبداً؟!
ان هذا يعني ان نظرتنا للامور من حولنا تتغير ولكن للأجمل .. وهذا هو المفترض ..
اشياء كثيرة كنا نتضايق منها في السابق ولكن مع مرور الايام تتبدل هذه النظرة
القاصرة او الوقتية او المثالية لتصبح اكبر وعياً وشمولية وعقلانية ..
ان ( المَنطق ) حينما يستمر معنا طويلاً يجبرنا بإرادتنا وبغير ارادتنا ..
ان نغير مفاهيم كثيرة وان نقدم تضحيات وتنازلات كبيرة من اجل ان تسعد بقية حياتنا
ومن اجل ان يكون لنا ولو جزء بسيط يجعلنا نعيش في هدوء وسلام؟!
إن ( المَنطق ) رغم مرارته أحياناً على النفس يجعلكِ تعرفي قدركِ لدى الآخرين ..
بشكل افضل؟!
فأنتِ في مرحلة عمرية من حياتكِ تقدم اشياء افضل وافضل من المراحل العمرية ..
السابقة؟!
ليس لأنك تكبري مع مرور الايام .. بل لأنك تشعري أحياناً أنكِ موضع تقدير واحترام
ممن هم حولك .. لذلك فان كل ما تقدميه لهم وتعطيهم إياه لا تحزني عليه ..
لأنك تجدي نفسكِ فيما تقدم؟!
( المَنطق ) يقول إنني طالما اكبر وانضج فلمَ الحقد والحسد والانانية والغيرة القاتلة؟
والى متى تستمر؟
أليس من الاولى ان يستبدل كل ذلك بأشياء أخرى اكثر جمالاً وروعة كالإيثار وحب الناس
والتضحية؟!