بوركت أخيتي
وبارك الله فيك على طرح هذا الموضوع الهام لكل مسلم
ليتفقه الراجي رحمة ربه أمر دينه ويعيه
أما قولك : ولكن انا قصدت معني الحضارة من زاوية معينة
نعم وهذا ما فعلت بتعريف الحضارة الإسلامية :
الحضارة الإسلامية فإنها تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الغربية ، وتصويرها للحياة غير تصوير الحضارة الغربية لها ، ومفهوم السعادة فيها يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الاختلاف . فالحضارة الإسلامية تقوم على أساس الإيمان بالله ، وأنه جعل للكون والإنسان والحياة نظاماً يسير بموجبه ، وأنه أرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالإسلام ديناً ، أي أن الحضارة الإسلامية تقوم على أساس العقيدة الإسلامية ، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى . فكانت العقيدة هي الأساس للحضارة ، فهي قائمة على أساس روحي .
أما تصوير الحياة في الحضارة الإسلامية فإنه يتمثل في فلسفة الإسلام التي انبثقت عن العقيدة الإسلامية ، والتي تقوم عليها الحياة ، وأعمال الإنسان في الحياة ، هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح ، أي جعل الأعمال مسيرة بأوامر الله ونواهيه ، هي الأساس لتصوير الحياة . فالعمل الإنساني مادة ، وإدراك الإنسان صلته بالله حين القيام بالعمل من كون هذا العمل حلالاً أو حراماً هو الروح . فحصل بذلك مزج المادة بالروح . وبناء على ذلك كان المسير لأعمال المسلم هو أوامر الله ونواهيه . والغاية من تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه ، هي رضوان الله تعالى ، وليس النفعية مطلقاً . أما القصد من القيام بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل . وهذه القيمة تختلف باختلاف الأعمال . فقد تكون قيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ، فإن تجارته عمل مادي ، ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان الله . والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح ، وهو قيمة مادية .
وقد تكون القيمة روحية ، كالصلاة والزكاة والصوم والحج . وقد تكون القيمة أخلاقية ، كالصدق والأمانة والوفاء . وقد تكون القيمة إنسانية ، كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهوف . وهذه القيم يراعيها الإنسان حين القيام بالعمل حتى يحققها . إلا أنها ليست المسيرة للأعمال ، وليست المثل الأعلى الذي يهدف إليه ، بل هي القيمة من العمل وتختلف باختلاف نوعه .
وأما السعادة فهي نيل رضوان الله ، وليست إشباع جوعات الإنسان ، لأن إشباع جوعات الإنسان جميعها ، من جوعات الحاجات العضوية ، وجوعات الغرائز ، هو وسيلة لازمة للمحافظة على ذات الإنسان ، ولا يلزم من وجودها السعادة . هذا هو تصوير الحياة . وهذا هو الأساس الذي يقوم عليه هذا التصوير . وهو الأساس للحضارة الإسلامية . وإنها لتناقض الحضارة الغربية كل المناقضة ،
لأن المسلم لا ينظر للأفكار إلاَّ من زاوية معينة ومحددة
ألا وهي الإسلام
فالمفاهيم إما أن تكون أفكار إسلامية فيكون لزاماً على كل مسلم تبنيها من مثل : أن الإسلام هو الدين الصحيح , وما سواه جبت وطاغوت , وأنه ليس ديناً كهنوتياً , وأن نظام الحكم في الإسلام ليس ملكيا , ولا جمهورياً , ولا إمبراطورياً , وإنما فقط خلافة على رأسها أميرا للمؤمنين
وإما أن تكون ــ المفاهيم ــ بخلاف ما جاء به الوحي الأمين : كالديمقراطية والإشتراكية والبعثية فهذه الأفكار والمفاهيم ليست من الإسلام في شيء
وعليه فكل مفهوم جاء به الوحي التزمنا به , سواء كان أفكاراً أم أحكام
مصداقاً لقوله تعالى : قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً {78}
وكل ما خالف الإسلام من أفكار ومفاهيم ومعالجات ! فهو تحت قدمي
وتعريف المفهوم : هي المعاني المدرك لها واقع في الذهن سواء أكان واقعاً محسوساً في الخارج أم واقعاً مسلماً به أنه موجود في الخارج تسليماً مبنياً على واقع محسوس.
وماعدا ذلك من معاني الألفاظ والجمل لا يسمى مفهوماً، وإنما هو مجرد معلومات.
وتتكون هذه المفاهيم من ربط الواقع بالمعلومات، أو من ربط المعلومات بالواقع، وبتبلور هذا التكوين حسب القاعدة أو القواعد التي يجري عليها قياس المعلومات والواقع حين الربط . أي حسب عقله للواقع والمعلومات حين الربط، أي حسب إدراكه لها. فتوجد بذلك للشخص عقلية تفهم الألفاظ والجمل، وتدرك المعاني بواقعها المشخّص، وتصدر حكمها عليه. وعلى ذلك فالعقلية هي الكيفية التي يجري عليها عقلُ الشيء، أي إدراكه. وبعبارة أخرى هي الكيفية التي يربط فيها الواقع بالمعلومات، أو المعلومات بالواقع بقياسها على قاعدة واحدة أو قواعد معينة. ومن هنا يأتي اختلاف العقليات كالعقلية الإسلامية، والعقلية الشيوعية، والعقلية الرأسمالية، والعقلية الفوضوية، والعقلية الرتيبة. أما نتائج هذه المفاهيم فإنها هي التي تعيِّن سلوك الإنسان نحو الواقع المدرك، وتعيِّن له نوع الميل لهذا الواقع من الإقبال عليه أو الإعراض عنه، وتجعل له ميلاً خاصاً وذوقاً معيناً.
هذه الفقرة الأولى الملونة منقولة من كتاب نظام الإسلام من منشورات حزب التحرير
والفقرة الثانية ــ الشخصية الإسلامية ــ من منشورات حزب التحرير
بوركتم وجزيتم من المولى كل خير إخوتي في الله وأخواتي