عضو وكالة الأرصاد الجوية اليابانية - مؤسس نموذج شبه الجزيرة العربية العددي - عضو مشارك في تطوير النمذجة العددية في الأرصاد الجوية الأسترالية - مؤلف
موضوعاً بعنوان :
جدة بين ضياع علم الأرصاد الجوية ومتلازمة المؤامرة - إطلالة ألم
وتناول هذا الموضوع دور الأرصاد وغيابها التام في حياتنا اليومية
وتناول كذلك بعض المشكلات التي تلقيها الوزارات الحكومية فور كل حالة مطرية
المقال :
..
جدة بين ضياع علم الأرصاد الجوية ومتلازمة المؤامرة – إطلالة ألم
01/29/2014
والعشرين من شهر نوفمبر 2009 كنت أنا وصاحبي نتجول في المكتبات القريبة من جامعة الملك عبد العزيز في جدة وبالتحديد بالقرب من مبنى يثير الكآبة في نفسي وذكريات فائتة ألا وهو مبنى كلية الأرصاد .
كنت أقول لصاحبي : لا أظن أن هذه الكتب التي تعرضها المكتبات تفيد أحدا في طلب علم الأرصاد الجوية أو تغنيه بشيء ، فكلها مكرر ومليء بالنقص في جوانبه كالثوب المرقع .
إنها عبث بالعقول !
ألا يوجد كتب أخرى أكثر حداثة من تلك ؟
في غضون ذلك توقفت قليلا ونحن نسير في أحد الشوارع :
مهلا يا صاحبي لماذا مستوى الطريق (الشارع) أعلى من المنازل ؟
فقال لي صاحبي وهو من سكان جدة : جدة قليلة المطر وجافة .. هذه طبيعتها منذ القديم .. لا تهتم بذلك كثيرا !
فقلت له : إن السيول لو تشكلت لن تجد عائقا في الدخول إلى هذه المنازل ، ثم هناك تحذيرات في النماذج المناخية اﻹحصائية من ارتفاع قيمة هطول الأمطار بمشيئة الله على منطقة وسط البحر الأحمر خلال هذا الموسم والعلم عند الله .
لم يرد علي سوى أن أغمض عينيه وفتحهما وسار ، كما لو كان حديثي معه أشبه بالأحلام الأضغاث .
كنت أتحدث مع صاحبي ولم يكترث بما أقول وكأنه من سكان خط الاستواء قد اعتاد الأمطار يوميا فلم يكن ممن يستغرب هطولها أو ممن يعلم إلى أين ستنصرف الأمطار بعد هطولها بين الطرقات ، وظهرت في مظهر مثير للشفقة كالطفل ينظر إلى كل شيء كيف سيكون عند هطول المطر !
وواصلنا المسير .. وعدت من جدة ، ولم يمض سوى أيام قلائل إلا ونرى ونسمع بالسيول الغزيرة تغمر جدة وتتلف أحياء سكنية فيها .
ففي صبيحة يوم الأربعاء 25 نوفمبر 2009 حدثت السيول الشديدة مؤدية إلى كارثة فسرها الدفاع المدني في تقريره الصادر بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس) وفق ما يلي :
واصل الدفاع المدني أعماله الميدانية والإجرائية في أعمال البحث والتعاطي مع البلاغات الواردة لغرفة العمليات جراء السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي شهدتها جدة في الثامن من ذي الحجة الحالي. وبين الدفاع المدني في تقريره أمس أن عدد الوفيات في سيول جدة ارتفعت إلى 116 شهيدا وشهيدة بعد انتشال جثة خلال الـ24 ساعة الماضية ، في حين سجلت البلاغات عن المفقودين 47 بلاغا.
وأوضح مدير المركز الإعلامي لمواجهة الحالة الطارئة في جدة العميد محمد بن عبد الله القرني أن هناك توثيقاً للدفاع المدني للاتصالات الواردة والبلاغات على مدار الـ 24 ساعة، وأن فرق الدفاع المدني ما زالت تواصل عمليات المسح.
وأشار العميد القرني في مؤتمر صحافي عقده أمس إلى أن هناك جهودا لإعادة التيار الكهربائي إلى عدد من أحياء جدة المتضررة من السيول.
ووفقا للإحصائية التي أوردها تقرير الدفاع المدني أمس فإن حالات أضرار العقارات والمركبات من تلك الفاجعة بلغت8092 عقاراً، و7143 مركبة، بعدما قامت لجان الحصر المكونة من الدفاع المدني وإمارة منطقة مكة المكرمة بأعمال المسح للعقارات والسيارات المتضررة.
وأشار التقرير إلى أنه تم إيواء 6575 أسرة، و 22291 شخصاً، وصرف الإعاشة ل 6575 أسرة ،
و 22291 شخصا.
نقلا عن صحيفة الرياض
الاثنين 20 ذي الحجة 1430هـ - 7 ديسمبر 2009م - العدد 15141
يعتبر الدفاع المدني في المملكة صورة ونتيجة وضحية لضياع علم الأرصاد الجوية وفقدان دور الأرصاد الجوية في المجتمع السعودي .
الدفاع المدني بين طبقتي رحى : الأنواء الجاهلية التي تم صياغتها منذ زمن أمة بابل وسومر ولم تفد بابل سوى بالخوف من النجوم وإلباس النجوم لباس المتصرف بالظواهر المناخية والقداسة ، فلا تخطيط فيها ولا تحذير فيها ولا علاقة بينها وبين الأجواء إلا الخيال مضمنا بالخبال ، وبين دور الأرصاد السعودية الهزيل جدا والذي يعاني من أنيميا الفساد .
لذا تم اختصار دور الدفاع المدني في المملكة إلى السيطرة على الحدث ولكن لما بعد فوات الأوان .
قبيل السيول على جدة كانت كلية الأرصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة قد أسست مبدئيا مركزا ﻷبحاث تغير المناخ ، تم وصفه بالتميز اسما لا محتوى بكلفة مقدرة بأربعة عشر مليون ريال ، قامت كلية أرصاد جدة بضخ هذا المركز بالعقول الرديئة ثم المتوسطة مرتكزة على خواء واسع في الدراسات المناخية عن أجواء المملكة وأرشيف رديء جدا خلفته رئاسة الأرصاد وبعض القطاعات الحكومية الغير مختصة .
في جدة وعلى مستوى واسع : كان لابد للخلاص من اﻹجابة على الأسئلة المرتبطة بشدة سيول جدة .. فالضحايا كثيرون والخسائر الاقتصادية أكبر ، ولابد للخلاص من الأسئلة المتنوعة والمطلقة من كل الاتجاهات الهندسية والبيئية والعمرانية والأرصادية واﻹعلامية بمقولة وإجابة تريح الصدر وتبعد عن المخططين التهم الملقاة من هنا وهناك ، وإذا بتلك اﻹجابة التي تشبهت بالمخلصة تصدر عن مركز التميز ﻷبحاث التغير المناخي في كلية الأرصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة تحاول أن تفسر أن ما حدث لجدة هو : تغير مناخي . بالرغم أنه للتو فاق أولئك من غيبوبة طويلة عاشتها كلية الأرصاد امتدت إلى أكثر من 40 سنة والتي تمخضت فولدت مركز التميز ﻷبحاث التغير المناخ !
نعم .. وهذا ما حدث فعلا كمحاولة غير ناجحة ﻻختزال ما حدث في أنه ضمن التغير المناخي .
فقد صرح الدكتور منصور المزروعي لصحيفة الرياض بتأريخ وعدد
الثلاثاء 21 ذي الحجة 1430هـ - 8 ديسمبر 2009م - العدد 15142
أي بعد السيول بأيام قليلة ما نصه :
(( وأشار إلى أنه بالنسبة للمملكة فإن هطول الأمطار الحالية على محافظة جدة قد يكون نتيجة لهذا التغير المناخي ))
أي أن النتيجة التي بدت ملامحها على محيا شوارع جدة المرتفعة عن مستوى المنازل ومخططاتها الرابضة فوق مسيل الأودية أو التي تقع في مرمى جريان الأودية والتصريف السيئ والمنعدم في كثير من الأحياء ، أقول : ليست إلا تغيرا مناخيا ربما لا علاقة له بتخطيط وفساد وهلاك في البنية التحتية لمدينة جدة !
ثلة في الأرصاد السعودية استجمعوا قواهم العلمية الضعيفة عن مناخ المملكة وأوراقهم والفاكسات التي أرسلوها للدوائر الحكومية فرقا وخوفا من الملاحقات القضائية إن وجدت ، وليثبتوا للناس أنهم قد حذروا من الأمطار الغزيرة ، لكنها وأعني رئاسة الأرصاد السعودية لم يكن لها وجود قبل ذلك فيما يخدم علم الأرصاد الجوية ويحقق له نهضة تواكب النهضة التنموية ، وفيما يخدم المواطنين والمقيمين والقطاعات الحكومية المختلفة .
فالرئاسة لو كانت تعمل ﻷجل ولمثل تلك اللحظات العصيبة التي مرت بها جدة لم تتوانى في جلب نموذج عددي للتوقعات عالية الدقة يعنى بالكوارث الفيضانية وهو ما يعرف علميا : بالنماذج الهيدرولوجية .
وهي نماذج عددية تعنى تماما بالهيدرولوجيا (الماء) وتختص كثيرا في فهم العلاقة بين الأمطار وطبوغرافيا الأرض وتضاريسها ورسم ملامح جريان المياه في الأودية وفيضها عن معدلاتها ومستويات تجمع المياه سواء في البراري المحيطة بالتجمعات السكنية أو في الأحياء السكنية نفسها والتي لم تنفذ أصلا بخطط هيدرولوجية ، ولم يتم حماية من يسكنون فيها بتحذيرهم من خلال منشورات النماذج الهيدرولوجية وما يبنى عليها من خطط مهمة جدا للتنمية الحديثة ، بل لم تتقدم الرئاسة خطوات صحيحة في تطوير قدراتها التي تفوقت عليها الأرصاد البنجلاديشية التي لا يوجد لديها أرصاد حقيقة أو علم أرصاد حقيقي ذا فائدة عليا ، بل هي دولة تستجدي اﻹعانات الدولية لسد عجز قطاع الأرصاد الجوية عندها . واستجداؤهم للإعانات أنتج لهم تعاونا مع المركز الأوروبي انتهى بتنفيذ نظام خاص بهم للتحذير من الفيضانات قام به لهم المركز الأوروبي وتوقعات أخرى ترعاها لهم الأرصاد الجوية اليابانية ورادارات لرصد الأمطار مفتوحة للمواطنين مجانا !
إن رئاسة الأرصاد السعودية والمملكة ككل في مختلف إداراتها ﻻ تملك أي نظام للتحذيرات من أي أحداث مناخية أو كارثية .
إن نظام التحذيرات في المملكة قائم على فاكسات ترسلها رئاسة الأرصاد للقطاعات الحكومية
ليس سوى تملصا من أي متابعات تحدث ، فهذا دور الأرصاد في المملكة أو هو هكذا تم حصره في تلك النظرة القاصرة .
الحاجة إلى علم الأرصاد الجوية في المملكة العربية السعودية كمثل الحاجة إلى الماء في جوف الصحراء ، حاجة ماسة ولكنها حاجة على الرغم من فائقية الاحتياج إليها إلا أنها تقابل بالصدود واﻹعراض والتندر والتعدي ، حاجة مفقودة تلقفتها لسدها بعجز آخر يد ثلة ممن يتسمون بالفلكيين الذين يتسابقون على طرح التوقعات كمثل طرح الوجبات السريعة تعويضا وتعديا على دور الأرصاد الجوية المنعدم والمفقود والمعتدى عليه أيضا في ظل غيابه .
قام الفلكيون الهواة بتقمص شخصية الأرصاد الجوية كعلم وطرح التوقعات والمتابعات المرتبطة بالنجوم أكثر منها ارتباطا بالغلاف الجوي للأرض التي يسكنها البشر .
فخاضوا في أمور كثيرة لا علاقة لها بالفلك كعلم ولا بالأرصاد الجوية كعلم .
الفلكيون طرحوا بديلا عن علم الأرصاد وكافة تطبيقاته العظيمة فائدة وجدوى ، طرحوا الأنواء البابلية .. أنواء سهيل والمرزم وأضرابها ، وتركوا المجتمع يصارع السيول من هنا وينسى الأرض التي يعيش عليها ويقفز إلى النجوم هناك ليرى حظه وعادته من المطر والحر والبرد والزرع في نجم آفل ونجم مشرق .
زاد ارتباط الناس بالفلكيين أكثر من ارتباطهم بالأرصاد كعلم وبالرئاسة كدائرة حكومية خاملة عن النهوض بهذا العلم ، ولذا دأب الفلكيون على طرح سبل تكفل دفن دور رئاسة الأرصاد السعودية والقضاء على ما تبقى من خيال علم الأرصاد الجوية ، فقامت ثلة من الفلكيين أرادوا إيجاد حل لمشكلة ضياع علم الأرصاد الجوية أو لنقل إيجاد بديل لعلم الأرصاد الجوية وبديل لسد العلاقة الممجوجة بين الفلك وسيول جدة ، بحيث أطلق الدكتور عبد الله المسند عن سراح لجنةٍ بدت العلاقة بينها وبين الواقع وبين المستقبل المظلم كعلاقة أضغاث الأحلام بالحقيقة .
وهي لجنة لتسمية الحالات الجوية المميزة تحت مختصر : لتحم .
وضم إليه فيها رئيس مركز التميز ﻷبحاث التغير المناخي الدكتور منصور المزروعي وثلة آخرين دفعهم الحماس في ذلك لا العلم بالمناخ وديناميكيته والطقس وديناميكيته ولم يكونوا ممن يمتلكون أرشيفا لمناخ شبه الجزيرة العربية وعلى اطلاع بالمناخ العالمي وما يحدث فيه .
فرق كبير بين أن يدفعك الحماس إلى الانتساب إلى شيء وأنت لا تعرف وبين أن يدفعك الحماس وأنت تعرف
بحيث تسمي اللجنة الحالات الجوية التي تعبر أجواء المملكة ويكون لها أصداء في اﻹعلام فيتم نسبة الصدى الذي تحدثه الحالات الجوية من سيول وغرقى وفيضانات إلى مسميات معينة تطلقها تلك اللجنة حتى تعرف الأحداث المناخية بذلك المسمى ، ويسجل الاسم والأحداث باسم اللجنة تلك ، وهو دور وهمي لكنه جعل من رئاسة الأرصاد السعودية في مهب الريح .
اللجنة تلك لا تملك سوى ما تملكه الأحوال المدنية ، الاسم فقط .
ﻻ شيء يذكر سوى أن الاجتماعات تبدأ وتنتهي لتظهر في الصحافة المحلية التي لا تخصصية عندها البتة .
قضايا : كيف ولماذا والتخطيط والمقصد والسبيل والوقاية والعمل المشترك والتطبيقات المرتبطة والبحث والتقصي والتوعية والتوجيه والمعرفة ككل ، فتلك اللجنة غير عالمة بذلك بل وغير مهتمة سوى بعنوان صحفي يحمل رأي اللجنة التي انشقت عن الفلكيين في شأن الحالات الجوية أنها تحمل الاسم كذا وكذا .
ثم ماذا بعد الأسماء ؟
ﻻشيء سوى الجهل فقط .
إن المجتمع ليس في حاجة إلى الأسماء أو أن يتم إملاء الأسماء عليه ، إنما يريد أعظم من ذلك ، إن المجتمع يريد أن تستغل الموارد لا أن يستغل عقله ولسانه في ترديد مسمى حالة جوية فقط .
دون أن توضح له حقوقه الضائعة والمتروكة عمدا . إن المجتمع لا يريد اﻹعلام بل يريد العلم الحقيقي .
وعلى صعيد رئاسة الأرصاد الجوية :
لم يتغير شيء يذكر في الأرصاد السعودية بعد سيول جدة ، فهي وكما يقول أحد موظفيها خرجت من القضية ورمتها في أحضان أمانة جدة بعد أن أتت لجان التحقيق واطلعت على فاكسات وخطابات تحذير الرئاسة من الأمطار .
حينما تكون قضايا المواطن كالكرة ترمى من هنا إلى ههنا فثمة ضوء خافت من بعيد يشير إلى منزلة غير رفيعة لحياة ومكانة المواطن ، فهو كما يقال : كالعلة التي يراد الخلاص منها لا تخليصها والتخطيط لها .
ثم ماذا بعد ؟
تكررت السيول والأمطار الغزيرة على جدة مرة أخرى في يوم الأربعاء 22 صفر 1432 هـ الموافق 26 يناير 2011
وخلفت الضحايا أيضا بما يقارب الحالة الجوية الأولى . بل مع خسائر اقتصادية كبيرة .
(( فقد قدر تقرير بنكي الخسائر الاقتصادية للسيول التي اجتاحت مدينة جدة الأربعاء الماضي بـ4.5 مليار دولار، مشيرا إلى أن قطاع التأمين سيدفع منها 3.4 مليارات
أي:
( 75%)