فرض الصيام في شهر رمضان ليربي في الناس عاطفة الرحمة والخير من خلال ما يحسون به من الم الجوع والعطش، بجانب ما يمنحون من قوة الارادة، وكبح جماح ما تشتهيه النفس والالتزام بالصبر.
والادب العربي هو صوت الحياة ومرآتها، والشعراء كبقية الناس ومنهم المؤمن الورع ومنهم من يأخذ الحياة على حرف، ان صام شكى حاله ليس من الناحية الايمانية بل من الناحية الجسدية ومعاناة العطش والجوع وتكثر شكواهم ان حل رمضان في فصل الصيف.. قال ابن الرومي:
شهر الصيام مبارك
ما لم يكن في شهر آب
خفت العذاب فصمته
فوقعت في نفس العذاب
اليوم فيه كأنه
من طوله يوم الحساب
واليل فيه كأنه
ليل التواصل والعتاب
٭٭٭
قدم اعرابي على بني عمه في الحفر فأدركه شهر رمضان فقيل له يا ابا عمرو لقد اتى شهر رمضان فقال وما هو شهر رمضان؟
قالوا: الامساك عن الطعام والشراب قال بالليل ام بالنهار.. قالوا: بالنهار، قال: أفيرضون بدلا من الشهر فقالوا: لا، قال فان لم اصم.. قالو تحبس وتضرب فصام اياما فلم يصبر فارتحل عنهم وهو يقول:
يقول بنو عمي وقد زرت مِصْرهم
تهيأ ابا عمرو لشهر صيام
فقلت لهم هاتوا جرابي ومزودي
سلام عليكم فاذهبوا بسلام
فابدرت ارضا ليس فيها مسيطر
عليَّ ولا منّاع اكل طعام
٭٭٭
دخل الاخطل في شهر رمضان على عبدالملك بن مروان وهو يتمايل من فرط الشراب وكان الشاعر جرير بن عطية جالسا مع عبدالملك فقال جرير:
أفي رمضان تشربها جهارا
وتدخل للخليفة لا تُبالي
أفق يا عبد تغلب لست كفئا
لما حملت عداوات الرجال
ولو شاء الخليفة كان سيفي
مؤدب ذي الضلال من الضلال
٭٭٭
وهكذا عوتت الاخطل على الرغم من انه نصراني.. وكان يجب عليه ان يراعي شعور الصائمين فرد الاخطل على جرير:
شربناها ودار بها علينا
اغن مقرطق وافي السبال
أغن: في كلامه غُنه
مقرطن: أي منتطقا حزاما بوسطه
السبال: غزير الشعر
ومضى الاخطل قائلا:
اذا سُمع المؤذن وهو يدعو
تنكب عنه آخرة الليالي
ولي دين وللاعراب دين
تشد اليه اكوار الرحال
فغضب الخليفة من جرأة الاخطل فقال: افي رمضان وتقر بشربها ثم امر الحرس ان يقودوه الى السجن، فقال جرير:
ستشرب في السجن التي ما شربتها
بكأس ولا دارت عليك بحال
فهذا جزاء الكافرين اذا انتهوا
الى غاية في ذلة وهوان
فأجابه الاخطل:
ستسمع ما لم يسمع الناس مثله
ولا شهد العباد في رمضان
اذا ما تهادتها القبائل لم تجد
بآفاقها الا اذل مكان
٭٭٭
فرمضان صادف متمردين امثال الاخطل التغلبي.. وهناك الوليد بن يزيد الخليفة الاموي الذي استفتح المصحف يوما فاذا هذه الآية الكريمة {وخاب كل جبار عنيد} فغضب ونصب المصحف غرضا له ورماه بالهسم وهو يقول:
أتوعد كل جبار عنيد
فها انا ذاك جبار عنيد
اذا قابلت ربك يوم بعث
فقل يا رب مزقني الوليد
هذا هو الخليفة الاموي صاحب صبابة التي يسكر معها والتي عندما ماتت رفض دفنها حتى نتنت وكان يبادلها الشراب في رمضان حتى لم يبق على الفجر غير ساعة ولم يبق في الاناء غير كأس واحدة.. وغنت له شعر الاحوص
لم يبق من رمضان إلا ليلة
فكأنها من طولها ليلات
سيغيظ عباد المدينة انني
احيا بها وهم بها اموات
فغنت حتى اذن المؤذن للفجر فسكتت حبابة فقال الخليفة الاموي:
اذا نعب الغراب فعدِّ عنه
ولا تعتب اذا سكت الهزار
فليت نعيبه لفراغ شهر
ننامُ به اذا طلع النهار
هكذا تجرأ الوليد على المصفح الشريف وعلى شهر رمضان وعندما بُشر بالخلافة وكان بين يديه المصحف الشريف رماه وقال هذا ما بيني وبينك.
وشكلت خلافته بداية لنهاية الدولة الاموية بفعل انقسام البيت الأموي.
عبد الله خلف