بينما كان العالم الجليل عبدالله بن المبارك في طريقه إلى الحج وجد عجوزا
عربية قد اتخذت مكانا نائيا فذهب إليها وخاطبها
قال : السلام عليك ورحمة الله
قالت : " سلام قولا من رب رحيم"
قال : مذا تصنعين هنا في هذا لقفر
قالت " من يضلل الله فلا هادي له" وسألها عن وجهتها
قالت : " سبحن الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"
فقال لها وكم لبثت هنا ؟
قالت: " هو يطعمني ويسقين"
فقال لها : وأين ماء الوضوء ؟
قالت:" فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا "
فقدم لها بعض الطعام وقال : هذا طعام حلال فكلي
قالت " ثم أتموا الصيام إلى الليل"
فقال لها : ليس هذا شهر رمضان
قالت : " ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم"
فقال لها : ورخصة الإفطار في السفر ؟
فقالت : "وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "
فقال لها : تكلمي بمثل لهجتي
قالت " مايلفظ من قول إلا ليه رقيب عتيد"
فقال لها : ومن أي القبائل أنت؟
قالت : "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُ أولئك كان
عنه مسئولا"
فقال لها : سامحيني فقد أخطأت
قالت : " لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"
فقال لها : أتدركين قافلتك على ناقتي؟
قالت " وما تفعلوا من خير يعلمه الله" فقال لها : اركبي
قالت :" قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم" وبعد أن أناخ ناقته
قال : هيا
قالت : " سبحن الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مقرنين"
ولما أخذت بزمام الناقة وصاح
قالت : " واقصد في مشيك واغضض من صوتك " ولما أخذ يمشي الهوينا يهزج ويحدو
قالت :" فاقرءوا ماتيسّر من القرآن"
قال : لقد أوتيت خيرا كثيرا
قالت :" وما يذّكّر إلا أولوا الألباب "
قال : يا خالة هل لك زوج ؟
قالت : " يأيها الذين ءامنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "
ولما أدركا القافلة التي ضلّت المرأة منها سألها : هل من ولدٍ أو قريبٍ لك ؟
فقالت:" المال والبنون زينة الحيوة الدنيا " وسألها وماعمل أولادك في القافلة ؟
قالت : " وعلمت وبالنجم هم يهتدون "
ولما سألها عن أسماء أولادها , قالت : " واتخذ الله إبراهيم خليلا " " وكلّم الله
موسى تكليما" , " ييحيى خذ الكتاب بقوةٍ "
ولما نادت عليهم بأسمائهم لبّوا مسرعين فقالت لهم : " فابعثوا أحدكم بورقكم
هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزقٍ منه "
ولما جاؤوا بالطعام قالت لابن المبارك : " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم
في الأيام الخالية"
ولما استوضح ابن المبارك أمر المرأة من أولادها قالوا له : عن أمهم هذه لا
تتكلم إلا بالقرآن منذ أربعين سنة خوفا من الخطأ واستمساكا بكلام الله ومحبته.
قلت ياسبحان الله ونحن ألسنتنا راح تاكلنا إذا ماتكلّمنا سواء بالكلام المفيد أوغيره