يقول الحق في محكم تنزيله.. "ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلي صراط مستقيم" فإذا سمع الإنسان العاقل هذا القرآن العظيم وأنصت له وأنصف معه أشرق قلبه. واستنار عقله. وتجّîلت له أنوار الحكمة الإلهية وأسرار المعارف الربانية وهذا مما يحمل الإنسان علي الإذعان للحق الذي جاء به القرآن الكريم والاهتداء بنوره إلي الصراط المستقيم وهو علي بصيرة من أمره وبينة من شأنه.
يقول الحق في محكم تنزيله: "قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني".
ومما يروي أن أكثم بن صيفي لما بلغه بعثة النبي صلي الله عليه وسلم أراد أن يأتيه فأبي قومه أن يدعوه وقالوا: "أنت كبيرنا. لم تكن لتخف إليه. قال: فليأتيه من يبلغه عني ويبلغني عنه فانتدب رجلين فأتيا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسأل: من أنت وماأنت فقال النبي صلي الله عليه وسلم أما من أنا؟ فأنا محمد بن عبدالله وأما ماأنا؟ فأنا عبدالله ورسوله. فقالا: اسمعنا بعضا مما جئت به فتلا عليهم قول الحق سبحانه "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" فقال: رددّ علينا هذا القول فرددّه عليهم حتي حفظوه فأتيا أكثم فقالا: أبي أن يرفع نسبه. فسألنا عن نسبه فوجدناه زاكي النسب. وسطا في مضر. وقد رمي إلينا بكلمات فلما سمعهن أكثم قال: إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهي عن ملائمها فكونوا في هذا الأمر رءوساً ولاتكونوا فيه أذناباً.
لقد كان أكثم بن صيفي فطنا فلما سمع هذه الآية الكريمة أشرق قلبه بأنوار حكمتها واستضاء عقله بمجامع خيرها وآدابها فاعتبرها وتدبرها فتذكر المحاسن والمكارم التي انطوت فيها فأسلم وأسلم قومه.
وعن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قال: لما أمر الله نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم أن يعرض نفسه علي قبائل العرب خرج إلي مني وأنا معه وأبوبكر - رضي الله عنه - فوقف علي منازلهم ومضاربهم في مني فسلم عليهم وردوا السلام. وكان في القوم مفروق بن عمرو وهانيء بن أبي قبيصة والنعمان بن شريك وكان أقرب القوم إلي أبي بكر مفروق بن عمرو الذي أوتي حكمة فغلب عليهم بيناً ولساناً فالتفت إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فقال له: إلام تدعو ياأخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلي الله عليه وسلم فجلس وقام أبوبكر رضي الله عنه يظله بثوبه فقال النبي - صلي الله عليه وسلم - أدعو إلي شهادة أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني وتمنعوني حتي أؤدي حق الله الذي أمرني به. فإن قريشا قد تظاهرت علي أمر الله وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هي الغني الحميد. فقال له مفروق وإلام تدعو ياأخا قريش فتلا رسول الله صلي الله عليه وسلم: "قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولاتقربوا الفواحش ماظهر منها ومابطن ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" فقال له مفروق: وإلام تدعو ياأخا قريش؟ فوالله ماهذا من كلام أهل الأرض ولو كان من كلامهم لعرفناه فتلا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قول الله تعالي: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" فقال له مفروق: دعوت والله ياقريش إلي مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك وآيده هانيء والنعمان في قوله إنه النور القرآني الذي يضيء في القلوب وينير في العقول فتدرك أنه الحق من الله وماسواه الباطل والإعجاز القرآني ليس موجها للعرب في عصر البعثة فحسب ولكنه يعني يقينا ان ثبوت عجزهم عن الإتيان بمثله قاطع الدلالة علي عجز من سواهم فإذا كانوا قد عجزوا وهم فرسان الكلمة وسادة البيان فكيف لايعجز غيرهم مما لم ينالوا نصيبا مما أتوا. لقد كانوا يتنفسون بالاغة ويأكلون نثراً ويشربون شعراً ويتفوهون فصاحة وعلي ذلك يكون هذا العجز حاسما لقضية التحدي. أما الاعجاز فيبقي قائما مابقي الدهر.
العرض المتطور
