إلى عَالَم من الأفنان والزهور
إلى عالم من الغربة والوحدة والحزن ..
إلى عالم تلك الأنثى التي تجاهلتها السعادة ..
إلى عالم فتاة تهرب من واقع الزمن لترسم خيالها ...
إلى عالم فتاة لا تعترف إلا بعالم رسوماتها بلوحاتها ...
إلى عالم فتاة تسكن هناك في أرض المستحيل الأزرق...
إلى تلك الفتاة التي أستطونت الغربة عمرها ..
فأصبحت تلك الغربة عنوان قلبها قبل قلمها ..
في لحظةٍ من اللحَظاتِ غَزتِ الهُمُومُ أَوطَانها . . .
وتَسَلَّقَتِ الغُمُومُ حُصُونها . . .
هَاجَمَتْها بِكُلِ قُوَاهَا . . .
تَوَشَّحَتْ سَمَائها بِعَبَاءَةٍ سَوْدَاءَ . . .
حَاولت أنْ تصبّرَ نَفْسِها فَمَا اسْتَطَعْاعت إلى ذَلك سَبِيل . .
تَلَمَّست أَنْوَارَ الأفرَاحِ فَلمْ تجدها ، وَبَحَثْت عَنْ مَصَابِيحِ السَّمَاءِ ..
فَلَمْ تشاهدها . . .
إِنَّهَا غَمَامَةٌ شَمِلَتْ أَوْطَانها ، وَأرْهَقَتْ تَفْكِيِرها . . .
حَاوَلَتِ الهُمُومُ أَنْ تَقْذِفَ عَلَيها مِنْ زَفَرَاتِهَا المُمِيتَه ، وَنَظَرَاتِهَا القَاتِلَه . . .
فِعْلاً لَقَدْ أَصْبَحْت تلك الفتاة يَتِيْمةً …
يُتْمٌ . . . مَا أَقْسَاهُ ! وَمَا أَشَدَّه !!
إِنَّهُ يُتْمُ فرحة يُسَمَّى بِـ الأفْرَاح . .
يُتِمّ غالي فُآرًقً حُيًاتَهٌا..
خَاطَبْت نَفْسِها فَلَمْ تُجِبْها . . .
لَقَدْ كَانَتْ سَابِحَةً فِي خِضَمِّ بَحْرٍ مُتَلاطِمٍ مِن الغُمُوم . . .
بَذَلْتُ وِسْعها لإنْقَاذِهَا . . .
لَمْ تسْتَطِيعْ . . .
إذْ لا قَوَارِبَ نَجَاة حَوْلِها . . .
صَرَخْت بِأعْلَى صَوتِها مُنَادِية إِيَّاهَا فَلَمْ يخَاطِبْها . . .
تَوَسَّلْت إِلى الزمن فَلَمْ يرحمها . . .
تَقَطَّعَتْ أَوتَارِها أَوْ كَادَتْ . . .
تَحَطَّمَتْ آمَالِها أو شَارَفَتْ . . .
نَظَرَاتها اِرْتَبَكَتْ . . .
أَضْحَتْ ظَلاماً بَعْدَ نُور . . .
فِرَاشها أَصَبَحَ جَلِيداً بَعْدَ لِيُونَه . . .
مَنَاظِرها الجَمِيْلَةُ تَاهَتْ في مُسْتَنْقَعِ الغربة وَالأحْزَان . . .
كُتُبها مَوْطِنُ أُنْسِها عَنِّها احْتَجَبَتْ . . .
قَلَمِها صَارَ أَسِيرَ سًلٌوتًهّا . . .
لَمْ تننْطِقْ . . .
لَمْ تحرِّكْ شَفَتَيها . . .
دَمَهُا جَفَّ . . .
فِعْلاً . . .
أَصْبَحَت صُمّاً . . .
أَصْبَحَت بُكْماً . . .
أَصْبَحَت عُمْياً . . .
عَينَاها . . . جُزْءُ مِنِّها
أَلِفْتُهَا وَألِفَتْنِي
لا تعلم مَا خَطْبُها!
ذَبُلَتْ . . .
غَارَتْ . . .
جُفُونُها تَهَدَّلَتْ . . .
جَسَدها أُنْهِك . . .
أُتْعِبْ . . .
أُرْهِق . . .
أَمْرِها عَجَبٌ . . .
وَضْعها قَلِقٌ . . .
* * * * * *
وَبَيْنَمَا هي تهِيمُ فِي غَيَاهِبِ غربتها وَالهُمُوم . . .
إِذَا بِطَارِقٍ يَطْرُقُ بَابها . . .
طَرْقٌ يُشْبِهُ نَبَضَاتِ القَلب . . .
شُدِهْت . . .
وَقَفْت . . .
تَسَاءَلت ….
مَنْ تَسَوّرَ دَارِها ؟
مَنْ وَصلَ إلى غُرفتها ؟
من إقتحم غربتها ..
ظلّت تفَكِرُ ، وَالخَوفُ يَهُزُّ جَوَانِحِها . . .
يَا تُرَى . . .
أَهِي نِهَاية ؟
حَلَّتْ . . .
قَرُبَتْ . . .
لا تعلم . . .
مَا أَشَدَّهَا مِنْ آلام !
زَادَتْ عَليَّ الهُمُوم . . .
لا تعلم مَاذَا تفْعَل !
هَل السَّيَّافُ عَلى بَابها أَو العَدُوُّ غَزَاها ؟
حَــــاوَلْت أَنْ تسْتَجْمِعَ رِيقِـها ؛ كَي تبُثَّ الطُّمَأنِينَةَ في نَفْسِها . . .
قَرُبْت مِن ذاك البَاب . . .
أَمْسَكْت بِمِزْلاجِه . . .
خافت . . .
تَرَكْته . . .
تَرَاجَعْت . . .
تَرَدّدُ عَجِيب . . .
خَوفاً من عَالَمِ المَجْهُول . . .
عُادت إِلى بَابها مَرَةً أُخْرى . . .
عَزَمت أَمْرها . . .
كَانَتْ يَدَاها تَرْتَجِفَان . . .
أَصَابِعِها تَقَوْقَعَتْ عَلى بَعْضِهَا خَوفاً . . .
مِيَاهُ الخَوفِ تَجْرِي فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ جَسَدِها . . .
إِنَّهَا خَالِيةٌ مِن العُذُوبَة . . .
لا تعلم كَيفَ تصف غربتها لحظاتها . . .
لا بَارِدَةٌ فَتُسَكِّنْ أَحْزَانها . . .
وَلا حَارَّةٌ فَتُقَوِّي عَزِيمَتها . . .
عَجِيُبٌ أَمْرُها . . .
* * * * *
وَبَعْدَ صِرَاعٍ طَويلٍ حَاوَلْت فَتْحَ البَاب . . .
فَتَحْت جُزْءاً مِنْه . . .
وَجِسْمِها مُرْتَمٍ عَلَى جُزْئِهِ الآخَر . . .
رَفَعْت عَيْنَاها الذَّابِلَتِينِ . . .
وَإذَا بِشَخْصِ لأوَّلِ مَرَّةٍ تلْتَقِيه . . .
مَلامِحُهُ غَرِيبَة . . .
قَسَمَاتُ وَجْهِهِ عَجِيبَة . . .
زَادَها خَوفاً عَلَى خَوف . . .
وَحُزْناً عَلى حُزن . . .
ظَلَّت صَامِتة. . .
يَنْظُرُ إليها . . .
سَأَلْتُه . . .
مَنْ تَكُون ؟
لَمْ يُجْيبها . . .
لَمْ يُعِيرها أَيَّ انْتِبَاه . . .
جَلَسَ يَنْظُرُ إليها . . .
في تَكْوِينها . . .
يَتَفَكَّر . . .
يَتَأمَّل . . .
* * * * *
وبَعْدَ تَأمّلاَتِه المُخِيفَة . . .
أَدْخَلَ يَدَهُ في جَيبِه . . .
خافت . . .
أَصَابَتْها رَوعَه . . .
أَخَرَجَ رِسالَة . . .
لَيسَتْ أيَّ رِسَالة . . .
رِسَالَةٍ نَاصِعَةِ البَيَاض . . .
ذَاتِ رَوْنَقٍ لَمْ تَرَى عَينَايها مثلها . . .
فِيهَا نُور . . .
لَمْ تحظ بِرؤيَتِه من قَبْلُ . . .
وَضَعَهَا عَنْدَ عَتَبَة بَابِها . . .
لَمْ تُبَاشِر يَدَه يَدِاها . . .
أَراَدْتُ أَنْ تسأَلَه….
كَيفَ جِئْتَ ؟
كَيفَ تَسَلَّقْتَ أَسْوَاري ؟
مِمَّنَ هَذهِ الرِّسَالة . . .
أسْئِلَةٌ كَثِيرة . . .
لَمْ يُمْهِلِها . . .
وَفَجَأة . . .
وَبِلَمْحِ البَصَر . . .
إذَا بها لا ترَى أَمَامِها شَيئاً . . .
* * * * *
أَخَذت الرسالة . . .
جَلَسْتُ تننْظُر فيها . . .
فِي طَوَابِعِها . . .
لتحدد مِنْ أَيِّ مَكَانٍ جَاءَتْ . . .
لَم تبصر سِوى رُمُوز . . .
رُمُوزِ المُرْسِل صادٌ 00بَاء
فَتَحْت الرِّسَالة . . .
لَيسَتْ أَيَّ رِسَالةٍ تفْتَحُها . . .
عَينَاها تَحَليَتا بِقُوَّةٍ لَمْ تعْهَدْهَا . . .
تَأَمَّلت مافيها فِيهَا . . .
فِإذَا مَكْتُوبٌ فِيهَا هَذِه السُّطُور . . .
* * * * *
أخِتي صَاحِبَة الوحدة والهُمُوم . . .
أختي صاحبة الشعاع الخالد الذهبي ..
سَلامٌ مِن اللهِ عَليكَ وَرَحْمَةٌ مِنْهُ وَبَركَة . . .
تَحِيَّةٌ جَمِيلَةٌ . . مُتَنَاسِقَةُ الحُرُوف . . رَائعَةُ الأدَاء . . مُتَمَاسِكَةُ الأطْرَاف . .
عَذْبَةُ المعَاني . .
حَوَتْ أَلْطَفَ الكَلِمَات ، وَألذَّ المُكْتَسَبَات . . .
تَحِيَّةٌ تَحْمِلُ صَاحِبَتها إلى عَالَمِ الأمَانِ وَالاطمِئنَان . . .
إلى عَالَمِ الصَّفَاء . . .
إلى عَالَمِ السُّمُوِ بالنَّفْسِ وَالفُؤَاد . . .
فَمَا أَجَمَلَها مِن عِبَارَة 00
وَمَا أَحْسَنَهَا مِن تَكْوِين 00
* * * * *
صَاحِبَة الغربة والهمُوم . . .
أَنَا بِدُوني تَصْعُبُ الأشَيَاء . . .
كُلٌّ يَحْتَاجُنِي عَلَى سَوَاء . . .
بِدُوني لا يَنْتَصِرُ الشُّجْعَان . . .
وَلا تُشيَّدُ البُلْدَان . . .
وَلا ينُتْجُ المُبْدِعُون . . .
وَلا يَفُوزُ العَامِلُون . . .
بِدُوني لا تُبْنَى الحَضَارَات . . .
وَلا تَقُومُ العِمَارَات . . .
وَلا تُصْنَعُ الطَّائرَات . . .
وَلا الدَّبَّابَات . . .
وَلا السَّيَّارَات . . .
وكُلُّ مَا هُوَ آت . . .
إنَّني الهَوَاءُ . . .
مَنْ فَقَدَني مَات . . .
وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنّي فَهُوَ في أَسْوَءِ السَّاعَات . . .
إِنَّني سَهْلٌ صَعْب . . .
جَمَعْتُ المُتَنَاقِضَات . . .
وَمَعَ هَذا فَأنَا مُهِمٌ للأرواح ، وَمغَذٍ للنُّفُوس . . .
أَمْنَحُ الاسْتِقْرَارَ وَالأمَان . . .
أَفْتَحُ الآفَاقَ مِنْ جَدِيد . . .
إنَّني عَدُوّ اليَأْسِ وَالقُنُوط . . .
أَحْمِلُ بِسَاطَ الحَيَاةِ الجَمِيلَة …
بِي تُشْرِقُ لِلآخَرِينَ الأيَّــام ؛ لأطْرُدَ كُلَّ جَرَاثِيمِ القُنُوط …
بِي يُشَقُّ عُبَابُ البِحَار . . .
لأنَّ أَصْدَافي جَمِيله . . . وَلآليء فَرِيدَه . . . وَمَكْنُونَاتِي عَجِيبَه . . .
أَكْسُو جَمَالَ الحيَاة . . .
وَأَخْلَعُ قَبِيحَ السِّمَات . . .
سُفُني لا تَخَافُ الأمَوَاج . . .
وَلا تُبَالي مِنْ تَجَمُّعِ الأفْوَاج . . .
بِي تَخْضَرُّ الأرْضُ . . .
لا تَصْفَرّ . . .
فَتُعْطِي مِن خُضْرَتِهَا الصَفَاءَ للنُّفُوس . . .
وَمِن أَغصَانِهَا طِيبَ الحَيَاة . . .
وَمِن ثَمَرَاتِهَا رَوَعَةَ الخِتَام . . .
فَلِمَاذا لا أَعْتَزُّ بِنَفْسِي ، ولا أَثِقُ بِقُدُرَاتي ؟
مِنِّي تَخَافُ الأعْدَاء . . .
وَيَتَقَوّى بِي الضُّعَفَاء . . .
إِنَّني طَارِدُ الأحْزَان . . .
مُيَتِّمُهَا . . .
قَاتِلُ كل غربة تجتاحك ..
فَهَلْ تَحْفَلُي بِصُحْبَتِي ؟
اِجْعَليْنِي مَعَكَ رَايَةً
اِحْمِلْيهَا دَوْماً . . .
اِرْفَعْيني عِزّاً . . .
اِقْهَريْ حُزْناً . . .
اِرْمِي هَمّاً . . .
أَبْعِديْ غَمّاً . . .
أعدمي بها غربة تجتاح عمرك ..
رَايَتِي جَمِيلَة . . .
لَيْسَتْ سَودَاءَ كَرَايَةِ الهُمُوم . . .
إنَّهَا بَيْضَاءُ نَاصِعَة . . تُحَرِكُهَا رِيَاحٌ طَيِبةُ النَّسِيم . .
جَمِيلةُ الغُدُو وَالرَّوَاح . .
مَعِي قَطَرَاتُ النَّدَى أَسْقِي بِهَا القُلُوبَ العَلِيلَة . . .
وَأَرْقَى بِالنُّفُوسِ الضَّعِيفَه . . .
فَمَا أعْظَمَني ..
فَهَلْ تَعْرِفيًنِي يَا غربة العمر ؟
* * * * *
صَاحِبَة الوّحٌدة . . .
حُرُوفِي جَمِيلَةٌ رَقِيقَه . . .
كُلُّ جُزْءٍ مِنِّي يَحْمِلُ مَعَنى . . .
فَهَلْ أَدْرَكتيني . . .
* * * * *
أَوَّلُ حَرْفٍ مِنِّي 00 صَاد 000
صُمُودٌ في مُوَاجَهَةِ الحَيَاةِ الكَئِيبَة . . .
فَأنَا أَحْمِلُ العَزِيمَةَ بَينَ كَيَانِي . . .
صَادِقٌ مَعَ مَنْ يَحْمِلُنِي . . .
صَانِعٌ لِلمَعْرُوفِ لِمَنْ يُخَالِطُني . . .
صَائِدٌ لأجَمَل مَا في الحَيَاةِ مِن الطُّيُور . . .
صَاعِد بِهِمَمِ الآخَرينَ نَحْوَ المعَالي . . .
صَالِحٌ في نَفْسِي مُصْلِحٌ غَيرِي …
وِثاني حُرُوفي باء 000
بُعْدُ عَنْ عَالَمِ الغربةِ وَالأحْزَان . . .
بَرَاءةٌ مِن اليَأسِ وَالقُنُوط . . .
بَارِقَةُ أَملٍ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِق . . .
بَاسِمٌ في وَجْهِ الحَيَاة 000
بَانِي أَمْجَادِ العُظَمَاء 000
* * * * *
وَثَالِثُ حُرُوفي راء . . .
رُؤْيَةٌ لِجَمَالِ الحَيَاة 000
رَائِدٌ في العَطَاء . . .
رَاسِمٌ أَحْلَى الأمَاني . . .
رَؤوفٌ بأصْحَابي . . .
* * * * *
وَأمَّا حَرَكَاتي وَسَكَنَاتي . . .
فما أَحْلاهَا
صَادِي مَفْتُوحَة . . .
حَرَكَةٌ جَمِيلَةٌ خَفِيفَة . . .
تَعْنِي تَنَفُّس الهُمُوم . . .
وَانْفِتَاحاً نَحْوَ عَالَمِ الجَمَالِ وَالسَّعَادَة . . .
وَبَائي سَاكِنَة . . .
أَبْعَثُ لِحَامِلي الهُدُوءَ وَالطُّمَأنِينَةَ وَالسُّكُون . . .
وَرَائي مَضْمُومُة . . .
أَضُمُّ الهُمُومَ وَأَرْمِيهَا لأبْعَثَ الحَيَاةَ مِنْ جَدِيد . . .
بَعْدَ هَذا كُلِّه …
هَلْ عَرَفْتَيني ؟
هَلْ حَدَّدتي مَلامِحِي ؟
إِنَّني الصَّـــبْرُ . . .
أُغَرِدُ في أَرْجَاءِ وَطَنِ المَنْكُوبِين . . .
وَأُمْطِرُ مِن سَحَابي قَطَرَاتِ المَاءِ في أَفْئِدَةِ المُعَذَّبِين . . .
أُغَذِّي قُلُوبَهُم بِاليَقِين . . .
وَأُلْبسُهَا لِبَاسَ حَرِيرٍ .. لأُلَيِّنْ الكَسَرَات . . وأُزِيَلَ بَقَايَا التَّمَزُّقَات . . .
إِنَّني الصَّبْرُ . . .
مَاسِحُ دَمْعِ المَحْزُونين . . .
وَمُكَفْكِفُ عَبَرَاتِ المَظْلُومِين . . .
وَمُضَمِّدُ جُرُوحِ المَجْرُوحِين . . .
وَسَاقِي عِطَاشِ المَلْهُوفِين . . .
وَمُقَوِّي عَزِيمَة اليَتِيم . . .
إِنَّني الصَّبْرُ . . .
أُسَافِرُ بأصْحَابي نَحْوَ المعَالي . . .
وَأصْعَدُ بِهِم إلى قِمَمِ الجبالِ . . .
وَأَحْمِلُ نُفُوسَهُمْ مَعَ نَسَمَاتِ الهَوَاءِ الطَّلْقِ فَتُحَلِّق في سَمَاءِ الأفْرَاح . . .
وَأُبْعِدُ عَن أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةَ غربتهم وأحْزَانهم . . .
إِنَّني الصَّبْرُ . . .
فَهَلاَّ عَرَفْتُي رَوْعةَ خِصَالي وَكَريمَ سِمَاتي . . .
إِنَّني الصَّبْرُ . . .
أُسَلِّي كُلَّ مُصَاب . . .
وَأُثَبِّتَ قَلْبَ كُلِّ مُرْتَاب . . .
وَأَشُدُّ مِن أَزْرِ كُلِّ غَرَّاب . . .
إِنَّني الصَّبْرُ . . .
لا يَعْرِفُ قِيمَتِي إلا أُولًو الألبَاب . . .
* * * *
وأخيراً . . .
يَا مَنْ غَرَّدَت غربتها خَارِجَ سِرْبها 000
أَمَا آنَ لكِ الرُّجُوع . . .
لِتَمْسَحَي عَنْ عَينيكِ بَقَايَا الدُّمُوع . . .
آمِنْي بِقُدُرَاتي . . .
تَسْعَدْ أَيَّامُك . . .
تَشْدُ أَفْكَارُك . . .
تَطِبْ نَفُسُك . . .
تَعْلُ هِمَّتُك . . .
تَفُوزيْ بِمَطْلَبِك . . .
تُحَارِبْي ضَعْفَك . . .
تَقْتُلْي همومك . . .
* * * * *
يا فتاة الغربة
أَنْتَهِي مِن حَيثُ بَدأتُ . . .
فَلكِ مِني السَّلامِ رَحْمُتُهُ وَبَرَكَتُه . . .
وَلكِ مِن كُلِّ الكَلامِ أَعْذُبُه . . .
وَلَكِ مِن الدُّعَاءِ أَخْلَصُه . . .
لَكِ فَائقُ تَحِياتي . . .
أَخُوكَ الصَّبْرُ . . .
* * * * *
أَدْخَلْت الرِّسَالةَ في غِمْدِهَا . . .
نَظَرْت إلى أَرْجَاءِ غُرْفَتها لتضع هَذَا الكَنْزَ فِيهَا . . .
قَلَّبْت الغُرْفَة . . .
فَلَمْ تجِدْ مَكَاناً يَستَحِقُ أنْ يَحْفَظَهَا إلا خَزِينَةَ قَلْبها ـ مُسْتَودع هُمُومِها ـ
فَأودَعْتُها فِيهِ . . .
* * * * *
أطْلَقْتُ لِجامَ كِلِمَاتها ؛ لِتَسْبَحَ فَوقَ هَامَاتِ السَّحَاب ..
مُنَادِية بِأَعْلَى صَوتِها . . .
مَعَالي الصَّبْر . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . مَاؤكَ العَذْبُ سَقَى أَغْصَانَ أَحْزَاني وَلَمْلَمَ شَتَاتَ آلامِي . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . صَوتُكَ الجَمِيلُ سيغَنّى بَينَ أَرْكَاني . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . رُوحُكَ الطَّيِّبَةُ سَافَرَتْ في أَعْمَاقي . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . كَمْ من مَحْرُومٍ مِنْ عَطْفِك . . .
كَمْ سَاقِطٍ في الظُّلمَاتِ بِفَقْدِك . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . سَنَوَاتُ الحُزْنِ تُصْبِحُ سَاعَة . . .
عَفواً دَقِيقَه . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . بِضَاعَتُكَ بِلا خُسْرَان . . .
فَحُقَّ لَكَ أنْ تَفْخَر . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ .. أَنْهَارُكَ بِلا نُضُوب . . .
فَحَرِيٌّ بِكَ أَنْ تُعْجَب . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ .. صَفَحاتُكَ بَيضَاءُ غَيرُ مُشَوَهَةٍ بخُطُوط . .
دَفَاتِرُكَ أَورَاقٌ بِلا حُدُود .. فأملأ صفحاتها . . .
أَقْلامُكَ رَائعَةُ الخُطُوط …
أَيُّهَا الصَّبْرُ .. طَريقُكُ لا تُشَوِهُهُ المُنْحَنَيَات . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ .. أُعَزِي مَنْ حُرمَك . . .
وَأَرْحَمُ مَنْ قَطَعَك . . .
* * * * *
وَأخِيرًا . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ .. أَعْطِي غربة عمرها مِن بِرِّك . . .
اِمْنَحها قُرْبَك . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . أَلْقِ عَلَيها مِنْ نَفَثَاتِ رُوحِك . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . أَنْزِلْ عَلَيها مِنْ قَطَرَاتِ نَدَاك . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . جُودُكَ عَمَّ الأوطَان ، فأعمه على أوطان عمرها ..
وَأرْسِلْ عَلَيهاَ مِن سَحَائبِ جُودِك . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . . نَسَمَاتُ هَوَاءِكَ سَبَقَتْ هَوَاءك . . .
فَانْفُثْ في غربتها وإليها الجَمِيل . . .
وَغذي بهَا فُؤَادها العَلِيل . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . جَنَاحَاكَ أَظَلَّتْ شُمُوساً مُحْرِقةً . . .
فَأَبْرِدْ عَلَيهاَ هُمُومها . . .
أَيُّهَا الصَّبْرُ . . اِحْمِلْ رُوحِ غربتها إلى صَفَاءِ سَمَائك . . وَجَمَالِ نَظَرَاتِك . . .
إكتسح حياتها .. وأقتل غربتها .. وأخفي دموعها ..
فهي تعيش غربتها .. لذا دعها تعيش الجمال في قلبها ..
وتتغذى من كنوز قلبها ..
إليكِ يافتاة الشمس وإلى جمال شعاعك الرائع الذي يحرق حسادك ..
كتبت إليكِ وبكِ هذه الكلمات ..
رعــــاكِ اللـــــه
لـورانس