من المعلوم بداهة أن الفرع يتبع الأصل وأنه لا يستقيم الظل والعود أعوج، وأن لكل مقتدٍ مثلاً يحتذيه .
والمعلمة بصفة عامة،ومعلمة القرآن بصفة خاصة هي القدوة لطالبتها ... فواجب على القدوة أن تسلك مسلكاً حسناً في تعليم الطالبات ، فتتحلى بصفات الحلم والرأفة والأمانة، والصدق والإخلاص، وأن تهتم بالطالبات كاهتمامها ببناتها ، فإن الفتاة الصغيرة قادرة على النقد الصامت الذي لا تستعمله عن قصد وفن
ولكن تميز به بين الطيب والخبيث بغريزة فطرية أودعها الله في طبيعتها النقية . هذا إذا كانت الطالبة صغيرة
أما إذا كانت فتاة بالغة فإنها قادرة على الإزدراء،وربما التهكم، وتستطيع النقد بفن وقصد وغالباً ما يكون النقد أو التهكم من وراء ظهر المعلمة
وسأذكر هنا بعض الآداب المهمة التي يجب أن تكون في معلمة القرآن :
أولاً : أن تقصد بذلك رضا الله تعالى.
أول ما ينبغي للمعلمة أن تقصد بتعليمها رضا الله تعالى أولاً ، فلا تفعل ذلك ليقال : أن فلانة معلمة في التحفيظ . بل يجب أن تعقد النية ، على أن تعليمها إنما هو كسب لرضا الله عز وجل أولاً وأخيراً ، لأن من الظواهر الداعية للأسى أن بعض المعلمات ينظرن أولاً وأخيراً إلى الأجرة والمكافأة ، وبناء على قيمتها تحدد طريقة معاملتها مع الطالبات .
في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امريءٍ ما نوى)) .
وعن عبد الله بن يونس رحمه الله قال : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص ، فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى وحده ، لا يمازجه شيءٌ ، لا نفس ولا هوى ولا دنيا .
فيا أختي : كوني معلمة فاضلة تخرج لنا من بناتنا مربيات ناجحات يقفن وقفة واحدة ضد تيار الفاسد
قدوتهن في ذلك كتاب ربهن الذي حفظنه عن ظهر قلب ، ونصائح معلمتهن التي أخلصت النية والقصد في نصحهن .. فتقاطرت كلماتها على قلوب أمهات المستقبل كتقاطر الشهد المصفى .
ثانياً: ينبغي أن لا تقصد به وصولاً إلى عرضٍ من أعراض الدنيا .
قال تعالى :{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}فينبغي أن لا يكون المقصد من أجل الوصول إلى غاية من الغايات من مالٍ أو رياسة أو وجاهة أو ثناء عند الناس .. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تعالى ، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من أعراض الدنيا ، لم يجد عرف –ريح- الجنة )) فيجب أن يكون الهدف الأسمى هو: إيصال القرآن إلى الطالبات ، ولا تستصغري غاليتي المعلمة هذا الهدف لأنه عظيم وشأنه جليل ألم يقل رسولنا (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فأي فضلٍ تكتسبين غاليتي وأنت لا تعلمين ؟ .
ثالثاً : الاستقـامـة .
وهي صفة تجعل من المعلمة نموذجاً كريماً في نظر طالبتها ، والإستقامة مقصود بها حسن الأخلاق ومنها الصدق والأمانة ، والعدل والوفاء ، والصبر والكرم ...الخ. فلا تكوني متصفة بأضدادها ، لأن هذه الأضداد لا تتواءم مع تعليم القرآن الكريم الذي يدعو بمثل قوله : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، ولكي تكوني غاليتي مقتدية برسول القرآن صلى الله عليه وسلم الذي كان على خلق عظيم ومتأدباً بأدب ربه العليم .
رابعاً : النصيحة .
ينبغي للمعلمة أن تبذل النصح لطالبتها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الدينُ النصيحة ... لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، ولعامتهم)) رواه مسلم . والنصح وسيلة لتبصير الطالبة بفائدة ما تتعلمه وعلى الأخص القرآن .. فترشدها إلى الكيفية المثلى لحفظه ، وأن يكون نصحها شاملاً لمعاني الفضيلة والأخلاق الحسنة والآداب العامة الحميدة لتنشأ الطالبة عليها .
خامساً : الـحلـم .
وهو أن تصبر المعلمة على الطالبة في حال التعلم .. فربما كانت الطالبة بطيئة الفهم ، وضعيفة الحفظ، وهذه حالة لا يد لها فيها فهي خارجة عن إرادتها؛ فإن استعجلتها فلن تحقق معها هدفاً ، وربما أربكتها فيكون سبباً في اضطرابها وتلعثمها بالقراءة.. وبذلك يتعسر على الطالبة الحفظ والفهم ، والعلاج لهذا: أن تسثيري معلمتي الغالية نفس الطالبة بالهدية والكلمة الطيبة والتشجيع ، كما يجب أن تكوني حليمة رقيقة في تعاملك معها فإن أخطأت في الحفظ لا تزجريها وتعاقبيها وتؤنبيها ، بل تعاتبها في جملة رقيقة وتقولي –مثلا-: كنت أفضل من هذا مالذي غيرك ؟ أو : أنتِ دائماً مجتهدة ونشيطة فلماذا تريدين أن تكوني مع حزب الكسلانات ؟
وغيرها من الأفعال والكلمات التي تستطيع المعلمة الحليمة ان تستثير بها نشاط طالباتها .
سادسـاً : الشفقة ولين الجانب .
لقد كسب صلى الله عليه وسلم بشفقته ولين جانبه قلوب الناس من حوله ، عند البخاري : إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضي حاجتها ، ودخل عليه رجل فأصبته من هيبته رِعدةٌ فقال له صلى الله عليه وسلم (( هون عليك ، فإني لست بملك ، إنما انا ابن امراءة من قريش تأكل القديد)). وبهذا الأسلوب والتواضع ولين الجانب دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شغاف قلوب الناس من حوله .
أما الظهور بمظهر الأستاذية والنظر إلى الطالبات نظرة دونية فهي صفة شيطانية لا تورث إلاَّ البغض من الطالبات ، قال صلى الله عليه وسلم : ((من كان هيناً ليناً سهلاً حرمه الله على النار)).
سابعاً : الـرفق بالطالبات .
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) ، بل الرفق مفضل على كثير من الأخلاق لذا كان ما يعطيه الله لصاحبه من الثناء الحسن في الدنيا والأجر الجزيل في الآخرة أكثر مما يعطيه على غيره .. لقوله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه))، فينبغي أن ترفقي غاليتي بطالبتك فتخففي عليها، وترحبي بها ، وتحسني إليها ، بحسب حالها . وهذا من مميزات المعلمة الناجحة .
ثامناً : الطهارة وحسن المظهر .
يجب أن تكون المعلمة طاهرة من النجاسات ومن الحدثين الأكبر والأصغر
أما حسن المظهر فمقصود به الهندام المنظم واللباس النظيف .. والكلام اللائق بمقام القرآن . لأنها لو أغفلت جانب المظهر الحسن فإنها هذا سيقلل من احترام الطالبات لها ، وربما تندرن أو استهزئن بها من وراء ظهرها.
وبعد أختي الفاضلة :
هذه باقة ورد شذية .. جمعت أزهارها من حقول كتب العلم .. وحكمت ربط وثاقها برباط النصيحة والحب .. أمنيتي أن تتقبليها بصدر رحب .. وأن يكون لأريجها صدى في نفسك .. هذا وإن وجدت زهرة ذابلة .. أو لم يعجبك لونها .. أرجو أن تغضي الطرف فإنها أول باقة أهديها .. وقد آثرتك بها .
وعلى الله توكلي واعتمادي ، وإليه تفويضي واستنادي ، أسأله سلوك سبيل الرشاد ، والعصمة من أحوال أهل الزيغ والعناد ، والدوام على ذلك وغيره من الخير في ازدياد ، وأبتهل إليه سبحانه أن يوفقني لمرضاته ، ويجعلني ممن يخافه ويتقيه ، وأن يهديني لحسن النيات وييسر لي جمع أنواع الخيرات ، ويعنني على أنواع المكرمات ، ويدمني على ذلك حتى الممات ، وأن يفعل ذلك كله بجميع أحبابي وسائر المسلمين والمسلمات . حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .