الحمد لله ذي العزِّ والكرَم، الذي أسبغَ على خلقِه النِّعَم، ووقَى من شاءَ وحفِظَه من النِّقَم،
فلله الحمدُ في الدنيا والآخرة على الخير الأتَمِّ، وعلى الفضل الأعظَم،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بارئُ النَّسَم،
وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالنَّهج الأقوَم،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ،
وعلى آلهِ وصحبِه ذوي الخُلُق الأكرَم.
أمابعد ...
فاتقوا الله - أيها المسلمون - بامتِثال ما أمَر، والبُعد عما نهَى عنه وزجَر؛
فإن تقوَى الله صلاحُ الأعمال، وحُسن المُنقلَب والمآل.
عباد الله :
إن من أصلحَ ما بينَه وبين ربِّه أصلحَ الله له آخرتَه ودُنياه،
وأصلحَ له ما بينَه وبين الناس، وإصلاح العبد لما بينه وبين الله
هو بتوحيد الله - عز وجل -، بأن يعبد الله تعالى وحده لا يشرك به شيئًا،
بدُعائه ورجائه والتوكُّل عليه وخوفه ومحبَّته وتعظيمه، والاستعانة به وطاعته،
والإيمان بأسمائه وصفاته والثناء على الله بها، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
وصيام رمضان، وحجِّ بيت الله الحرام، وبرِّ الوالدَين، وصِلَة الأرحام،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك ما نهى الله عنه من المُحرَّمات والمُوبِقات،
إلى غير ذلك مما أمر الله به أو نهى عنه.
مع التمسُّك بالسنَّة والإخلاص لله في كل عمل،
فمن أصلحَ ما بينه وبين خالقه بالتمسُّك بوصايا الله
وبوصايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصلح الله أمورَه كلها،
وأحسنَ له العاقبةَ في آخرته،
قال الله تعالى:
{ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي
فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }
[ الأعراف:35 ]
أي: لا خوفٌ عليهم في مُستقبل أمرهم، ولا هم يحزنون على ما مضَى من شأنهم.
وقال الله تعالى:
{ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }
[ الأنعام:48 ]
وقال - تبارك تعالى -:
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواتَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ
أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }
[ فصلت:30 ]
وقال - عز وجل -:
{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ
وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }
[ محمد:2 ].
وإصلاحُ الناس ما بينهم وبين ربِّهم بالعمل الصالح يُصلِحُ الله به الأمور،
ويحفظُ الله به الأمةَ من الشُّرور،
قال الله تعالى:
{ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا }
[ النساء:147 ]
وقال تعالى:
{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }
[ هود:117 ]
وقال تعالى:
{ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }
[ الأعراف:170 ]
وفي الحديث:
( لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الحقِّ ظاهرين لا يضرُّهم من خذَلَهم