كم نحن معنيون بعد كل هذا التيه والتغريب، بالعودة إلى إحياء أدبيات وقيم أصيلة اغتالتها العولمة, وصادرتها منا في رابعة النهار، ونحن نضحك كالبلهاء، في زحمة انبهارنا المكلوم المهزوم، بتوافه الأمور، إحياء قيم ديست بالأقدام، ونحن كأننا مخدرون أو شبه مخدرين، نلهث على أرصفة التقليد والمحاكاة، ونهرول في انبطاحٍ لا يليق بريادة خلت، وأمجاد كانت، قيم واعراف عريقة اغتصبت مع الأرض، فكان الهول فاجعاً والمصيبة عظمى، وإذا كان ما يصادر ويسلب من أمور مادية، يظل أمر استعادته قائماً لا يفت في عزيمة وعضد استعادته تقادم، ويبقى أمانة يتناقلها الخلف من السلف، وتظل عهدة الأجيال مهما الوقت طال، إلا أنه عندما تضيع القيم وتفسد أخلاق المجتمعات، فإنها تورث الناشئة وصية الدمار، التي لا يعول بعدها على صلاح أمر من أمورهم الدنيوية، فضلاً عن أمور آخرتهم !!!، فكم نحن بحاجة إلى تنظيم ورش عمل وملتقيات يتم فيها ومن خلالها الدعوة إلى إحياء مروءة قضت وانتهت، وشهامة تحتضر، وكرامات تباع بالمزاد في أسواق النخاسة والخنا، كم نحن بحاجة إلى استعادة كبرياء الشموخ، والشعور بالعزة والكرامة، قبل أن نفكر في استعادة ما اغتصب من ترابنا، لأن الأول شرط للثاني، ولأن الثاني لا يتم إلا بحضور الأول، كثيرة هي الأمثال الشعبية التي يرى العقلاء أن تدريسها للأجيال أهم من نظرية فيثاغورس وقوانين نيوتن، راعي الأولى مصطلح اجتماعي مُؤَصَّلْ، كثيرون يمرون عليه دون أن يفقهوا المعنى، والأكثرية حتى لو فهموا المعنى لا يعنيهم، ولماذا يهتمون بكرامات يعتبرونها درست مع الأطلال، طالما نحن نعيش في نهضة الانحلال ونعلق كل مثالبنا على مشذب الاحتلال، فالاحتلال هو المسؤول عن كل شيء، مسؤول حتى عن اضطرار المستورين إلى بيع الفدادين ليصبحوا من الوجهاء المحترمين، نعم والاحتلال مسؤول عن الغش في بعض منتجاتنا المحلية، وأن علينا أن نبتلع غش منتجنا لنثبت أننا وطنيون بامتياز، راعي الأولى يا أصحاب ورش عمل الجندر ومحاضرات الشمندر وملتقيات البنجر، التي ينفق عليها بسخاء، ولا تزيدنا إلا تغريباً، تعني أن الخير بالخير والبادئ أكرم، وأن من يسبق في إسداء خدمة لك، أو صنع جميل معك، مهما عملت معه لرد هذا الجميل يبقى هو صاحب الفضل، ولو كان ذبح لك فرخةً صغيرة، وأنت بعدها ذبحت له خروفاً أو حتى عجلاً سميناً تظل دجاجته هي الأكبر، وقيمة فضله هي الأعلى، لأنه كان هو المبادر، ولأن ما صدر منه أفعال، وما قمت به ما هو إلا ردود أفعال، إنما كونك ترد حتى لو بالمثل أو أقل، فهذا دليل على أصالتك، وأنك غير ناكر للجميل، ولا جاحد لأفضال من تفضلوا عليك، وغمروك بكرمهم، لأن الأسوأ أن يَعُضَّ المرءُ اليد التي مدت إليه، ولأن الأسوأ هو أن يبول عديم الأصل في صحن قدم له فيه الثريد، وهذه النوعية للأسف أصبحت كثيرة، وحين تريد أن تنصب أو تحتال، فإنها أول ما تستهدف من شبعت من موائدهم وارتوت من شرباتهم، وتنعمت في خيراتهم، وربما ضربت بسيفهم البتار، وطالت قامتها المنحنية بهاماتهم الشامخة, لهذا حذر الحكماء من شر من أكرمت من البشر، حتى لقد قيل اتق شر من أحسنت إليه، ولكن هل يعني ذلك ان نمتنع عن فعل الخير؟ أم أن نتخير لمعروفنا كما نتخير لنطفنا؟ لأن بعض الناس محسوبون أنهم ناس، علماً أنهم من سلالة الأنجاس، الخير باق واليد العليا خير من اليد السفلى، ويظل الكريم كريماً واللئيم لئيماً، وهل غير أبناء الحرام من ينكر الجميل؟.