رواية الزهـــور الذهبية للكاتبة امرأة من زمن الحب
فمدت (سيسل) يدها بلهفة مؤثرة وقالت :
"أرجوك أعطني أياها يا عزيزتي ....هيا"
فأعطتها الرسالة ثم قالت بصوت حزين :
"هناك بعض الأمور حصلت (لروبرتو) على مع أعتقد فلقد وصلت له رسالة من أمريكا حيث يعيش أهله..... أرجو أن يكون خيرا فهو لم يحدثني لا أنا ولا أمي عن الأمر.....والآن سأتركك تقرأينها وسآتي إليك فيما بعد.."
ثم تركتها ورحلت فأسرعت (سيسل) بفتح الرسالة وقرأت :
عزيزتي (سيسل) :
أدرك ما آلت إليه أمورنا وما جاء بيننا من احداث وأدرك جيدا أنها قد صنعت شرخا كبيرا في علاقتنا....لن يجعل هذا الشرخ لقاءنا سهلا أو تفاهمنا وبالتالي لن يجعلنا نستمر طويلا لذا فلقد فكرت في أن نأخذ فترة راحة حتى يعيد كل منا ترتيب أموره والتفكير بروية بالخطوات التي سيتخذها فيما بعد وبعد أن فكرت بذلك بيومان جاءت إلي رسالة من أسرتي في أمريكا تفيد أن والدي مريض جدا وأن علي الحضور فورا لمساعدته...وهذا ما قررت فعله سأسافر لأمريكا لفترة غير معروفة حيث أني لا أعرف كيف هي حالة والدي على وجه التحديد كما لا أعرف كم سأبقى هناك......وحتى ذلك الحين فلنترك كل شئ مكانه حتى نتخذ القرار السليم....
المخلص (روبرتو)
تراخت أصابع (سيسل) وسقطت الورقة من يدها ثم وقفت تحدق في اللاشئ بعينان جاحظتان وكاد قلبها يتوقف عن الخفقان وظلت تقول بصوت مسموع :
"النذل....كيف يجرؤ ؟!... كيف أمكنه؟!.......ذلك النذل"
وتهاوت على إحدى التحف على مكتبها وهمت بقذفها ولكنها تذكرت أن هذا لابد سيجعل (ألفريدو) ووالدها يشكان فيها ويريان حالتها المزرية وقد يعرفان بكل ما حصل فوضعته مكانه وانهارت على الأرض باكية وما إن ازدادت صرخاتها علوا حتى وضعت وسادة على فمها حتى لا تصدر صوتا كان ألمها قاتلا ما كانت لتتحمله وحدها ولكنها علمت أنها لا يمكن أن تشارك أحدا فيه فزاد ذلك من ألمها أضعافا ومن شفقتها عل نفسها....
عندما نزلت (فلوريا) من عندها علمت من الخادمة أن (ألفريدو) ليس في غرفته بل في الإسطبل فذهبت لتراه ولم تحدد ما ستقوله له بل لم تدري لما ستذهب لتراه ولكنها ذهبت على أية حال والتفت حول مبنى الخدم ودخلت الإسطبل من الباب الخلفي فسمعته يضحك ويقول :
"آه حبيبتي....كم اشتقت إليك....اشتقت لكلماتك وضحكاتك.....كيف لي أن أعيش بدونك؟!."
وسمعت صوت فتاة ترد قائلة :
"كل هذا لأني لم ارك يوم امس....على أية حال لقد اشاتقت عيني لك أيضا"
فمدت (فلوريا) رأسها لترى ووجدت (ألفريدو) يمسك بيد فتاة سوداء الشعر يبدو من ملابسها أنها خادمة وتذكرت أنها خادمة الإسطبل التي ذكرها (ألفريدو) في حديثه مرة فكادت تشهق ذعرا لولا أنها وضعت يدها على فمها لتمنع الصرخة ثم خرجت مسرعة وهي تبحث عن أي شئ تستند عليه فلقد أخارت الصدمة من قواها ووجدت صخرة قرب شجرة أمامها فتهاوت فوقها ووجدت نفسها تبكي بحرقة فلقد ضاعت آمالها هباءا وذهبت كل أحلامها أدراج الريح وتمزق قلبها إربا بفعل من....بفعل الشخص الوحيد الذي أعطته مفتاح قلبها , حبيبها الذي لن تستطيع أن تحب أي رجل في هذا العالم كما تحبه....لما تركها ولم يعطيها مشاعر بالمقابل.؟!.. لما هذا؟!....لأجل مجرد خادمة...خادمة في الإسطبل....هذا يعني أنها أدنى مكانة منها بالنسبة له.....أدنى بكثير فتلك الخادمة تعامله بعزة نفس على الأقل وهو الذي يقدم لها الولاء والحب فجعلها هذا تحقر من شأن نفسها في داخلها وجعل دموعها أنهارا وفي تلك اللحظة خرج (ألفريدو) من الباب الخلفي فرآها جالسة تبكي فقال :
" (فلوريا) ؟!...أنت هنا؟!....هذا رائع...كنت أريد التحدث معك لكنك تلك الليلة كنت بغاية الإستياء....ولكن....يا إلهي هل تبكين؟!...ماذا جرى؟!..."
وعندما رأته ازداد ألمها حتى أصبح شعورها وكأنه مطرقة من الفولاذ تطرق فوق قلبها فازدادت صراخا واهتياجا وحاولت الهرب منه ولكنه أمسك بها وقال :
" (فلوريا)..؟!...أرجوك إهدئي....ماذا أصابك؟!.. أرجوك أخبريني يا عزيزتي.....لهذة الدرجة أنت حزينة مني.؟....لا لا تذهبي...لن أتركك حتى تخبريني ماذا يحدث لك...لقد فطرت قلبي"
وأمسك بكلتا ذراعيها وجعلها في مواجهته وقربها منه فرؤيتها بتلك الحالة كان أمرا في منتهى السوء بالنسبة له وفي تلك اللحظة سمعت (أنجيليتا) صوته فخرجت لترى ما يجري فوجدت تلك الفتاة بين يديه وهو يتوسل لها لتخبره وكأنه يعتذر منها عن شئ ما فاختبئت خلف الباب واستمعت الى ما يقولانه فقالت له الفتاة :
"حسنا إذا كنت تريد أن تعرف.....لقد حطمتني....حطمت قلبي وكسرت كل السعادة في داخل نفسي....أهذا ما كان يبعدك عني ويجعلك لا تتقبل حبي....أهذة هي من حصلت على قلبك دوني....تلك الخادمة..؟!"
فذهل (ألفريدو) وتركها وقال :
"....هل رأيتنا؟!.....كيف علمت بالأمر؟!......هل أخبرك احد؟!....."
"لقد رأيتك بعيني وسمعتك بأذني....ومهما حاولت ان تعتذر لي عما حصل فلن يصلح شيئا.....كيف تفعل بي هذا يا (ألفريدو) ؟!....ماذا فعلت لك لتفعل بي كل هذا؟!....لقد كنا صديقان منذ الطفولة......لقد كنا معا منذ ولدنا والجميع كان يعلم أننا لبعض وأنه لن يتزوج احدنا غير الآخر....كل هذا تتخلى عنه لأجل تلك الفتاة؟!...لما؟!....لما؟!..."
وانهارت باكية فقال متلعثما :
"لا.....لقد فهمت كل شئ خطأ.....صدقيني....ولكن يجب ألا تخبري أحدا بما رأيتي....ستفسدين كل ما خططت له.."
فنزلت كلمات (ألفريدو) كالصاعقة على (أنجيليتا).....فلقد اتضح لها فجأة من يكون وما كان ينويه في داخله.....فهو لم يكن يحبها حقا بل كان كل هذا تمثيلا....لأجل ماذا لأجل أن يتسلى بها لأجل خطة في رأسه وهو لا يريد لأحد أن يعلم عن علاقتهما حتى لا يصغر هذا من قيمته او منظره......وشعرت أن قلبها يكاد ينفطر بينما قالت (فلوريا) :
"حتى لوأخبرتني أنها مجرد نزوة بالنسبة لك..فهذا لن يغير شيئا....لقد أحببتك ...نعم وأعترف بذلك.......أحببتك منذ كنا صغارا ولكني يوما لم أشعر بجزء من تلك المشاعر بداخلك إتجاهي ولكن كان عندي أمل...أمل بعيد أن تكون لي يوما حتى أصبح هذا هاجسي الوحيد ولكن الآن وبعد ما رأيته لم يعد الأمر يهم شيئا "
وظلت تبكي ورأته (أنجيليتا) ينظر الى (فلوريا) بأسى شديد وكأنه...وكأنه يحبها وسمعته يقول :
"آه ياعزيزتي.....لا يمكن هذا....لا أصدق ما يحصل.....لم أتوقع أن يأتي هذا اليوم ابدا....أنت لا تعلمين كم انت مهمة بالنسبة لي...."
فلم تستطع (أنجيليتا) أن تسمع المزيد وجرت بأسرع ما يمكن.....بعيدا عنه.....أقسى ما يمكنها اتبتعد عنه فلقد عرفت حقيقته ولكن للأسف متأخرا جدا.....
بينما (ألفريدو) لم يدري ماذا يفعل في موقف كهذا فلقد انفطر قلبه حزنا على (فلوريا) وعلى أحاسيسها ولم يتخيل أن يكون يوما ما سببا في أساها هذا ولم يدري ما يقول فأمسك بيدها وحاول تهدئتها وقال :
"كم أنا حزين يا (فلوريا) لأسمع هذا منك.....كم أشعر بالحزن والأسف لأجلك ولأجل ما تشعرين به.....لقد كنا صديقان حميمان جدا ونفهم بعضنا جيدا وقضينا أوقاتا لطيفة معا ولم أتخيل أن يحصل موقف كهذا بيننا.....أنا مدرك أني لم أعطك حبا مقابل حبك ولكن لتعلمي أني أحمل لك حبا بالمقابل كبيرا جدا ولكن فقط ليس من نفس النوع وليس السبب انت بل السبب قلبي......قلبي الذي وقع لأجل فتاة واحدة...قد ترين فيها مجرد خادمة في الإسطبل.....ولكنها افضل من ذلك بكثير أنها أروع امراة قابلتها بقلبها وروحها ورقتها وحنانها وقوتها وعزة نفسها.....لا أعرف كيف أحببتها أوحملت تلك المشاعر لها ولكن الأمر حصل وليس بيدي حيلة ولكن لا علاقة لك بالأمر أبدا فأرجوك توقفي عن البكاء فهذا يقتلني ولتعلمي اني أحسد الشخص الذي ستتزوجيه منذ الآن على قلبك الرقيق وحبك الصافي الذي سيحصل عليه حتى دون ان أعرفه......كل ما أعرفه أنه أكثر الرجال حظا....كنت أتمنى أن أكون مكانه ولكن قلبي.....انت تعلمين....أنه قلبي....وليس بيدي حيلة فيه....فأرجوك يا (فلوريا) توقفي عن البكاء ولتسامحيني.....ليفهمني قلبك كما كان يفعل دوما.....فأنا أعلم أنه سيفعل.."
وأمسك بكلتا يديها ومسح دموعها وقام بإيصالها لبيتها أما هي فلم تنطق بكلمة بعد كل ما قاله.......لم يستطع فمها ان ينطق بكلمة.....
نتااااااابع كمان طيب