هاتفني أحد الأصدقاء على الهاتف الثابت يشكو من تجاهلي لاتصالاته على الهاتف الجوال ، فحاولت تطهير الأجواء لإرضائه ، وجئته من باب ( المرجلة ) و ( حبّ الخشوم ) و ( الطلايب ) فتحول إلى جرو وسخ صغير كُسرت إحدى رجليه ! ، وعندما أغلقتُ سمّاعة الهاتف الثابت وجدتُ أنَّ كفي قد تركت أثراً عليها ، وقد علق الغُبار في راحة يدي ، تبادر إلى ذهني تساؤل سريع وبديهي : ( كمّ مر من الوقت على آخر مرة استخدمتُ فيها الهاتف الثابت !!؟ ) .
جلستُ أُحصي الأرقام الهاتفية المُضافة في قائمة الحفظ بجهاز الجوال ، فوجدتها 4 أرقام ثابتة فقط ! ، واحد للبنك وآخر للعمل وثالث يقبع تحت اسم ( Unnamed ) لا أدري لمن ولا أعرف متى حفظته ! ، والرابع هو رقم لهاتف ثابت في المنطقة الشماليّة ، عجوز كانت تتصل منه كل شهر تقريباً في فترات الصباح وتسألني عن شخص اسمه محمد ، فأقول لها بأن صاحب هذا الرقم ليس محمد ! ، وفي آخر الأيام ومع كثرة إلحاحها صرت أقول بأن محمد ذهب لقضاء غرض له وترك هاتفه عندي ، لعلي بذلك أزرع في قلبها بذرة من الأمل أسقيها كل شهر ، العجوز تتصل بي منذ 4 سنوات وبشكل منتظم حتّى الآن .
في الحقيقة أنا أعرف هذا المحمد الذي تسأل عنه العجوز ، نعم هو صاحب الرقم سابقاً ؛ أخينا في الله سافر إلى الخارج – كما روى لي – فترة ليست بالقصيرة ، حتى تراكمت الفواتير التي تسببت بدورها في قطع الخدمة عنه ، وأُسقط الرقم عمداً فأخذته بطريقة ملتوية قبل أن يصل إليه أحدهم قبلي ؛ لا أخفيكم بأني واجهت أعسر أيَّامي التكنولوجية في الأشهر الثلاث الأولى لاستخدامي الرقم ! ، فمحمد كما يبدو لم يترك عذراء ولا ثيّب ولا مُطلقة ولا عانس ولا أرملة إلا وأعطاها رقمه ، حتى شَمل ذلك فتيات من المغرب العربي وبلاد اللحم الأبيض المتوسط ، فصار الجوال هماً مؤرقاً أحمله في جيبي مضطراً ؛ وفي الوقت الذي كنت أفكر فيه بإلغاء الرقم والبصق في وجه شركة الاتصالات وقريبي معها جاءتني رسالة مفادها :
( السلام عليكم أنا صاحب الرقم سابقا ، اسمي محمد الـ**** ، ياليت أي واحد يتصل فيك يبغاني تعطيه رقمي هذا ، خصوصاً منال ) !! .
لم أكن أدري بأن هناك بشر بهذا المقدار من عدم اللباقة وضعف العقل وقلة الأدب وبذاءة المنطق وسوء التربية ، حقيقة هذا الشخص كان ( ما فيه دم ) بكل ما تعنيه الكلمة طبياً ومجازاً ؛ وقتها نزلت علي كل أساليب التعذيب والتشويه والحسد والبغض والكراهية والإفساد والتفرقة ، فجعلت أُعطي كل متصل يريده رقماً من تأليفي ، وفي غمرة هذا الشعور كنت أترقب هذه المنال ترقب الموظف لراتبه في ليلة 24 ؛ اتصلت طيّبة الذكر منال فدار بيني وبينها هذا الحوار الذي أذكر فيه حتى عدد الأنفاس التي وردت :
أنا : نعم ( بحزم وسخرية في آنٍ واحد ) .
منال : السلام عليكم .
أنا : وعليكم مثله وأحسن منه .
منال : شكلي غلطانة ..
أنا : ( قاطعتها ) .. لحظة ، تبغين محمد ؟
منال : محمد من ؟
أنا : تختبريني يعني ؛ محمد الـ**** ، صح ؟
منال : أيه ، وينه لو سمحت ؟
أنا : ممكن تسمحين لي بالقليل من وقتك ، الموضوع جدّي وضروري !
منال : محمد فيه شيء !
أنا : محمد ، لا ! محمد بخير وصحة والحمد لله .
منال : رجع من السفر ؟
أنا : صحيح ، وأنا شخص لا أعرف من محمد سوى اسمه ، ورقمه الذي أصبح معي .
منال : طيّب ، تعرف رقمه الجديد ؟
أنا : أعرفه ، وسأعطيك إياه لكن بشرط .
منال : ..
أنا : أن تسمعي كلامي كاملاً وبلا مقاطعة أو مجابهة أو تمثيل أو تكذيب ؛ وألا تقولي في آخر المكالمة بأن هذا الشخص مجنون ، اتفقنا ؟
منال : أوكي ( وهي تمضغ العلكة ) .
أنا : قبل كل شيء ! ، أرمي العلكة من باب الاحترام والأدب .
منال : مالك دخل ، فمي وأنا حُرة فيه .
أنا : إذن ، يبدو أن محمد قد اختارك بعناية ، فأنتِ لا تفرقين عنه كثيراً ؛ عموماً ما صار شيء ، في أمان الله .
منال : خلاص رميتها والله ، محمد فيه شيء أكيد ، صح ؟
أنا : جسدياً أظنه أكثر صحة من بغل هولندي ، ونفسياً فهو بالتأكيد أفضل حالاً منك ومني ؛ الأمر يتعلق بما يُخفي محمد .
منال : ..
أنا : محمد يا آنسة يعرف مدينة من النساء ، يهتمُّ لأمرهن بلا تفضيل ، ويتلمظ لأجل أن يرى رقم إحداهن يبرق على شاشة جواله ؛ محمد يا آنسة يحبهن بالتساوي ، وبنفس المقدار ، أنا أعرف ذلك بسبب الاتصالات التي وردتني في الفترة الماضية ( وهنا أعطيتها القصة كاملة ) .
منال ( مندهشة ) : أنت من أنت ، وش الكلام اللي قاعد تقوله .. !!
أنا : أنا لا تعرفيني ولا أعرفك ، ولا أريد ذلك صدقاً ؛ لكن محمد خصّك في رسالة منه لي ..
منال ( مقاطعة ) : أنت ، هيه ! ، محمد هذا خطيبي .
منال : يا أخي ، أرجوك ! ، أنا بنت ناس ومحترمة ولا أطلع كوفيات ولا أواعد ولا عندي أصدقاء من الذكور ، لكن ولأكون صادقة معك أنا عرفت هذا المحمد على شاطئ العُراة في إسبانيا !! ، وقد كانت والعياذ بالله وكزة شيطان لمدة شهرين ! .
أنا : عجيبة أنتِ ؟ ، ومن قال بأن وكز الشيطان يستمر لتلك المدة ، أعتقد بأن الشيطان كان يعمل ( كامبينج ) فوقك ! ؛ لا يهم أمرك يا آنسة ! ، المهم أمر هذا المحمد .
منال ( منفعلة ) : وربي خرعتني ، هلكتني ! ، أخلص علي وقول !! .
أنا : هذا كل شيء ، أتمنى أن تخلعي خطبتك وتكركبي الدنيا فوق رأسه ، ولو أردتِ لأعطيتك بعض أرقام صديقاته اليافعات ، وعلى فكرة ترى أصواتهن أجمل من صوتك بمراحل كبيرة .
منال : أنت يا أخ ، أنت تعرف أنك كذا تخرب بيتي ، أنت متأكد من كلامك ؟
أنا : لا تبالغين ، أي بيت يا هوه ، لسى يمكن عندكم بس غرفة نوم فستقيّة ، يمديك تلحقين عمرك وتواجهين الفاسق ابن الفاسق بحقيقته .
منال : أنا لازم أتأكد ..
أنا : أكيد لازم ، تفضلي هذي كم رقم باقية في سجل المكالمات عندي ..( أعطيتها 9 أرقام ) ، تأكدي وتصرفي بحكمة .
منال : مشكور ، وما قصرت ؛ بس حرام عليك لو كان كلامك كذب !
أنا : كذب ! ، أعوذ بالله ! بالعكس كلامي صدق ، عموماً هذا أقل ما أقدمه ، وحبذا لو تعرفين مكان محمد هذا تعلميني لأني محتاج أعطيه رقمه يد بيد و وجه بوجه .
وأغلقت الخط وأنا أتصور ردّة فعل هذا الدجاجة محمد ، كيف سيكون موقفه أمام خطيبته وذويه والناس أجمعين ، بل حتّى صديقاته التسع كيف ستكون ردة فعلهن ؟ ، اعتقدتُ أول الأمر أن فعلتي شنعاء وقذرة وتندرج تحت أهداف الموساد ، لكن بعد لحظات فقط تمنيّت لو أني ( بهرتْ ) الأمر أكثر ، وزدت من عندي ! ، لكن كان ما كان .
تختلف ردة الفعل من كائن لآخر ، فالبعض يرى أنَّ استرداد حقه هو عملية سرقة ! ، والعكس هو الصحيح ، فلو أُخذ حقك يجب أن تتحول إلى أسد وتتشبث بفريستك وترمي بثقلك على الأرض لأجل أن توقعها ، تبطحها وتمرغ لحمها بالتراب ، استرداد الحق لا يكون بالضرب والشدة كما يظن البعض ، ربما يكون بالهدوء والتريث والترتيب والمكيدة ، والنوع الثاني أكثر لذة لصاحب الحق وأثره أكبر في نفس الطرف الآخر .
لم أكن أعلم أن هناك شرائح سوا توزع في أوقات الحج وتعمل لمدة 3 أشهر فقط وبعدها تُقطع ، وتستطيع بالواسطة أن تجعلها تستمر أبد الآبدين ، ولم أكن أعلم بأن العمل يوزع هواتف برافو ، أنيقة وتعمل على توفير نقودك بشكل مفجع ! ، وبأن هناك نقاطاً تُسمى قِطاف ، تقطف ثمارها كلما قطِفت من رصيدك ، آخر ما أذكره أن لدي 1800 نقطة تقريباً قضيتُ 5 ساعات في محاولة مني لأجل أن استفيد منها ولم أفلح فحاولت أن أحولها لرقم آخر لا أعرفه فضبطت وذهبت النقاط نقطة نقطة ! ، يجرني الحديث إلى القول بأننا نحن الشعب السعودي أقل الناس انتفاعاً من الأشياء المجانيّة ! ، فلا أذكر سعودياً قد كتب اسمه في كوبون بيتزا هَتْ لأجل الفوز بسيّارة دودج ، أو شارك في الجريدة التي تصله يومياً مجاناً لأجل جوائزها الضخمة ، ومنذ أيّام كأس العالم 94 وعلب الكوكاكولا التي وضعت عليها أسماء اللاعبين المشاركين في تلك الكأس كنّا نرميها بعد فراغنا من شربها ! ، وأنا قبل شهر تقريباً وجدتُ سودانياً يحفظ العشرات من تلك العلب لأجل الذكرى ! وبعد أن قدمها لشركة كوكاكولا كافأته بـ1000 دولار لكل علبة !! ، لا تحاول عزيزي القارئ بعد هذا أن تحتفظ بعلب راني أو أكياس لبن شنانة ! ، ليس لشيء إلا لأنك سعودي ! ، ألم تشاهدوا يوماً سباقات الفروسيّة يوم الجمعة ؟ ، كل من يفوز بالسيّارات هم من حَملة الجنسيّة السودانية ! ، وإن ابتسم الحظ ذلك اليوم ، وفتح ذراعية لنا ، فزنا بوجبة مجانيّة من ماكدونالدز ! .
أعرف أن لا علاقة بين مقدمة الموضوع ومؤخرته ! .