العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > الإبداعات الأدبية
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 23-05-2008, 06:33 AM   رقم المشاركة : 1
رفيف المدينة
( ضيف الــود )
 
الصورة الرمزية رفيف المدينة
 





رفيف المدينة غير متصل

الخوف

إلى الريح أشكو همي وأسألها (أما حان لي أن أرتاح؟!). تغادر الريح ويسود الصمت المكان، فأهجو نفسي لأني قسوت على الرياح. أحمل أمتعتي وأكمل ترحالي عبر أغوار الجذور الإنسانية، فلا أرى سوى مجموعة من الأعمدة القائمة منذ سالف العصر والأوان، والميراث الهاجع بين أضلاعي يستكين مع الزمان. أسائل ذاتي (حتامَ يبقى الخوف يسكن تلك الأعماق السحيقة ويحول البشري إلى حيوان يخاف من كل ما هو غريب عنه؟!).

مأساة أن لا نعرف، والمأساة الأكبر أن نحول الكذبة إلى واقع خيالي نعيش ونتوه فيه، إذ إن خوفنا القابع في الظلمة يجعلنا ننشد الأمان المستحيل، ونركن إلى زاوية لا نبصر فيها سوى ما نريد، حتى لا يعود بالإمكان رؤية الأمور كما تبدو في حقيقتها بل في زيفها المتلون، فتتراءى كوهم أصيل..
ولا يتوانى بعض الناس عن التباهي بندرة الأشياء التي تخيفهم، بينما تقبع في أعماقهم قصص تفوق الأفلام الخيالية رعباً، وعندما ينبثق الخوف لديهم في لحظة يهرعون إلى حضن الوهم ليحتموا به.

يدفع الوهم المستبد الأدمغة إلى الإصغاء بشوق إلى قصص مروية، أضيف إليها بعض المواقف المختلقة التي لا تمت إلى الموضوع بصلة. إنما كثرة تناقلها جعلها تأخذ شكلاً مألوفاً ذا محتوى فارغ يشجع القاص، في غمرة انفعاله، على استخدام كلتا يديه كوسيلة شرح داعمة. والمستمع يتلقى كل كلمة تقال بحماسة طفولية ويخالها صادقة. وننسى أنه في داخل كل إنسان تهجع حكايات حزينة، ربما أسهم كل جزء منها في تغذية خوفنا الموروث وحوله من برعم صغير يحمينا إلى أغصان متشابكة تعيقنا وتكبح عفوية الطفل المذعور داخلنا، ويظهر تأثيرها في سلوكنا غير المنتظر.

قصة الخوف أزلية ظهرت مع أول خلية نشأت على الكرة الأرضية، وتطورت مع تطورها، حتى لم يعد بالإمكان معرفة من تطور أكثر، ومن المسيطر. إذ أورثنا الأجداد البذرة، فغرسها أهلنا في أبعاد لا وعينا المظلمة، وغذَّاها المجتمع المحيط بنا لتغور أكثر فينا، وروتها أيام الخوف التي مرت بنا فأصبحنا مرتعاً لها حتى تحولت إلى جزء لا يتجزأ من أنانا.

يدفع الخوف المرء إلى تحاشي تكوين رأي خاص به، ويعتقد أن الرأي السائد هو الصحيح وجوباً. ويغدو كل ما تعلمه عن النسبية والمطلق ضائعاً في غياهب النسيان، فيطلق أحكامه على هذا الأساس، وهو في حقيقة أمره لا يعي ماهيته، مما أفقده إحساسه بوجوده والدفاع عنه إذا ما تعرض للانتهاك.
إن بكيت خوفاً فدموعي لا تفيد في شيء، وإذا ناديت مستنجدٍ فصوتي سيضيع في المدى. أمد يدي فلا ألقى سوى الوهم، وأرى نفسي أعيش في قافلة الظلال. أحياناً أخال صوتي قوياً يبلغ صداه الأصم، لكني ما ألبث أن أكتشف آسفَ أني ما أزال أحيا في وهم الأسلاف، وأني لست أقوى من تلك الدائرة اللامرئية المصطنعة.







 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:15 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية