يدل على ذلك موقف رائع قلّ أن تجد من يفعل مثله ؛ ألا وهو موقف أبي طلحة الأنصاري – رضي الله عنه – من قوله تعالى :( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(آل عمران: 92) . فعن أنس – رضي الله عنه – قال : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلاً ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يدخلها ويشرب من ماءٍ فيها طيب ، فلما أنزلت : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قام أبو طلحة فقال : " يا رسول الله ، إن الله يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وإن أحب أموالي إلي بيرُحاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برّها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بَخْ ، ذلك مالٌ رايح ، ذلك مال رايح ، وقد سمعت ما قلت ، وأني أرى أن تجعلها في الأقربين " قال
أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمَّه " (17).
فهذا الموقف ذكره يكفي ويغني عن التعليق عليه ، ولكن إذا أردنا أن نكون على بينة من روعة هذا الموقف ، فلننظر إلى حالنا مع هذه الآية ، وما موقفنا منها عندما تتلى علينا ؟! هل فكر أحد منا أن ينفق أحب ما يملك فضلاً على أن يفعل ذلك ؟! . ولكنه الإيمان واليقين بما عند الله ، وإيثار ما يبقى على ما يفنى ، وهذا ما دفعهم إلى اتخاذ مثل هذه المواقف الرائعة . فنسأل الله أن يلحقنا بهم بحبنا لهم لا بأعمالنا فلن نصل إلى ما وصلوا إليه وهم أصحاب مثل هذه المواقف .