العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 17-12-2007, 10:20 AM   رقم المشاركة : 1
king-abdullah
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية king-abdullah
 





king-abdullah غير متصل

Icon3 قارون وفتنة العصر

قال الله تعالى في كتابه العزيز:
(إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ
أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {77}قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ {78} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا)[سورة القصص].
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، وعمل بشرعه مخلصاً إلى يوم الدين، وبعد.
في القرآن الكريم مواقف تربوية عديدة، يتعلم منها العبد كيف يضبط نيته وعقيدته وسلوكه على شرع الله الحنيف، ليعمر الكون بنواميس الله في الخلق، ويفوز بالجنة والنعم المقيم ويقي نفسه وأهله ناراً وقودها الناس والحجارة، ويعيش في راحة نفسية، فتهدأ حياته، في وقت طغت فيه المادة، وفقد الناس الأمن والأمان النفسي، فرغم النعيم الذي يرفل فيه معظم الناس في بداية القرن الواحد والعشرين الميلادي فإن حياتهم يملأها القلق والضياع والنكد والضنك وذلك لبعدهم عن منهج الفطرة القويم، منهج الله سبحانه وتعالى.
ومن تلك المواقف التي يجب أن يتعلم منها المسلم في هذا العصر، قصة قارون، تلك القصة التي جسدت فتنة الجهلاء وطغيانهم بالمال، والعلم والجاه.
المال : الذي لا يؤدي العبد حق الله فيه، ولا يراعي الحلال والحرام في تحصيله، ولا يعطي عباد الله حقوقهم منه، ويصرفه في غير مصارفه الشرعية، ولا يراعي الضوابط الإسلامية في تثميره.
والعلم: الذي يعطي صاحبه، ويخرجه عن حد الاعتدال ويسنده إلى نفسه، ولا يؤدي حقه، ويستخدمه العبد في الحيود عن شرع الله في الحياة، والدعوة إلى العلمانية، والدارونية، والقارونية والإباحية.
والجاه الذي يستغل لسلب حقوق العباد وظلمهم وإعطاء من لا يستحق ما لا يستحق.
كما توضح قصة قارون أهمية العلم النافع والإيمان بالله في قراءة أحداث الحياة وواقعها القراءة الصحيحة المنجية للعبد من الواقع في الفتنة.
فما أحوجنا عباد الله إلى تعُّرف هذه القصة وتعلُّم العظات والعبر التي ساقها الله سبحانه وتعالى من أجلها في كتابه الكريم.
فهيا بنا إخوتي نتعرف القصة كما وردت في سورة القصص، وهيا بنا نشاهد مشاهدها كما صورها القرآن الكريم، وكما فسَّرها المفسرون، وتعّرف حقيقتها العالمون.
إنها قصة الصراع الدنيوي الدائم بين الحق والباطل، والبغي والاعتدال، والغلو والوسطية، والعلم النافع والعلم الضار.
إنها القصة التي يجب أن يتعلم منها المسلمون ويعلموها لأبنائهم في القرن الحادي والعشرين الميلادي الطغيان المادي النقي العلمي الدولي المحلي.
فهيا بنا نعيش الأحداث ونشاهد المشاهد ونستخلص منها الدروس والعبر.
المعد د. نظمي خليل أبو العطا
خبير عصر وثري قومه يُفسده علمه :
لقد كان قارون خبيراً في بعض علوم عصره، فأصبح من أثرياء قومه، وبدلاً من أن يعلم قدر نفسه، ويشكر نعمة ربه، أفسده علمه، وأهلكه ماله، فطغى ككل طغاة الأرض، وكفر بأنعم الله ككل الكافرين بها في كل عصر ومكان. فأذاقه الل من عقابه ما جعله عبرة للناس وعظة .
وقد تجسدت في قصة قارون فتنة القرن الحادي والعشرين الميلادي، تلك الفتنة التي بُذرت بذورها في القرن السابع عشر، وتشرَّبت الفتنة في القرن الثامن عشر، ونبتت وظهرت في القرن التاسع عشر، وترعرعت وهاجت في القرن العشرين، وأثمرت وأينعت، فدخلت بطلعها المشابه لرؤوس الشياطين إلى القرن الحادي والعشرين فتحول الإنسان إلى حيوان مادي شهواني، ملأ فساده العلمي الأرض والفضاء الخارجي، وانتشرت ثقافة الرّعي الجائر والأفتراس فكانت فتنة الطغيان والكفران في الأرض.
فتنة عصر الطغيان والكفران:
إنها فتنة الطغيان بالعلم المادي، والكفران بنعم الله الكوني، وحجب الحقوق عن أصحابها، بل وسلب الناس حقوقهم وخيراتهم وأمنهم وأمانهم ومحاولة سلخهم من دينهم بالقوة.
فهذا العالم المادي التقني الذي لا يضع للقيم الدينية والعلاقات الإنسانية نصيباً في علاقاته، وأهدافه ومخرجاته، هذا العالم حوّل قصة قارون، من موقف رجل طغى وتكبر بعلمه وماله وتقنياته وجاهه، حولها إلى ظاهرة عالمية، دولية، جماعية تنذر بالهلاك للبشرية.
فما الأدلة العلمية والشرعية والأجتماعية الدالة على ذلك؟
وما الدروس والعبر المستفادة من تلك القصة؟
تلك ي الغاية من جولتنا القرآنية العلمية التربوية هذه والتي سنبدأها بالآيات البينات كما وردت في سورة القصص
قال الله تعالى (إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ{76} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {77}قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ {78} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ {80} فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ {81} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ {82} تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {83} مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا)[سورة القصص].

في رحاب الآيات :
يقص الله سبحانه وتعالى علينا في الآيات البينات السابقات قصة رجل من بني إسرائيل آتاه الله مالاً كثيراً، وعلماً غزيراً، فبغى بماله، وتكبر بعلمه، ومارس البغي والكبر على الناسن ففتن الجاهلين، الذين لا يعلمون حقائق الأمور، أصحاب النظرة الدنيوية غير السوية وعلم العالمون أهل العلم النافع والعقيدة الصحيحة والثوابت الإيمانية والنفوس السويِّة، عَِلموا حقائق وثوابتها فلم يقفوا مكتوفي الأيدي، بل نصحوا لقارون ونصحوا للجاهلين، فازادوا قارون عناداً وتكبراً وطغياناً، ورفض العلم العلم النافع، والنصيحة المخلصة الصواب، فازداد الجاهلون فتنة بزينة قارون وماله، وعم فساده الديار والعباد، وكان لابد من رحمة الله وأمره الفاصل في تلك القضية الخطيرة.
الجزاء من جنس العمل :
وفي وسط الفتنة وطغيانها، يرحم الله تعالى عباده من هذه المأساة الطاغية، وينزل سبحانه عقابه برأس الفتنة، فيفيق الغافلون الجاهلون من غفلتهم وفتنتهم ويعلمون جهلهم وقصور نظرتهم، ويزداد العالمون إيماناً ويقيناً وتثبيتاً ومكانة وعلماً، ويجني الطاغي الباغي ثمرة طغيانه وبغيه ويعرف نهاية غروره وكفرانه بأنعم الله.
القصة تجسد القضية :
وتظل تلك القصة شاهدة ومجسدة لجانب من جوانب الصراع الدائم بين الحق والباطل، والاعتدال والطغيان، والعلم والجهل، والهداية والفتنة، وعشاق الفانية والعاملين للباقية.
تلك القصة المتكررة في تاريخ البشرية دائماً، والتي ازدادت استعاراً في عصرنا المادي، حيث طغت التربية المادية الدارونية الحيوانية الجسدية، على التربية السوية المتزنة الإيمانية.
فزهى العلم المادي الخالي من القيم الدينية، وطغى العلم المادي بعلمهم وبغوا، وازدادوا في طغيانهم وفاض بعد أن جمعوا بين بلايا قارون وأمراض قوم لوط، وعقائد عاد وثمود، وتأله فرعون والنَّمرود وفلسفة أبي لهب، وأبي جهل، ومسيلمة الكذاب، ولينين، وماركس، وهولاكو، وريان، ورادوفان، وساتر، وسلمان رشدي وغيرهم من بني جلدتنا.
في ظلال القصة :
وكما قال صاحب الظلالرحمه الله(1) : عن قصة قارون :
لا يحدد الله (سبحانه تعالى ) زمن القصة، ومكانها إنما يكتفي (بتعريفنا بقارون) إنه كان من قوم موسى فبغى عليهم.. ثم قال : فهل وقعت هذه القصة وبنو إسرائيل وموسى في مصر قبل الخروج؟ أم وقعت في بني اسرائيل من بعد موسى ؟ هناك روايات تقول : إنه كان ابن عم لموسى عليه السلام وأن الحادث وقع زمن موسى، ويزيد بعضهم، فيذكر أن قارون آذى موسى، ودبر له مكيدة ليلصق به تهمة الفاحشة بامرأة معينة، في مقابل رشوة من المال فبرأ الله موسى، وأذن له في قارون فخسف به الأرض.
ثم يقول صاحب تفسير الظلال:ولسنا بحاجة إلى تحديد الزمان والمكان فالقصة كما وردت في القرآن الكريم، كافية لأداء الغرض منها في سياق السورة، والتقرير القيم والقواعد التي جاءت لتقريرها ولو كان تحديد زمانها ومكانها وملابساتها يزيد في دلالتها ما ترك الله سبحانه وتعالى تحديدها (أ . هـ ) .
القرآن يعلمنا السمو الفكري والعلمي:
فمن الكلام السابق أخوتي في الله نتعلم أهمية البعد عن التفاصيل غير النافعة، ونتعلم كيف نرتفع فوق مستوى الأحداث الصغيرة، ونركز على الدروس والعبر الكبيرة والقضايا العظمى المفيدة من كل حدث وواقعة في حياتنا السياسية, و الأقتصادية والأجتماعية والتربوية والعلمية.
ومن يقرأ معالجة المؤرخين والمربين للتاريخ الإسلامي يجد أن معظمهم قد انشغلوا بالأحداث الصغيرة وركزوا على صغائر الأحداث والأمور وغفلوا القضايا الكلية الكبرى والدروس المستفادة من التاريخ.
فمن يطلع على كتب التاريخ الإسلامي في ديارنا الإسلامية والتي تدرس لأبنائنا يجد المعدِّين والمؤلفين وواضعي محتوى المناهج ومعدين تجدهم يقفزون فوق أحداث التاريخ الإسلامي ليصلوا إلى مواضيع الفتن فيقفون عندها طويلاً ويركزوا عليها ويطنبوا فيها، ويحللوا، ويهملون ساعات العمل البناء وأيام المجد و الإجتهاد، وبناء الحضارة التي ملأت سمع الدينا وبصرها.
وبهذا تحول التاريخ الإسلامي في عيون أبنائنا وعقولهم وودجدانهم تحول إلى مواقف للقتل، والفتن، وهدم الدولة، وقتل الخليفة، وتنصيب القاتل، والذي سرعان ما يأتينا مشهد قتله، ثم تنصيب الغالي له وهكذا يقفذزون بجهلهم ونظرتهم الضيقة ونفوسهم غير السوية يقفزون على الأحداث المهمة ويركزون على الأحداث غير المهمة.
مناهجنا الدراسية والهرج والمرج والفتنة :
فالمناهج الدراسية، والكتب المدرسية في عالمنا الإسلامي تغص بمواقف الهرج والمرج التعليمية من حادث الإفك، إلى إقتتال الصحابة رضوان الله عليهم، وقيام الدولة الأموية وأيام الفتنة والقضاء عليها، وتأتي الدولة العباسية في مواقف تربوية أشد هرجاً ومرجاً، وتأتي الدولة الفاطمية، فدولة المماليك، فالرجل المريض أيام الدولة العثمانية، حتى تحول تاريخنا إلى ميلاد سريع وبكاء طويل واحتضار وموت وعزاء.
من هنا يعلمنا الله سبحانه وتعالى في قصة قارون كيف تهتم بالمفيد ونبتعد عن غير المفيد.
بطل القصة ومسلكه مع قومه :
يقول الله تعالى :( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم )(2).
يقول الدكتور الزحيلي(3):أي أن قارون الذي أصبح مضرب المثل والغنى والثروة والظلم والعتو كان من بني اسرائيل تجبر وتكبر بكثرة ماله، وتجاوز الحد في ظلمهم وطلب منهم أن يكونوا تحت إمرته مع أنه قريبهم.
وظلم ذي القربى أشد غضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
وقال الشيخ ابن السعدي(4) رحمه الله تعالى : يخبر الله تعالى، عن حالة قارون، وما فعَل وما فُعل به، ونُصح ووعظ فقال (تعالى ) : (إن قارون كان من قوم موسى (5)أي من بني إسرائيل الذين فُضِّلوا على العالمين، وفاقوهم في زمانهم، وامتن الله عليهم بما أمتن به، فكانت حالهم مناسبة للاستقامة.
ولكن قارون هذا، انحرف عن سبيل قومه (فبغى عليهم)(6)، وطغى بما أوتيه من الأموال العظيمة (أ. هـ) .
هكذا تبدأ القصة فتعين اسم بطلها (قارون) وتحدد قومه (قوم موسى) وتقرر مسلكه مع قومه هو مسلك البغي (فبغى عليهم )(7) .
سبب البغي :
قال تعالى : (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة )(8) .
قال الدكتور الزحيلي (9) : أي وأعطيناه من الأموال النقدية العينية المدخرة التي يثقل بحمل مفاتيح خزائنها العصبة (رضي الله عنهما ) القوية من الناس، قال ابن عباس (رضي الله عنهما) : إن مفاتيح خزائنه كان حملها أربعون رجلاً من الأقوياء (أ .هـ).
وقال الأستاذ سيد قطب رحمه الله (10) : إن سبب البغي هو الثروة (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة )(11)، ثم تمضي بعد ذلك في إستعراض الأحداث والأقوال والأنفعالات التي صاحبتها في النفوس.
لقد كان قارون من قوم موسى، فآتاه الله مالاً كثيراً، يصور كثرته بأنه كنوز ـ والكنز هو المخبوء المدخرة من المال الفائض عن الاستعمال والتداول بأن مفاتح هذه الكنوز تعيي المجموعة من أقوياء الرجال... من أجل هذا بغي قارون على قومه .
ولا يذكر (الله سبحانه وتعالى) فيم كان البغي ليدعه مجهلا يشمل شتى الصور .
فربما بغي عليهم بظلمهم وغضبهم أرضهم وشياءهم كما يصنع طغاة المال (والجاه) في كثير من الأحيان (12).
وربما بغي عليهم يحرمانهم حقهم في ذلك المال، حق الفقراء في أموال الأغنياء، كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء، كي لا يكون دولةً بين الأغنياء وحدهم ومن حولهم محاويج إلى شيء منه، فتفسد القلوبن وتفسد الحياة وربما بغي عليهم بهذه وبغيرها من الأسباب (أ. هـ ) .
من صور البغي الحديثة :
ومن صور البغي الحديثة استغلال الأغنياء حاجة الفقراء والعاملين، والتعاقد معهم على العمل بأجور متدنية لا تكفي أعباء المعيشة اليومية، ولا تؤمن للمتعاقد والعامل حياته، وحياة من يعول، وكلما ارتفعت الأسعار العالمية واشتدت حاجة الناس للمال، زاد بغي الأغنياء سواء كانوا دولاً أو شركات أو أفراد وقللوا من رواتب الناس، وقد يتعاقد أحدهم على راتب ويظل يعمل به لمدة خمسة عشرين عاماً لا يؤيد علاوة واحدة والأسعار تزيد بجنون من حوله والأدهى والأمر أن يساوم صاحب المال المتعاقد على تخفيض الراتب أو انهاء التعاقد، وكلما أشتد حاجة الناس زاد البغي وهذا ما نراه في رواتب العمال والمتعاقدين الذين يعطون أجراً شهرياً يصرفه رب المال في سويقات قليلة، وهذا يفجر الحقد في النفوس، وجعل الناس يحقدون على الأغنياء بسبب هذا البغي وهذا الظلم، وقد ترتب على هذا البغي أمراً أمراضاً خطيرة، فقد ترك الرجال أسرهم ونساءهم في دولتهم لضعف الرواتب فضاع الرجل في مكان التعاقد، وضاعت الأسرة والمرأة في الموطن الأصلي، وتفككت العلاقات وضاعت القيم كل ذلك ببغي الطغاة بأموالهم وسلطانهم.
معالجة أهم أمراض العصر:
" وعلى أية حال فقد وجد (قارون ) من قومه من يحاول رده عن هذا البغي، وإرجاعه إلى المنهج القويم، الذي يرضاه الله في التصرف بهذا الثراء وهو نهج لا يحرم الأثرياء ثراءهم، ولا يحرمهم من المتاع المعتدل بما وهبهم الله من المال، ولكنه يفرض عليهم القصد والاعتدال وقبل ذلك يفرض عليهم مراقبة الله الذي أنعم عليهم، ومراعاة الآخرة وما فيها من حساب قال تعالى :( إذا قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد من الأرض، إن الله لا يحب المفسدين)(13).
قال الدكتور الزحيلي(14): أي قال له جماعة من بني إسرائيل من النصحاء، حينما أظهر التفاخر والتعالي: لا تبطر ولا تفرح بما أنت فيه من المال، فإن الله لا يحب الأشريين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم ولا يستعدون للآخرة، أي يبغضهم ويعاقبهم كقوله تعالى (كي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ) (15).
" وفي هذا القول، جماع ما في المنهج الإلهي القويم من قيم، وخصائص تفرده بين سائر مناهج الحياة(لا تفرح ) : فرح المزهو المنبعث من الاعتزاز بالمال، والاحتفال بالثراء، والتعلق بالكنوز والابتهاج بالملك والاستحواز.. لا تفرح فرح البطر الذي ينسي النعم بالمال، وينسى نعمته، وما يجب لها من الحمد والشكران . لا تفرح فرح الذي يستحقه المال، فيشغل به قلبه ويطير له لبه ويتطاول به على العباد.
(إن الله لا يحب الفرحين)،فهم يررونه (أي المال) بذلك أي الله، الذي لا يحب الفرحين المأخوذين بالمال، المتباهين، المطاولين بسلطانه على الناس (أ.هـ) (16).
وهنا نقول : لقد عالجت الآية الكريمة في قوله تعالى (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين )(17) عالجت أهم مواقف العصرالحديث، وهو الفرح بالمال، والتعالي على الناس به، ومحاولة إذلال عباد الله بمال الله وقد انتقلت العدوى الفيرو (18) مالية من فرد إلى فرد، ومن جماعة إلى جماعة، ومن بلد إلى بلد حتى أصبح في العالم بلدان تذل بلداناً أخرى بثرائها وتسيطر على شعوبها بما تقدمه لها من معوقات ومساعدات، وتتحكم في سياساتها الداخلية والخارجية وحتى تحديد نسلها، وعلاقة الرجل بزوجه، بهذا المال.
وترى أفراد هذه الدول يتعالون ويتطاولون على أبناء الدول الفقيرة، ويفرحون بما آتاهم الله من ثروات طبيعية، وقوى بشرية، وتقدم تقني ولهذا أصبحت هذه الشعوب قارونية الهوية والمسلك والسلوك.
ومن هنا أصبحت القارونية ظاهرة عالمية سبق القرآن فيها العالم الحديث فعالجها معالجة إسلامية عالمية فريدة.
المنهج الالهي في التمتع بنعم الدنيا:
النصيحة الثانية التي نصح بها العالمون قارون تجلت في قوله تعالى ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة )(19) أي قد حصل عندك من وسائل الآخرة ما ليس عند غيرك من الأموال، فابتغ بها، ما عند الله، وتصدق ولا تقتصر على مجرد نيل الشهوات وتحصيل الملذات(20).
وقال الدكتور الزحيلي في ذلك (21) : أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة ( استعملها ) في طاعه ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة فإن الدنيا مزرعة الآخرة (أ . هـ).
وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم، المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة، بل يحضه على هذا، ويكلفه إياه تكليفاً كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضيعها .
لقد خلق الله طيبات الحياة ليستمتع بها الناس، وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها فتنموا الحياة وتتجدد وتتحقق خلافة الإنسان في الأرض، ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة، فلا تنحرفوا عن طريقها، ولا يشتغلون بالمتاع عن تكاليفها، والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم، وتقبل لعطاياه وانتفاع بها، فه طاعة من الطاعات يجزي عليها العبد بالحسنى وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان )(22).
وهذا درس إلهي لمن يتصور أن التدين معناه حرمانهم من متع الحياة، وأن الدين يدفعنا نحو الانعزال عن الحياة، وقد ظن البعض أن المرأة إذا امتثلت شرع ربها فقد دفنت في البيت، الذي يجب أن لا تخرج منه إلا للزواج أو الدفن، هذا فهم كنسي للحياة لقد خلق الل النعم لينعم بها الإنسان بلا بغي ولا أهمال.
أن التصورات الخاطئة للإسلام ولشرع الله جعل الناس ينفرون من دين لم يتعَّرفوه، وشرع لم يتعلَّموه، إن في الزواج سنة، وفي الجماع صدقة، وفي إحكام الزواج صدقة، وفي مداعبة الزوج صدقة، وحسنة، والتمتع بنعم الله، بشرع الله شكر الله، غفل عنه الغافون فتاهوا في متع الحياة .
الموعظة الحسنة :
ونصل معاً في مشاهدة قصة قارون إلى الموعظة الثالثة التي وعظه بها العالمون من قومه حيث قالوا له كما قال الله تعالى (ولا تنس نصيبك من الدنيا )،أي ما أباح الله فيها من المشاكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح (والمراكب) فإن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاًَ، ولزَورِكَ (أي زوارك) عليك حقاً فآت كل ذي حق حقه(23).
وقال الشيخ السعدي (24): أي لا نأمرك أن تتصدق، واستمتع بدنياك، لا يثلم دينك، ولا يضر آخرتك(أ.هـ).
وهذه هي وسيطة الاسلام في الحياة، قال ابن عمر (رضي الله عنهما) اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) (25).
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان (تعادل وتناسق) يمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته (السوية ) المتعادلة التي لا حرمان فيها، ولا اهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة (26).
وأحسن كما أحسن الله إليك:
أما النصيحة والموعظة الرابعة التي وعظ بها قارون فهي قول قومه له (وأحسن كما أحسن الله إليك)(27) أي أحسن إلى خلقه كما احسن هو إليك بهذه الأموال (28).
فهذا المال هبة من الله وإحسان فليقابل بالإحسان فيه، إحسان التقبل وإحسان التصرف، والإحسان به إلى الخلق وإحسان الشعور بالنعمة وإحسان الشكران. (29).
وفي الآية أمر بالإحسان مطلقاً بعد الأمر بالإحسان بالمال، ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه وطلاقة الوجه، وحسن اللقاء، وحسن السمعة، أي أنه جمع بين الإحسان المادي والإحسان الأدبي أو الإحسان الخلقي(30).
آية كافية في الإحسان :
وهذا مبدأ عام في حياة المسلمين( وأحسن كما أحسن الله إليك)(31).
فإذا أحسن الله إليك بالمال فأحسن إلى نفسك بشكر الله عليه وعدم التقتير على نفسك، وعدم الإسراف وتضييع المال فيما لا ينفع ولا يفيد، وأحسن إلى عيالك وزوجك بالتوسيع عليهم، وإبعادهم عن الإسراف، وتضيع المال في اللهو وبما لا يرضي الله، وأحسن إلى والديك ببرهما والإحسان إليهما، وأحسن إلى رحمك وجيرانك بمساعدتهم، والوقوف بجانبهم ومعهم في الأزمان والملمات والأفراح وأوقات السرور، وأحسن إلى زورك (أضافك ) بأكراهم وأطعامهم والقيام بواجبات الضيافة معهم قدر إستطاعتك، وأحسن إلى فقراء المسلمين وأراملهم وعجزتهم وعاجزيهم ومرضاهم والغارمين من الناس وأنفقه في سبيل الله وفك أسر الأسير، ودفع الدية عن أصحابها والديون على المدينين المعسرين ومساعدة الشباب الراغب في الزواج وغير القادر عليه.







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:10 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية