لغز: لماذا تغضب إدارة بوش من 'أوروبا العجوز'؟!
الغضب و القلق الذي ينتاب إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش هذه الأيام جراء "التعنت" الفرنسي-الألماني و ومحاولة وقوفه الند للند ومواجهة ضغوط واشنطن يسلط الضوء في شكل غير مسبوق على الصورة التي تريدها الإدارة الحالية للولايات المتحدة ضمن علاقاتها بأقرب الحلفاء إليها و لا داع للتساؤل بشأن طبيعة العلاقات التي تريدها مع "خصومها" المستضعفين.
فواشنطن لم تستصغ أن "يناقش" الأوروبيون رغباتها التي هي "أوامر" سواء في إطار مجلس الأمن أو ضمن نطاق الحلف الأطلسي، و هي لو استطاعت لانتزعت من أعضاء مجلس الأمن الآخرين حق النقض (الفيتو) لتمرير ما تشاء من القرارات. و الغريب أن الموقف الألماني-الفرنسي الذي لم ينتهك "ضوابط" دبلوماسية أو غيرها ضمن سيادة أي دولة بإمكانها أن تتمسك بأي موقف سواء كان نابعا من منطق الأشياء أو مستجيبا لمصالح يبقى الدفاع عنها في إطار العلاقات الدولية أمرا مشروعا. و إذا كان هناك "تدافعا" بين أبناء العائلة الغربية الواحدة فلإن إدارة بوش انتهجت سياسة و منهاجا يكاد يختلف كلية عن سابقاتها و لم تراع مصالح و ظروف أقرب الحلفاء إليها.
و الملفت أن امتعاض وزير الدفاع دونالد رامسفلد من مواقف ما وصفها استخفافا ب"أوروبا العجوز" لا يعكس فقط شخصية الرجل المنبهر بنفسه، بل يعكس كذلك و إلى حد ما نظرة واشنطن "الجديدة" لباقي العالم. فهو جعل من كل "معارض" للإدارة موضوع استخفاف و سخرية سمح بأن يكون "نجم" الإعلام الأمريكي الذي تأقلم بسرعة مع نمط الحكم الذي أتى به اليمين المحافظ الجديد إلى البيت الأبيض. و رامسفلد يعتمد أسلوب التهكم و السخرية و الاستعلاء كلما تحدث إلى الصحفيين و مواقفه ليست دائما رد فعل على تصريحات أو مواقف "لا تعجب". و قد بدا في قمة التهكم و العنجهية عندما سأله صحفيون أوروبيون في ميونيخ في نهاية الأسبوع و أخذ يرد على الأسئلة بأسئلة أخرى و "يعاند" المراسلين الذين لا يحملون "وزر" حكوماتهم. و نفهم أن وزير الدفاع الأمريكي لا يجد نفسه مرتاحا إلا في وسط قهقهات الصحفيين الأمريكيين خلال اللقاءات الدورية في البنتاغون، لكن يفترض أن للامتعاض و الغضب حدودا عندما يتعلق الأمر بمسؤول حكومي رفيع!
و فيما يلي "درس" من مصدر غير متوقع و هو ينطبق على مواقف الكثيرين اليوم وسط صخب طبول الحرب على العراق: إنه تصريح أدلى به مسؤول نازي كبير يدعى هرمان غورينغ خلال محاكمة نورمبرغ الشهيرة العام 1946 حيث قال: "طبعا الشعوب لا تريد الحرب...هذا مفهوم. لكن في نهاية المطاف قادة الدولة هم الذين يقررون، و موضوع جر الشعوب بسيط دائما سواء تعلق الأمر بنظام ديمقراطي أو فاشي أو دكتاتوري أو برلماني أو دكتاتورية شيوعية. و سواء علا صوت أم لم يعل، بإمكان جر الشعوب إلى مساومة الحكام، إنه أمر سهل. كل ما عليك أن تقوله لهم هو أنهم معرضون لهجوم و تعمد لفضح المسالمين و اتهامهم بانعدام الروح الوطنية لديهم و أنهم يعرضون البلاد للخطر. إنها طريقة ناجعة تناسب أي بلد."