الجزء الرابع ...
والأصلُ أن نبحثَ عن العلاج ِ, وأنْ لا نكتفيَ ببيان ِالسلبياتِ ووصفِ الواقع ِ السيءِ ,
والعلاجُ لهذهِ المسائل ِوتِلكـُمُ المشاكلَ كلـِّها هو : تركُ المعاصي ,
وهو واضحٌ وبيِّنٌ وأيضاً حَلهُ يَسيرٌ ,
فإنا في هذه العجالةِ كطبيبٍ نطاس ٍبارع ٍيكشفُ الداءَ ويصفُ الدواءَ ,
وهو متوفرٌ وباستطاعتكَ أن تهتديَ إليهِ ,
فهوَ ليسَ مُستحيلَ المنال ِ, وما عليكَ إلاَّ الإلتزامُ بالوصفةِ , والمداومة ُ عليها حتى تشفى , وتـُزالَ العدوى خشية َ انتقالها ,
هذا هو البلسمُ الشافي , والدواءُ المعافي , فإن التزمتَ بهِ فزتَ في الدنيا, وأرضيت َمولاكَ , وبالتالي تفوزُ بالدارين ِـ سعادة َالدنيا والفوزَ في الآخرة ـ
إذن أنا الطبيبُ وسأعطيكَ العلاجَ الجذريَ لتبرَأَ َوتشفى ,
بدلَ أن تبقى في الضنكِ فتشقى ,
سأعطيكَ علاجَ مرض ٍألمَّ بالمسلمينَ , مُبيناً أسبابَهُ , وواصِفاً علاجَهُ , وما عليكَ إلاَّ أن تلتزمَ بالوصفةِ المبرِأةِ , ولكَ أن تتخير!
فإما أن تأخذ َ بالعلاج ِفتبرأ َ,
أو تضرِبَ بهِ عُرضَ الحائطِ فتهلك
أو تزدادَ سوءاً ,
فتنقلَ العدوى لتبوءَ بإثمكَ , وإثم ِمن أصابَهُ بلاؤكَ ,
وعليهِ فمَا علينا إلاَّ أن نحجُرَ عليكَ خشية َالعدوى .
ولكن عندما يكونُ المرضُ مُعدياً فإنهُ يتوجبُ هنا على كل إنسان ٍعاقل ٍأن يُحَصِّنَ نفسهُ بالتطعيم ِ, حتى يحفظهَا ولا يُصابَ بالمرض ِ, وبهذا يَنجو , وصَدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ إذ يقول : ( وَإِذ ْقَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {164} فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ {165} ) الأعراف .
وأشكالُ النجاةِ عديدة ٌللدنيا والآخرةِ , فإن أخذنا العلاجَ نجونا بإذنهِ تعالى .
وإن أصرَّ المريضُ على عدم ِأخذِ العلاج ِفشأنـُهُ وما يَختار , وبهذا يكونُ إثمُهُ مُعلقاً بجيدِهِ ,
ونـُحذِرُ مِن أن يُصيبَ الناسَ ما حَذرَ اللهُ سبحانهُ وتعالى منهُ إن تركنا العُصَاة َومن في قلوبهم مَرضٌ وزيغٌ وشأنـَهُم وما يفعلونَ من منكراتٍ وفواحشَ ما ظهرَ منها وما بَطن , ولم نأمُرْهُم بالمعروف ِ, ولم ننهَهُم عن المُنكرِ وغضضنا الطرفَ عنهُم انطبقَ علينا قولـُهُ تعالى : ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {25} ) الأنفال .
وفي الحديثِ الشريفِ قولـُهُ عليهِ السلام ُ: ( إن اللهَ لا يُعذب العامَّة َبعمل ِالخاصةِ ، حتى يروا المنكرَ بين ظهرانيهم وهم قادرونَ على ان يُنكروهُ ، فإذا فعلوا ذلك عَذبَ اللهُ العامَّة والخاصة ) .
وقولـُهُ كذلكَ : ( إن الناسَ إذا رأوا الظالمَ ولم يأخذوا على يديهِ أوشكَ أن يعمهمُ اللهُ بعقابٍ من عنده ) .
وثبتَ عن أمِّ المؤمنينَ زينبَ بنتِ جحش ٍرضيَ الله ُعنها وقد سألتِ الرسولَ الأكرمَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : يا رسولَ اللهِ ، أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال : ( نعم إذا كثرَ الخبث).
ألا فلتعلموا إخوتي في الله وأحبتي :
أن اللهَ تباركَ وتعالى قد نهَانا أن نكونَ مثلَ الذينَ نسُوا الله َفأنساهُم أنفسَهُم
ولا يُتصَّورُ أن ينسى الإنسانُ نفسهُ أو اسمَهُ !
وإنما المقصودُ : نسُوا حقَّ اللهِ فأنساهُم حقَّ أنفسِهم , أولئكَ الذينَ نسُوا ذكرَ اللهِ ,
ولم يُراقبوا اللهَ في أعمالهِم وأقوالِهم وتصرفاتِهم ,
وارتكبوا المعاصيَ حتى خرَجوا عن طاعةِ اللهِ إلى معصيتِهِ ,
فنسُوا التوبة َوالإستغفارَ والرجوع َإلى كتاب ِاللهِ وسنةِ رسولهِ صلى الله ُعليهِ وسلمَ ,
هذا هو المقصودُ ,
فأنساهُمُ اللهُ حظوظ َأنفسِهم من الخيراتِ , يومَ تركوا أمرَهُ .
أيها الإخوة ُالعقلاء :
أمامَ هذهِ المشكلةِ أو قـُلْ تلكَ المعضلةِ , فإنَّ العلاجَ موجودٌ ,
ولنضرب مثالاً من الواقع ِالحَيْ :
نحنُ الآنَ نجلِسُ في أولى القبلتين ِوثاني المسجدين ِوثالثِ الحرمين ِالشريفين ِ,
ويتساءَلُ المسلمُ الغيورُ على دينهِ , الحريصُ على أمتهِ , ويحدثُ نفسهُ , وخاصة ًمَن كانَ مِثلَ أفضالِكـُم فيقول :
أمَعقولٌ أن يَرفعَ المُسلمُ في وجهِ أخيهِ السلاحَ فيُردِيهِ ؟!
أمعقولٌ أن يتعاملَ من يُصلي هُنا مَعنا , ثمَّ يخرُجُ فيزكي مالـَهُ ويتصدقُ من مال ِالربا ؟!
أمعقولٌ أن يشربَ المسلمُ الخمرَ ويُسميهَا مشروباتِ رُوحِية ؟!
أمعقولٌ أن يقومَ مسلمٌ بحجبِ ميراثِ الأنثى مُتعمِّداً خشية َذهابِ المال ِلأصهارِهِ ؟!
أمعقولٌ أن يَغشَّ المسلمُ في تجارتِهِ أو أن يَسرِقَ ويُسميها شطارَة ؟!
أمعقولٌ أن يزنيَ المسلمُ ويرتكبَ المحظورَ من بابِ الحُريات ِ؟!
أمعقولٌ أن يقومَ مسلمٌ بأخذِ أرض ٍلا يَملكها , فيضمُّها إليهِ وهو يَعلم ؟!
أمعقولٌ أن يقومَ مسلمٌ وقد تلبَّسَ بالصلاةِ والصيام ِوالزكاةِ والحج ِ بقطع ِالرَحِم ؟!
أمعقولٌ أن يَتركَ مسلمٌ الصلاة َوالصيامَ والزكاة َوالحجَّ ويكتفيَ بصلاةِ الجمعة ِ ؟!
أمعقولٌ أن يحرصَ مسلمٌ على الصلاةِ في أوقاتها جماعة ً, ويترُكَ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ ؟!
أمعقولٌ أن يقومَ مُسلمٌ برفع ِشعارِ الإسلام ِثمَّ يتنازلُ عن فلسطينَ وهيَ كلٌّ لا يتجزأ ُأكانت ثمانية ًوأربعينَ أو سبعة ًوستين ؟!
نعم يتساءل : أمعقولٌ أن يحصلَ هذا من مُسلم ٍمُلتزم ٍ! ويتساءلَ في نفسهِ كيفَ حصلَ هذا ؟! هل نسِيَ الله َ!!
الجوابُ على ذلكَ :
أنك أنتَ يا مسلمُ تتذكرُ اللهَ سبحانه ُوتعالى, والعلاجُ موجود ٌ أمامكَ , تخشى عذابَهُ وتتقيهِ, وتعلمُ يقيناً أنَّ اللهَ أمامَكَ رقيبٌ حَسيب , وأنهُ مطلعٌ على ما أسرَرَت َوما أعلنتَ , فهابَكَ الأمرُ فتأمرَ بالمعروفِ وتأتيهِ , وتنهى عن المنكرِ وتنتهي عنهُ ,
ولكن , أولئكَ الذين نسُوا الله َفأنساهمُ أنفسَهُم , وحتى لا نقعَ في دائرةِ أن ننسَى أنفسَنا ويكونَ العلاجُ من كتابِ اللهِ الشافي , ومِن السنةِ المطهرِةِ , ولا نستطيعُ تناولـَهُ لأن الله َسبحانهُ وتعالى قد حَجَبَ عنا بذنوبنا تناولَ هذا العلاج ,
لأن العلاجَ الجذريَّ لأهل ِفلسطينَ اليومَ ليسَ بالوحدةِ الوطنيةِ ,
ولا بالتدخل ِمن قِـبل ِالمخابراتِ المصرية ,
ولا بالتنسيق ِمعَ الحكوماتِ العربيةِ ,
ولا بوثيقةِ الأسرى المنسِيةِ ,
ولا بالتفاوض ِمع يهودَ حولَ سَبعةٍ وستينَ أو ثمانيةٍ وأربعين ,
وليسَ الحلُ بقيام ِسلطةٍ هزيلةٍ مشلولةٍ تحتَ حرابِ الإحتلال ِ,
لا تملِكُ أمرَها ,
تعيشُ على المعوناتِ والمساعداتِ ,
أقصى أمانيها أموالٌ تسدُّ بعضاً من جوانبِ مَعاشاتِ الموظفينَ ,
مَعَ أن هذهِ الأموالَ تـُنفقُ علينا رِشوة ًفي الدين ِ,
وكذلكَ الحالُ في العراق ِولبنانَ والسودانَ وسائرِ بلادِ المسلمينَ ,
وأمَّا الحلُّ الوحيدُ الصحيحُ لجميع ِالمسلمينَ بالنسبةِ لِما هُم فيهِ ,
بل قلْ لحلِّ مشاكل ِأهل ِالأرض ِجميعاً هوَ الإسلامُ مُمثـَّلاً ـ بالكتابِ والسُّنـَّةِ ومَا أرشدا إليهِ من إجماع ِالصحابةِ والقياس ِ ـ
والسؤالُ لماذا لا يتناولـُهُ المسلمونَ ؟
نقولُ : لأن هناكَ ذنوباً جعلت قسماً من هؤلاءِ ـ الخاصَّةِ ـ أولئكَ الذينَ نسوا اللهَ فأنساهُم أنفسَهُم , والعلاجُ أمامَ أيديهم ولا يَستطيعون تناولـَهُ !
ولذلكَ أيُّها الإخوة ُالكرامُ :
فعلينا أن نأخذ َالعلاجَ لأنفسِنا بالعودةِ إلى كتابِ اللهِ مِن أجل ِالعمل ِعلى تطبيقهِ كاملاً دونَ تتبيب ,
وتطبيق ِسُنـَّةِ الرسول ِالأكرم ِصلى اللهُ عليهِ وسلمَ ,
نعالِجُهَا كما بَيَّنَ اللهُ لعلـَّهُ تباركَ وتعالى يُنجينا ويُنجي المسلمينَ مَعَنا بإذنَهِ من هذا الهمِّ والكربِ الذي أصابنا بذنوبِ ساداتِنـَا وكـُبرائِنا .
نعم , نهانا عن ِالإحتكام ِللطاغوتِ ,
وحَذرَنا من أنْ نجعلَ للكافرينَ علينا سبيلاً ,
ونهانا عن تكثيرِ سوادِ العُصاةِ , فقالَ عليهِ السلامُ : ( من كثـَّرَ سوادَ قوم ٍفهوَ منهم ، ومن رَضيَ عملَ قوم ٍكانَ شريكَ مَن عَمِلَ بهِ).
وبعدُ أيُّها الناس :
لقد آنَ الأوانُ لأمةٍ جَعَلـَها اللهُ أمة ًوسطاً بينَ الأمم ِ،
وأوجَبَ عليها حملَ الدعوةِ الإسلاميةِ للعالم ِ,
وفرضَ عليها أن تؤوبَ إلى ربِّها ,
وتعودَ لإسلامِها فتتخِذَهُ عقيدة ًعقلية ًلها ينبثقُ عنهُ نظامٌ كاملٌ شاملٌ فتتبناهُ طريقة ًلها في العيش ِ
وتجعلُ من عقيدتِهِ قاعدة ًلأفكارِها ،
ومِن أحكامِهِ حلولاً لِمُشكلاتِها ،
ومِن مَجموع ِ مفاهيمِهِ حضارة ًلها ،
ومِن أفكارِهِ رسالة ًإلى العالـَم ِقيادة ًفكرية ًلهُ .
فبالإسلام ِوحدَهُ اقتعدتْ مَركِزَ الصدارةِ بينَ الشعوبِ والأمم ِ،
فهوَ وحدَهُ سببُ نـُصرتِها ,
وطريقُ عزتها ,
وسبيلُ نهضتِها ,
وأساسُ وَحدتِها ،
وصدقَ اللهُ العليُّ العظيمُ إذ يقولُ : ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ {8} ) المنافقون .
يتبع بإذنه تعالى