يذهب بعض علماء النفس إلى القول إننا نحمل في دواخلنا طوال العمر صورا نبحث عنها في وجوه الناس، فتكون الألفة على قدر التشابه مع الصورة، ويكون النفور بقدر التباين أيضا، وفي هذا ما يبرر سلوكيات الإقبال أو الإدبار الأولي في علاقاتنا بالآخرين وإلى ذلك يمكن إرجاع ما يقال عن الحب والكره من النظرة الأولى، لكن من أين جاءت هذه الصور أو الصور التي نحملها في داخلنا؟ هل هي جزء من موروث اللاشعور الجمعي الذي قال به العالم النفسي (يونج) أم أنها خبرات طفولية راسخة في عمق اللاشعور تنعكس تأثيراتها على علاقتنا بالآخرين؟، ولكرهي لليقينية المطلقة التي يمارسها بعض المشتغلين بالنظرية النفسية لا أجد نفسي امتلك إجابة قاطعة، ولكنني أتصور أن الطفل الذي تعرض لخبرات أليمة من شخص ما فإن شعورا بالجفوة قد يستحضر في كل مرة يلتقي فيها ذلك الطفل حينما يكبر مع شخصيات تحمل شيئا من ملامح ذلك الشخص الذي سبب له تلك الخبرات، وفي أمريكا كانت (جين) تعاني مخاوف في كل مرة تلتقي فيها بهندية حمراء ولا تعرف لمخاوفها أسبابا، وفي إحدى العيادات النفسية في مدينة إكلاهوما سيتي وعبر جلسة استرخاء مطولة استطاع المعالج أن يجعل (جين) تتذكر خبرات أليمة لها مع جليسة الأطفال الهندية الحمراء حينما كانت طفلة، إذ كانت تلك الهندية تعاملها بالكثير من الفظاظة والقسوة، ومرت الأيام وغرقت تلك الخبرات في عالم اللاشعور لكن بقي تأثيرها الخفي يستحضر في كل مرة ترى فيها هندية حمراء، وقد استطاع المعالج أن يساعد (جين) على التخلص من تلك المشاعر لتضيف إلى قائمة أصدقائها الخلص مجموعة من الهنديات والهنود الحمر.
ووفق هذه الرؤية النفسية حسنا لو جرب الواحد منا أن يمسك بورقة وقلم ويسجل عليها أسماء ثلاثة أشخاص تعرف إليهم قريبا وأحبهم كثيرا والعكس أيضا، وليته بعد ذلك يقوم بعملية تأمل ذاتي عميق ليرى ماذا يربط بين هؤلاء الثلاثة الذين أحبهم بشخصيات أخرى أحبها في الماضي، ويمكن تطبيق الطريقة نفسها على الذين يوشك ألا يطيق لهم حضورا. أنا شخصيا توصلت إلى نتائج مذهلة حينما قمت بهذه العملية لأول مرة، فقد أحسست أن ثمة خيوطا أو ملامح مشتركة جسمية ونفسية بين الذين نحبهم والعكس، وأن الذين نحبهم يوشكون أن يتشابهوا في الكثير من السمات، ولعل تلك السمات هي عوامل الجذب الأولى نحو تلك الشخصيات التي قد يصمد بعضها أو يسقط بعد تجاوز مرحلة المغناطيسية الأولى أو حالة الجذب التلقائي.
حقا إن النفس الإنسانية - كما يقال - أشبه بجبل الجليد لا نرى منه إلا الجزء الطافي على السطح.
تقبلوا تحيات اخوكم.............
جــــراح الـــــــبدر