تثير قضية تعدد الزوجات في طاجيكستان الجدل بين مؤيد ومعارض.. في الوقت الذي تصل فيه نسبة الأغلبية المسلمة إلى 91% من جملة السكان، نجد أن معظم المثقفين الطاجيك ينظرون إلى هذه الظاهرة بالسلب، ويعتبرون تعدد الزوجات ظلمًا على المرأة وانتهاكًا لحقوقها وحريتها وإخلالاً بحرمتها الإنسانية، ويتوجهون أحيانًا إلى السلطات القانونية والأمنية بالشكاوى والاعتراضات على إهمالها في منع انتشار هذه الظاهرة دفاعًا عن حقوق المرأة ودفاعًا عن مبادئ الديمقراطية، وأيضا دستور البلاد الذي يعارض الزواج بأكثر من امرأة واحدة.. بينما يجد البعض الآخر أن هذه المسألة تعتبر ضرورة اجتماعية ملحة لرعاية الأرامل والأيتام ضحية الحرب الأهلية.
لا.. للضرة
تستنكر الصحفية المعروفة "ساجدة ميرزا" -تعمل حاليًا بإذاعة "الحرية" الأمريكية- هذه الظاهرة وتعتبرها مرضًا أصاب المجتمع الطاجيكي لما فيه -على حد تعبيرها- من انتهاك لحقوق المرأة، وعدم مراعاة دستور وقانون البلاد. كما وجهت هذه الصحفية اتهامات إلى قوانين الشريعة الإسلامية بأنها لا تراعي في كثير من الأحوال مصالح المرأة، وتقول: "إن أحكام الشريعة الإسلامية التي تتعلق بالأحوال الشخصية والشئون الأسرية لا تحمل الرجل المسئولية أمام القانون وتعطي له امتيازات أكثر، ولا تسمح للمرأة أن تدافع عن حقوقها؛ وهو ما يدفع الرجال إلى انتهاك حقوق وحرية المرأة تحت لواء الإسلام!
كما تؤكد السيدة "س.ح" -في الخامسة والخمسين من عمرها، وهي تعمل مسئولة عن شئون النساء بإدارة أحد أحياء مدينة دوشنبه العاصمة الطاجيكية- أن الرجل حين يجمع بين عدة نساء كأنه يجمع الأموال، ثم يقوم بصرفها، ويعد هذا الأمر مستغربًا من المرأة التي ترضى بمثل هذه الحياة؛ فتعدد الزوجات هو خدش لحق المرأة الإنساني وتشبيهها بالمال.
وتروي ربة بيت "ك.س" -في العقد الرابع من عمرها- قصتها مع زوجها الذي تزوج عليها سرًا، ثم نجحت في إجباره على تطليق ضرتها (الزوجة الثانية)، وتشير إلى أن الرجل من حق زوجته الأولى؛ لهذا فإنه ليس من حقه أن يتزوج عليها، وينبغي لأي امرأة ألا تسمح لزوجها بالزواج من أخرى.
كما تؤكد السيدة "ر.ش" على أنها غير راضية عن تعدد الزوجات بسبب صعوبة أن يعدل الرجل بين أزواجه تمام العدل، وكثيرًا ما تحدث "الخناقات" والأزمات بيني وبين ضرتي؛ وهو ما يكدر معيشتي ويجعلني غير سعيدة.
وعلى الجانب الآخر وقبل الزواج أو وجود ضرة تشير الطالبة "حيدر وفا" -21 عامًا- إلى أنه لا بد أن يكون عقد الزواج قائمًا على الحب والمودة بين الطرفين، وإلا فلن تتحقق السعادة الزوجية، إذا كان الأمر كذلك فكيف يستطيع رجل واحد أن يتزوج بامرأتين أو أكثر، ويقسم حبه بينهن مع أنه لا يملك إلا قلبًا واحدًا؛ فهذا مستحيل.
كما تؤكد "حيدر" على أن قلة الوعي الديني والبعد عن المنهج الإسلامي والفهم الخاطئ حيال المقاصد التي تسعى الشريعة الإسلامية لتحقيقها من خلال تعدد الزوجات قد يكون سببًا في نفور معظم الناس من هذه الظاهرة، وكذلك إهانة بعض الأزواج لزوجاتهم وعدم العدل بين الزوجات.
التعدد.. ضرورة اجتماعية
أما عن المؤيدين فتتركز وجهة نظرهم على أن مسألة تعدد الزوجات قد تكون حلاً سليمًا لكثير من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الطاجيكي؛ مثل زيادة عدد الأرامل والأيتام الذين هم في أمسّ الحاجة إلى من يرعاهم، وذلك بعد أن مرت طاجيكستان بحرب أهلية راح ضحيتها عدد كبير من الرجال.
كما يؤكد "أبو أحمد" -متزوج بثلاث زوجات، ويعمل بالأعمال التجارية- أن هناك ضرورة اجتماعية ملحة لأن تنتشر مسألة تعدد الزوجات، خاصة إذا كان الرجل قادرًا على ذلك؛ فالزواج ليس متعة فحسب.. بل إنه رعاية ومسئولية دينية، فإذا لم نعمل لنشر هذه المسألة فمن الذي سيرعى الأرامل والأيتام؟ وكيف يمكننا حل مشكلة العنوسة التي تزداد يومًا بعد يوم في مجتمعاتنا وفي أغلب المجتمعات الإسلامية؟ وأنا من خلال تجربتي الحية لا أواجه مشاكل كبيرة في المعاملة والعدل بين زوجاتي. فعلى الرجل حسن اختيار الزوجة فقط.
القضية في البرلمان
وفي هذا الصدد فتح بعض النواب من البرلمان الطاجيكي الذين ينتمون إلى حزب "النهضة الإسلامية" النقاش حول قضايا الأحوال الشخصية وإدخال بعض التعديلات في القوانين التي تختص بها؛ لأن هذه القوانين ما زالت موروثة من العهد السوفيتي وينبغي تعديلها؛ إذ إن دولة طاجيكستان لم تعد دولة شيوعية.. بل هي تتمتع بالاستقلال منذ أكثر من 10 سنوات، والمسلمون يشكلون الأغلبية؛ لهذا لا بد أن تراعي قوانين الأحوال الشخصية معتقدات الناس وعاداتهم ومتطلبات حياتهم الحالية، ومن هذه القضايا قضية تعدد الزوجات التي يمنعها قانون "الأسرة" لجمهورية طاجيكستان. ورغم ذلك أصدر البرلمان الطاجيكى عام 2001 قرارًا بإبقاء القانون القديم الذي لا يسمح بتعدد الزوجات، ولم ينجح النواب الإسلاميون في إقناع أغلبية النواب بضرورة التعديل.
ويؤكد محمد شريف همتزادة -النائب البرلماني ونائب رئيس الحزب الإسلامي- أن بعض الامتيازات التي أعطاها الإسلام للرجل كالسماح له بالعقد على أكثر من زوجة، وكحقه في الطلاق لا يعني أن المرأة أدنى من الرجل حقوقًا وإنسانية، ولا تضيق هذه الحقوق حرية المرأة؛ فالإسلام يعطي للمرأة كامل حقوقها الإنسانية، وعلى المرأة أن تدافع عنها.
ويضيف أن هذا القرار البرلماني أحدث ضجة بين بعض المثقفين، وبين أوساط طلبة العلم الإسلاميين، واعترضوا على هذه الحرية المزعومة التي يريد البرلمان أن يحققها للمرأة؛ فهم يفهمون الحرية بمعانٍ مختلفة؛ فلا يمكن أن يكون تعدد الزوجات تضييقًا لحرية المرأة وحقوقها بل إنه إحدى الطرق الصحيحة لتنظيم الأسرة.
تعارض الشريعة والدستور
يقول "خورشيد خالتون" -مساعد رئيس النيابة العامة بمدينة دوشنبه-: "إن القانون الجنائي لجمهورية طاجيكستان لا يسمح بالعقد على أكثر من امرأة واحدة، ويحدد العقوبة البدنية والنقدية لمن يخترق هذا القانون؛ حيث تنص المادة 170 من القانون الجنائي على حبس من يعقد النكاح بأكثر من امرأة لمدة سنتين، أو فرض الغرامة والجزاء النقدي، مقدرًا بما يعادل من 200 إلى 500 مرتب من مرتبات المتهم الشهرية".
ويضيف: بالرغم من أن هذا القانون يحدد هذه العقوبات فإننا لم نشهد قط حادثة رفع دعوى على أحد بتهمة تعدد النكاح، وتنفيذ مثل هذه القوانين أصبح أمرًا نادرًا للغاية.
ويشير "عبد الرحمن عامتي" -المذيع بالإذاعة الطاجيكية- إلى أنه من الملاحظ ميل كثير من الرجال الطاجيك ممن عندهم الإمكانية المالية إلى الزواج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة ابتغاء المتعة وتنويع لون الحياة، أو فرارًا من المتاعب والأعباء التي يواجهونها في الحياة اليوم؛ فيلتجئون إلى المتعة الزوجية، مع كل ذلك لا يتم مثل هذا التصرف إلا برضا الطرفين؛ فالأمر متعلق بالحرية الشخصية، ولا أرى أي تبرير أو دافع حقيقي لمنعه وفرض العقوبة عليه.
العرض الشجري
