السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قصة سيف بن ذي يزن
وبشارته بالنبي عليه الصلاة والسلام
البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله
وقال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي في كتابه
(هواتف الجان):
حدثنا علي بن حرب، حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، حدثنا عمرو بن بكر –
هو ابن بكار القعنبي - عن أحمد بن القاسم، عن محمد بن السائب الكلبي،
عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس قال: (ج/ص: 2/ 402) :
لما ظهر سيف بن ذي يزن قال ابن المنذر - واسمه النعمان بن قيس –
على الحبشة وذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين،
أتته وفود العرب وشعراؤها تهنئه وتمدحه وتذكر ما كان من حسن بلائه،
وأتاه فيمن أتاه وفود قريش، فيهم عبد المطلب بن هاشم،
وأمية بن عبد شمس أبي عبد الله، وعبد الله بن جدعان،
وخويلد بن أسد، في أناس من وجوه قريش.
فقدموا عليه صنعاء، فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية أبي الصلت:
واشرب هنيئاً عليك التاج مرتفعاً في رأس غمدان دارا منك محلالا
فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم، فأذن لهم، فدنا عبد المطلب فاستأذنه
في الكلام، فقال له:
إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك، فقد أذنا لك.
فقال له عبد المطلب:
إن الله قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً،
وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعذيت جرثومته، وثبت أصله،
وبسق فرعه في أكرم موطن وأطيب معدن.
فأنت - أبيت اللعن - ملك العرب وربيعها الذي تخصب به البلاد، ورأس
العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ
إليه العباد، وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف،
فلن يخمد من هم سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه.
ونحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته، أشخصنا إليك الذي أبهجك
من كشف الكرب الذي قد فدحنا، وفد التهنئة لا وفد المرزئة.
قال له الملك:
وأيهم أنت أيها المتكلم؟
قال: أنا عبد المطلب بن هاشم.
قال: ابن أختنا؟
قال: نعم.
قال: ادن،
فأدناه، ثم أقبل عليه وعلى القوم
فقال: مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومستناخاً سهلاً، وملكاً ربحلاً،
يعطي عطاء جزلاً، قد سمع الملك مقالتكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم،
فأنتم أهل الليل والنهار، ولكم الكرامة ما أقمتم، والحباء إذا ظعنتم.
ثم نهضوا إلى دار الكرامة والوفود، فأقاموا شهراً لا يصلون إليه،
ولا يأذن لهم بالانصراف، ثم انتبه لهم انتباهة،
فأرسل إلى عبد المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه،
ثم قال: يا عبد المطلب إني مفض إليك من سر علمي ما لو يكون غيرك
لم أبح به، ولكني رأيتك معدنه، فاطلعتك طليعه،
فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره.
إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا،
واجتجناه دون غيرنا، خبراً عظيماً، وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة،
وفضيلة الوفاة للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة.
(ج/ص: 2/ 403)
فقال عبد المطلب: أيها الملك مثلك سر وبر، فما هو فداؤك أهل الوبر
زمراً بعد زمر؟
قال: إذا ولد بتهامة غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة،
ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة.
قال عبد المطلب - أبيت اللعن -:
لقد أبت بخير ما آب به وافد، ولولا هيبة الملك وإجلاله واعظامه،
لسألته من بشارته إياي، ما ازداد به سروراً.
قال ابن ذي يزن: هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد، واسمه محمد،
يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، ولدناه مراراً، والله باعثه جهاراً،
وجاعل له منا أنصاراً، يعزبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه،
ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم أهل الأرض،
يكسر الأوثان، ويخمد النيران، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، قوله فصل،
وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله.
فقال عبد المطلب: أيها الملك - عز جدك، وعلا كعبك، ودام ملكك،
وطال عمرك - فهذا نجاري، فهل الملك سار لي بافصاح،
فقد أوضح لي بعض الإيضاح.
فقال ابن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النقب،
إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب، فخر عبد المطلب ساجداً فقال:
ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟
فقال: أيها الملك كان لي ابن، وكنت به معجباً، وعليه رفيقاً،
فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته محمداً،
فمات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.