بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبارك للجميع حلول شهر رمضان المبارك هذه الأيام ولنجري مقارنة بسيطة بين الآمس واليوم
شهر" رمضان زمان كان شيء آخر … كان له طعم مختلف "
عبارة سيظل يتردد صداها على مر الأجيال ومختلف العصور … وستبقى المقارنات قائمة بين شهر رمضان المعظم قديما وبين شهر رمضان المعاصر لكل جيل .
كل جيل يعود بذاكرته إلى الوراء فيرى من منظوره أن عصره كان افضل العصور لهذا الشهر الكريم .
ومع التطور الهائل الذي يشهده العالم من تقنيات حديثة والتي ستستمر آجالا أخرى نجد التباين الملحوظ في كيفية الفهم الصحيح لقضاء هذا الشهر لدى العالم اجمع تبعا لمعتقدات كل فرد وتصوراته تجاهه.
نعلم جيدا أن الصوم في الشرع: هو الإمساك عن المفطرات مع اقتران النية به من الفجر وحتى غروب الشمس، ويكتمل الصيام باجتناب المحظورات وعدم الوقوع في المحرمات؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .
ولكن للأسف … هناك الكثير من المظاهر الغريبة والمعتقدات الخاطئة التي دخلت حياتنا في شهر رمضان حتى أصبحت عادة اقرب إلى العبادة … كعادة النوم طوال نهار رمضان بحجة التعب من الصيام وغيرها الكثير من العادات كالإفراط في تناول الأطعمة مع العلم بان ذلك عكس ما وصانا به رسولنا الكريم " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع " .
كل مثل هذه العادات وغيرها تتنافى مع الأهداف السامية التي شرع الله الصوم من اجلها ، فبخلاف انه فرض الهي واجب التنفيذ
" يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "
فان فضله عظيم، وثوابه جسيم، ويكفينا أن خصه اللّه بالإضافة إليه كما ثبت في الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال مخبرا عن ربه:
" يقول اللّه تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به " .
وقد خص الله سبحانه وتعالى الصوم بأنه له - وإن كانت العبادات كلها له - لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات. أولهما: أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات فإنه كلما قل الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي ، لأن الصيام كما قال عليه السلام:
" الصيام جنة ووجاء "
وسبب تقوى لأنه يميت الشهوات. وثانيهما: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يظهر إلا له؛ فلذلك صار مختصا به ، وما سواه من العبادات ظاهر ربما فعله تصنعا ورياء.
بالإضافة إلى كونه مجاهدة للنفس عن كل الرذائل وتعليم للصبر وقوة الاحتمال والإحساس بمعاناة الفقير والتواصل معه من خلال ذلك .
قديما وقبل أن تشهد البشرية دخول الكثير من تقنيات العصر الحديث حياتنا - كالتلفاز مثلا - كانت العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية بين الناس وبعضهم أقوى واشد عمقا … بعكس الآن وبعد دخوله فالناس قابعون أمامه ليل نهار لا هم لهم إلا التباري في مشاهدة اكبر كم من مواده … إلا من رحم ربي.
فأين مجاهدة النفس إذن ونحن نيام طوال نهاره … وأين تحمل المشقة والصبر عليها ونحن لم نحمل أنفسنا وُسعا .
ثم أين نحن من صلوات نوافل - من تراويح وقيام ليل … الخ – لها من الثواب والأجر عظيمهما وقد استبدلناهما بجدول حافل من برامج التلفاز ومسلسلاته التي لا تنتهي .
ولكن … لكل قاعدة شواذ … فالكثير منا أيضا قد استفاد من وجود مثل هذه التقنيات بصورة صحيحة في زيادة الوعي الديني والمفاهيم الغائبة عند الكثيرين من خلال البحث عن افضل ما يقدم من برامج دينية خلال هذا الشهر المعظم في محاولة لنيل الكم الكبر من الحسنات.
كم يا ترى سنبقى عبيدا لمعتقداتنا الخاطئة بسبب أجهزة صماء استعبدتنا وأنستنا فضل الله علينا في أن خصص لنا شهرا واحد في السنة كفرصة جادة لنيل الحسنات المضاعفة ولم يشق علينا بان جُعلت كل اشهرها صياماً.
أما آن لنا بصحوة تعيد ديننا ومفاهيمنا وعباداتنا إلى قيمها الصحيحة أسوة برسولنا الكريم وصحابته من بعده غير متناسين أن لبدننا علينا حق وان الترويح عن النفس أمر واجب أيضا في حدوده وعملا بقول الامام علي عليه السلام :
" روّحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة ، فإنها تمل كما تمل الأبدان "
لم يفت الأوان بعد … ومازالت الفرصة قائمة للتصحيح … فهل من مجيب !!!
العرض العادي
