أختي الحبيبة..أخي العزيز:بعد ما استمتعنا معاً في بحر هذا الخلق الكريم في مواضيع سابقة كتبتها عن خلق الأدب,هل تساءلت عن كيفية التحلي بهذا الخلق أو التزين بهذا السلوك؟؟!
إذا تقرر حاجتنا إلى الأدب,وعلمنا أهميته وفضله,وعرفنا أن الصالحين والأخيار حرصوا على الاتصاف به بطرائقه,إذا علم ذلك كله فكيف السبيل إلى اكتسابه والتخلق به ؟
أتعلمين كيف نكتسب الأدب ؟؟
أولا:تربية النشء عليه وأخذهم بتعليمه:
لابد أن يربي النشء على الأدب,ويعلموا قواعده ومسالكه حتى يعتادوه فيصبح سمة بارزة لهم.وقد حرص الصالحون والمربون والعلماء والخلفاء والأمراء على تنشئة أولادهم على الأدب وحملهم عليه حتى يكون زينة لهم وفخرا,وعهد كثير منهم بالمهمة هذه إلى المؤدب والمربي,والذي كان له النصيب الأوفر من التوقير.
وقد كان الآباء يوصون أبنائهم بتعليم الأدب قبل العلم,فمن ذلك:"قال حبيب بن الشهيد لابنه:يا بني,اصحب الفقهاء والعلماء,
وتعلم منهم,وخذ من أدبهم,فإن ذلك أحب إلي من كثير من الحديث"
وقال بعضهم لابنه:يا بني,لأن تتعلم بابا من الأدب أحب إلي من أن تتعلم سبعين بابا من أبواب العلم"
وقال الإمام مالك,رحمه الله تعالى:كانت أمي تعممني وتقول لي:اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"
وليس معنى هذا أن يهمل العلم,كلا بل غاية ما في تلك الآثار الحث على الأدب وأنه يتعلم قبل تعلم مسائل العلم,وذلك أنه"علم بلا أدب كنار بلا حطب,وأدب بلا علم كروح بلا جسم"
ثانيا:إبراز القدوات:
وطريق ذلك النظر في ميراث أسلافنا العظام لنعلم كيف كان الأدب سلعة رائجة بينهم قام سوقها واشتد عودها,فيبرز للناس القدوة في هذا الباب ليعلموا أنهم بسلوكهم الأدب على سنة وطريقة متبوعة وعلى خير عظيم وميراث جليل.
عن عبدالله بن بشر-رضي الله عنها-قال:كان رسول الله-صلى الله عليه سلم- إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر,ويقول"السلام عليكم,السلام عليكم"وذلك أن لم يكن عليها يومئذ ستور"
عن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال:"ما رأيت رجلا التقم أذن رسول-صلى الله عليه وسلم-فينحي رأسه حتى يكون الرجل هو الذي ينجي رأسه,وما رأيت رجلا أخذ بيده فترك يده حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده"
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:"ما عاب النبي-صلى الله عليه وسلم-طعاما قط ,إن اشتهاه أكله,وإن كرهه تركه"
ثالثا:تعليم الناس وتذكيرهم دومًا بأهمية الأدب في حياتهم ومجتمعاتهم وخطورة تركه وإهماله:
وذلك يتحقق بإقامة الندوات والمحاضرات وكتابة المقالات وحث الخطباء على معالجة هذا الموضوع في خطب الجمعة وغيرها.
رابعا:ترسيخ الأخلاق القويمة في المجتمع:
لابد أن يعلم أن الأدب له روافد كثيرة من الأخلاق الأساسية المرغوبة المطلوبة,فإنصاف خلق كريم لابد أن يكون منصفا,والأمانة مطلوبة والمؤدب لابد أن يكون صدوقا,وهكذا...فتربية المجتمع على الأخلاق القويمة تنشئ أصحاب أدب رفيع بلا شك.
خامسا:قراءة الكتب التي أفردت لأبواب الأدب:
هذه الكتب أزهارا منثورة تكسب طالبها الأدب والرقة وحسن الخلق,تعمل في نفس الإنسان ما لا يعمله كثير من الكلام المجرد الجاف.
سادسا: مصاحبة المربين المؤدبين:
من أعظم ما يفيد في هذا الباب هو تلقي الأدب من المربين,فإن كان المتلقي طالب علم أخذ عن شيوخ يربونه على الأدب.
وإن كان المتلقي لا رغبة له في طلب العلم فليصحب من الرفقاء من يزين له مذهب الأدب ويحثه عليه.
قال الإمام الغزالي-رحمه الله تعالى-"الطريق الثاني:أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا يلاحظ أحواله وأفعاله,فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبه عليه,فهكذا كان يفعل الأكابر من أئمة الدين كان عمر يقول:رحم الله امرأ أهدي إلي عيوبي"
سابعا:اجتناب السلوكيات السيئة:
وهذه طريقة مفيدة لاكتساب الأدب لمن لا شيخ له ولا صاحب,وهي طريقة مفيدة للعقلاء.ويقول ابن المقفع-رحمه الله تعالى-:"على العاقل أن يحصي على نفسه مساوئها في الدين,وفي الرأي,وفي الأخلاق,وفي الآداب,فيجمع ذلك كله في صدره أو في كتاب,ثم يكثر عرضه على نفسه ويكلفها إصلاحه,ويوظف ذلك عليها توظيفًا من إصلاح الخلة أو الخلتين في اليوم أو الجمعة أو الشهر,فكلما أصلح شيئا محاه,وكلما نظر إلى ثابت اكتأب.وقال ابن المقفع:"حق على العاقل أن يتخذ مرآتين:فلينظر من إحداهما في مساوئ نفسه فيتصاغر بها ويصلح ما استطاع منها,وينظر من الأخرى في محاسن الناس فيحليهم بها ويأخذ ما استطاع منها"
ثامنا:رياضة النفس ومجاهدتها:
من علم من نفسه قصورًا في هذا الباب فعليه أن يهذبها ويجاهدها حتى تتحلي بالأدب وتتصف به,فإنه ليس كل أحد يعرف فطرة وخلقة مسالك الأدب وطرقه,فلابد له من رياضة ومجاهدة وتخلق حتي يصير له الأدب خلقا ملازما"
وقال الغزالي,رحمه الله تعالى:"فمن أراد,مثلا أن يحصل لنفسه خلق الجود فطريقته أن يتكلف تعاطي فعل الجود وهو بذل المال,فلا يزال يطلب نفسه به,ويواظب عليه تكلفا,مجاهدا نفسه حتى يصير ذلك طبعا ويتسر عليه فيصير به جوادا...وجمع الأخلاق المحمودة شرعا تحصل بهذا الطريق"
الخاتمة:-
بعد أن سعدنا
بقضاء هذه اللحظات في رحاب الأدب والذي به يكون جمال الحياة,فهيا لنكمل المسير ونقطف أغلى الثمار لنجد عذوبة مذاقها في كل لحظة من لحظات حياتنا الدنيوية والآخروية بإذن الله.
فهل علمنا أن من تأدب بأدب الله تعالى صار من أهل محبته,فالتمسك بالأدب يصفي سلوك الفرد مما ينقصه ويجعل الناس يتحلون بالمحامد والمكارم ويبتعدون عن المناقص.
والأدب يجعل صاحبه يحترز عن الخطأ وهو أيضا يرتقى بصاحبه فيهذب أخلاقه ويصلح عاداته وليس هذا فحسب بل إن التمسك بالأدب يجعل الإنسان يلتزم بالمنهج الإلهي في الأرض مما يصلح أحواله.والأدب أيضا يعتبر طوق نجاة كيف لا؟والالتزام بالأدب مع الله تعالى يحقق التقوى في قلب الإنسان(وهذا من أعلى وأهم مراتب الأدب)ويليه الالتزام بالأدب مع رسوله-صلى الله عليه وسلم-يحقق التسليم والانقياد وطاعته فيما أمر ونهى.والالتزام بالأدب في التعامل مع الناس وإعطاء كل ذي حقا حقه يجعل الإنسان محبوب بين الناس وذو مكانة وتأثير.
وأخيرا الالتزام بالأدب شعار كل ناجح ودليله إلى السعادة الأبدية.
فالله نسأل أن يهدينا لأحسن الأعمال والأخلاق ويصرف عنا سيئها فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو ولا يصرف سيئها إلا هو,
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبل منا هذا الجهد المتواضع ويرفعنا إلى أعلى مراتب الأدب ويجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه. والحمد لله رب العالمين. 