الفطرة السليمة
الفطرة السليمة التي تعترف بالله خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً ورباً يستحق وحده العبادة موجودة بين أضلع كل إنسان في هذا الكون، ولكن البيئة التي من حوله هي التي تحرفه عن طريق الحق، وأول بيئة ينتمي إليها هي أسرته، قال الله تبارك وتعالى : (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لكلمات الله ذلك الدين القيم) (سورة الروم : 30) . فهو سبحانه وتعالى من ركب تلك المعاني في داخل روح الإنسان بتلك الطريقة التي مهما أراد تغافلها فهي داخل كيانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه أما ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه). وقال صلى الله عليه وسلم: ( ذاق طعم الأيمان من آمن بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً).
لما خلق الله عز وجل آدم أخرج جميع الخلق من ظهره وأشهدهم كلهم وشهدوا أن الله هو ربهم وخالقهم والمستحق للعبادة وحده لا شريك له ثم أعادهم في ظهره ، قال تعالى (وإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (سورة الأعراف : 172). لذلك قال العلماء أن الإنسان يولد مسلماً حنيفاً مستقيماً على دين الله وهذه فطرة واستقامة موجودة في كل إنسان ولكن والداه هم الذين يحيدون به عن الطريق المستقيم، ويوجهانه إلى الطريق الخاطئ، ويعلمانه طرق الغواية والانحراف العقائدي عن رضا الله، بجهل أحياناً ، أو بعناد وشهوات النفوس المعرضة عن الله أحياناً أخرى.
أما إذا قال قائل فما بال فرعون وهامان وغيرهم من المعاندين أين الفطرة منهم ، فالجواب هؤلاء والعياذ بالله كشف الله نواياهم وما في قلوبهم من التمرد على طاعة الله والإصرار على معصيته ، وليس ذلك جهلاً منهم بل إن موسى عليه السلام أراهم الآيات وآمن السحرة وبقي فرعون وقومه على الكفر والشر كما قال تعالى : ((وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسـُـهُـمْ ظُـلْـمـاً وعُلُواً)) (النمل:14) وكما قال له موسى عليه السلام : ((لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ بَصَائِرَ)) (الإسراء:102).
إن المتأمل في التاريخ ليدرك أن الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم جاءوا برسالة واحدة ، وبدعم إعجازي من الله جل في علاه لأولئك البشر ليعرفوا أن الله وحده سبحانه هو الوحيد الذي يستحق العبادة، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل:36.
لما انحرفت البشرية عن منهج الله واجتالتها الشياطين إلى عبادة غير الله مع الله من الأصنام والأوثان وغيرها بعث الله إليهم الرسل لتصحيح مسارهم، وتقويم عبادتهم فنجا من نجا ، وعوقب من أعرض ، وهذه سنة الله في خلقه، ويعاقب الله سبحانه من أعرض عن منهجه قال الله تبارك وتعالى : {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }العنكبوت40. وهذا الأمر معروف وملاحظ نسأل الله العافية والسلامة.
والكثير من الناس يعتقد أن الإيمان هو التصديق بوجود الله فحسب، فالجواب على هذه الشبهة أن مشركي قريش كانوا يعترفون بوجود الله والدليل قال الله سبحانه وتعالى ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) إذاً ليست هذه هي الإشكالية بل الإشكالية تكمن في اتخاذ اله مع الله في عبادته، يدعونهم بجانب الله ، يعبدونهم مع الله لماذا قال تعالى ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) سبحان الله يعني قرروا في قرارات أنفسهم أن هؤلاء شفعاء لهم ، ولو تأملوا وتمعنوا في حقيقة ذلك لعرفوا أن الله سبحانه يقول ({أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ }الأعراف195. بل ولعلموا أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الشفاعة من أحد إلا من يرتضيه سبحانه قال سبحانه وتعالى {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (سورة سبأ 23) . فبطلت عقائدهم الباطلة أمام التوحيد الخالص لله جل في علاه.
العرض المتطور
