الحمد لله رب العالمين , محي القلوب بنور العلم والدين , خالق الذكر والأنثى, جاعل النساء شقائق الرجال . القائل في كتابه العزيز :( وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( [1]).
والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ...
عندما تداعى محور الكفر على الإسلام وأهله ، وأخذوا زمام المبادرة في قيادة البشرية ، ارتفعوا بها في مجال التقدم العلمي ، والحضارة المادية ، إلا أن البشرية وقفت على حافة الهاوية بسبب إفلاسها في جانب الدين والأخلاق , وظهر الفساد في البر والبحر، وعرف الأعداء الذين درسوا تاريخنا وحقائق حياتنا ، أن سر عظمتنا هو إسلامنا وعقيدتنا الربانية ، التي ترقى بنا عن بريق الدنيا ومتاعها الزائل ، لذا عمدوا إلى استلال مفاهيم العقيدة السليمة من قلوبنا ، بالحكمة حيناً وبالمكر والخداع حيناً آخر ، وبتخطيط ماكر استطاعوا أن يسلخوا المسلمين عن دينهم ، وذلك بإقناع السذج منهم أن الإسلام تحفة قديمة ، غالية الثمن إلى حد أنه يصعب استخدامها في هذا الزمن الأهوج ، ولا بد من حفظ تلك التحفة على أجمل الرفوف ، وفي أفخم الخزائن البلورية ، تريك كل شيىء لكنك لاتستطيع لمسها . وبهذه الصورة الرائعة من الخداع أبعدوا المسلمين عن شرعهم العظيم وعقيدتهم الصحيحة .
وقد أنبأنا رسول الله عن الخطر الذي يتهدد المسلمين إذا ما ابتعدوا عن دينهم وعقيدتهم . فقد روى أبو داود عن ثوبان مولى رسول الله حيث قال : قال رسول الله :( يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل : أوَ من قلةٍ نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .
و أصبح حال المسلمين , كما قال الشاعر :
أنى نظرت إلى الإسلام في بلدٍ رأيته كالطير مقصوصاً جناحاه
وفي هذا الجو المشحون بالفوضى نشأ جيل مسلم ، وجد الطريق ، ولكنه تخبط وتعثر في خطواته ولم يتعلم من كبواته كيف يقف ويصحح المسيرة ، ويعترف بالخطأ ويجدد العزم ويمضي من جديد , فها نحن نرى الشباب الحائر الضائع ، لاهثاً وراء الشهوات , وقد ملئت بهم جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا ، وصارت كأنها مسرح يتسابق فيه الشباب والفتيات ، لإظهار حبهم للغرب ومواكبة أفكاره ومبادئه ، التي تعتبر حسب زعمهم قمة التطور والحضارة المعاصرة .
وكم كان ينتابني الحزن والأسى ، وأنا أرى فتيات في عمر الزهور يقعن فريسة التقليد الأعمى للممثلات والمغنيات الغربيات ، وشباباً في ريعان الصبا ولكنه مائع مستهتر بمبادىء الدين والأخلاق . وأخذتني الحيرة وتساءلت في نفسي مراراً من هو المسؤول عن ضياع هؤلاء جميعاً ؟ وأخيراً وقفت على الحقيقة وهي :
إن المرأة طرف فيما يتعرض له هذا الجيل من ضياع وانحراف عن طريق الهدى والرشاد , فلقد طالها جانب كبير من مؤامرة أهل الغي والضلال ، حيث إنهم اهتدوا إلى معرفة سر قوة وعظمة جيل السلف الرائد ، ولقد أقض مضاجعهم أن تبقى المرأة في مملكتها تربي الأجيال وتصنع الأبطال العظام ، فخططوا بمكر بالغ لإخراجها من بيتها وزجوا بها في معركة تقليد المرأة الغربية ، وهي الخاسر فيها لامحالة ، وفعلاً نجحوا في مطلبهم ومرادهم . فالمرأة ركن أساسي في بناء المجتمع وهي سر سعادته أو شقائه ، بصلاحها يصلح الجيل الناشىء وبفسادها يفسد ، فهي الأم والزوجة والأخت والمعلمة والمربية ,فهي تمثل نصف المجتمع , وهي تلد النصف الثاني , فهي الأمة بأسرها . وعـليها أن تجد السبيل لتغيير هذا الواقع الأليم ، وذلك بالعمل على تربية جيل إيماني , فريد بصفاته وملامحه، جيل يتربى في أحضان العقيدة الربانية , يحفظ القرآن الكريم ويتدبره ، ويتفهم معاني السنة النبوية الشريفة ، ويتدبر سيرة السلف الصالح من الصحابة المجاهدين الفاتحين ليكون أهلا للقيادة , ويغير مجرى الأمور كلها ، ويسهم في قلب موازين القوى في العالم ، لتصب في صالح الإسلام والمسلمين ، فإذا حققت هذا الهدف وأوجدت هذا الجيل القرآني ، فإنها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها مؤامرات من أطلقوا شعار " دمروا الإسلام أبيدوا أهله " ، ولئن كانت حصيلة القرن الماضي هي غياب الإسلام عن الساحة ، فذلك لا يعني الغروب ،لأن الغروب لا يحول دون الشروق مرة أخرى في كل صبح جديد ، معلناً رجوع الأمور إلى نصابها , عندها سيأوي العباد إلى الإسلام كما تأوي الطير إلى أعشاشها ، طلباً للعيش الكريم والأمن والأمان بعيداً عن ضوضاء الفوضى والتناقضات