رمقني ببصره مستنكراً عندما أوقفت سيارتي بجانب مطعمٍ للوجبات السريعة في مدينة الرياض، ثم أكمل استنكاره باستفهامٍ يحمل نبرةً احتجاجية : ماذا تريد من هذا المطعم ؟
قلت : ساندويتش .
قال : شاورما ؟
قلت : ساندويتش برجر .
أجابني مشمئزاً : أعوذ بالله
سألت : لماذا ؟
أجاب: ألم تسمع بالمؤامرة ؟
سألت : أية مؤامرة ؟
أجابني قائلاً : قبل أن أخبرك بقصة المؤامرة وأبعادها الدولية، بودي أن أسألك عن الخبز الذي يحشى بقطع لحم البرجر ؟
قلت : ما به ؟
قال : ماذا يشبه ؟
أجبته : يشبه الخبز !
قاطعني : أسألك عن شكله ؟
قلت : شكله بيضاوي يميل إلى الدوران على شكل قبةٍ .
قال : بالضبط إنه مثل شكل الكرة الأرضية البيضاوي .
قلت : وممزق إلى قسمين بشكلٍ شبه متساوٍ .
قال في لهفة : بالضبط .
أكملت حديثي قائلاً : والقسم الأعلى منه مغطىً بالسمسم المحمص .
قال في ارتياحٍ : عليك نور .
سألت : طيب وبعدين، زبدة الموضوع يعني ؟
قال : ألم تصل بعد إلى أبعاد هذه الجريمة ؟
قلت في استنكارٍ : عن أية جريمة تتحدث ؟؟
قال : قطعة الخبز تشبه الكرة الأرضية الكوكب الذي نعيش على ظهره الآن، وهي مقسومة فعلياً إلى قسمين رئيسيين، يفصل بينهما خط الإستواء، القسم الأعلى ويرمز إلى الشمال الغني، لأنه مغطى بحبات السمسم، والأسفل الجنوب الفقير، هذه هي الخطوة الأولى في مؤامرة البرجر !!
ضحكت بشدة وقلت : ما دليلك ؟
قال : إنه أمريكي وكفى به إثماً مبينا .
قلت : هو صناعة سعودية ؟
قال : نتاج العولمة والتبعية .
قاطعته في استنكارٍ : الصناعة لا تعني بالضرورة التبعية .
دلل على حجته بقوله : حرصهم على أن يكون الخبز بيضاوياً دعوة صريحة للسيطرة على شعوب الأرض الفقيرة والتهام مواردها بوحشيةٍ ودمويةٍ .
سألت : من هم ؟
أجابني : أمريكا وأذنابها، والدليل على ذلك الكاتشب !!
سألت : الكاتشب ؟؟
قال : نعم الكاتشب .
سألته : ما وجه الدلالة ؟
أجابني بسؤالٍ : إلى ماذا يرمز ؟
قلت : لا تقول إنه يرمز إلى لون الدم ؟
قال في ارتياحٍ واضحٍ : الله يفتح عليك بدأت تفهم .
أجبته معترضاً : طيب ليش ما تقول إنه يرمز إلى ثورة ماو تسي تونج، ولا أبو طاقية منحرفة الأرجنتيني آرجستو تشي جيفارا ولا إلى العقيدة الشيوعية البائدة ؟
قال : لا، نحن نتكلم عن نظامٍ عالمي جديدٍ، والكاتشب يرمز إلى دماء الشعوب التي أريقت بفعل سلاح الغرب الأمريكي والأوربي في الصراعات والحروب الأهلية التي عصفت بالشطر الجنوبي الفقير المسالم .
قلت : لكن دول الجنوب يغلب عليها التخلف التقني والثقافي والخلقي، وهي التي تبحث عن تلك الصراعات الأهلية بكل شغفٍ ووحشيةٍ، بل إن مواردها المالية تسخَر لجلب مزيدٍ من العتاد الحربي والعسكري .
قال : ابحث عمن يذكي تلك الحروب في الخفاء ومن وراء الستار، إنه الرجل الأبيض، أو إن شئت فقل الشمال الغني، قطعة الخبز المغطاة بحبات السمسم .
قلت : طيب، وماذا بعد ؟
قال : إنهم يريدون سلب كل طهرٍ ونقاءٍ من شعوبنا العربية .
قلت : وكيف يتم ذلك ؟
قال : لأنهم يريدون منا أن نبتعد عن الطرشي والبصل والطحينة والخيار والطماطم، تلك الرموز الوطنية .
قلت : لا أرى فيها أية رموزٍ وطنية، إنها مجرد خضراوات .
قاطعني : خذ الطحينة مثلاً، إنها بيضاء ترمز إلى الطهر والنقاء والصفاء، وقل ذلك إن شئت عن حلقات البصل البيضاء، والخيار، آواه من الخيار إنه وجه الطبيعة الأخضر البعيد عن تلوث دخان مصانع الشمال الغني .
قلت : حسناً أكمل ؟؟
قال : أليس من مقومات البرجر البطاطا المقلية ؟
قلت : الله الله .
قال : إنها ترمز إلى المآذن في البلاد الإسلامية .
قلت : تراك مصختها وطولتها وزودتها مو حبتين إلا ثلاث حبات .
قال : كما أقول لك بالضبط، وضع البطاطس المقلية داخل ساندويتش البرجر بشكلٍ نائمٍ يهدف إلى إسقاط المآذن في البلاد الإسلامية، وإذا سقطت المآذن سقطت المساجد، وإذا سقطت المساجد سقطت الصلاة وسقط بسقوطها الإسلام، تسلسل منطقي للأحداث لا غبار عليه، ولا تنسى الكاتشب لون الدم فوق البطاطس، والمعنى أن هذه المآذن لن تسقط إلا بسفك دماء المسلمين أنهاراً تجري !!
قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم ماذا ؟
قال : وأخيراً تكتمل أبعاد هذه المؤامرة القذرة بوضع الخردل داخل ساندويتش البرجر .
قلت : وش فيه بعد هذا ؟
قال : قتل شبابنا بالموت البطيء ( الكوليسترول )
قلت : خيرً إن شاء الله، ماني ماكل، سديت نفسي الله يقرفك .
أغلقت باب السيارة وانطلقنا بها، وبعد برهةٍ قال : أنا عطشان للغاية قف هنا، أوقفت العربة إلى حيثما أشار بجوار محلٍ للسوبر ماركت، نزل من السيارة ودلف إليها مسرعاً، ثم عاد وفي يده زجاجة كوكا كولا وفي اليد الأخرى دوناتٍ أمريكيةٍ مغطاةٍ بطبقةٍ من الشوكولا صناعة سعودية، وعندما ركب السيارة
سألته قائلاً : أقول وهذا اللي في يدك إلى ماذا يرمز ؟؟
أجابني : الكوكا تشبه برج الفيصلية، والدونات تشبه عقال الرجل !! ثم كرع نصف المشروب دفعةً واحدةً وقضم نصف الدونا وقال : لا أجد غضاضةً البتة في شرب الكوكا وأكل الدونا .
.................................................. ....................
يا سبحان الله ... ألهذه الدرجة من التناقض يعيشها بعض شباب مجتمعنا !!!
منقووووول
العرض العادي
