الاسطــورة الصينيــة
الحكايات التي نسمعها او نقرأها، وخصوصا في عمرنا المبكر، تبقى في ذاكرتنا محفوظة عبر الزمن الذي نعيشه. وهي تعود الينا كلما احتجنا اليها لتمتعنا او لتمنحنا العبر.
اليوم تعود الى البال حكاية وردت في كتاب مترجم قبل عقود يتضمن طائفة من الاساطير الصينية. وهي تقول ان رجلا كان يجتاز غابة جلس في ظل شجرة جوز عملاقة ينعم بظلها اتقاء لقيظ ذلك النهار. وبينما كان يستريح في ذلك المكان راح يقلب النظر في ما حوله. فخطرت على باله فجأة فكرة هزت كيانه وهي فكرة جاءت من مقارنته بين ضخامة شجرة الجوز وتواضع نبتة البطيخ التي كانت موجودة مصادفة قرب الشجرة. فتساءل في سره عن غباء الطبيعة التي منحت ثمرة الجوز الصغيرة شجرة كبيرة وثمرة البطيخ الضخمة نبتة صغيرة! وانتهى بعد هذه المقارنة الى اطلاق ضحكة ترددت اصداؤها مشبعة بالسخرية اللاذعة.
وتضيف الحكاية: وطرأت حالة نعاس على الرجل الذي كان منهكا من السير فاستسلم لها نوماً عند جذع شجرة الجوز. ومضى وقت لا يعلمه النائم الذي استيقظ مذعورا تحت وطأة ألم من ارتطام شيء برأسه. واذ تحسس الرجل رأسه ليتأكد من سلامته بعد الاصابة، انتبه الى ثمرة جوز وقعت قربه فادرك ان الاصابة في رأسه جاءت من سقوط هذه الثمرة على رأسه من مكانها في الشجرة. وهنا جاءته فكرة ثانية ادخلت الخشوع في كيانه على عكس الفكرة التي اثارت سخريته قبل نومه. وراح الرجل يتساءل في سره: ماذا لو كانت نبتة البطيخ شجرة عملاقة وكنت انا استريح في ظلها؟ بالتأكيد لو اخطأت الطبيعة صنعا لما بقيت اليوم على قيد الحياة.
من الحكاية الى تأويلها. وهنا نتساءل حتى نضحك ونغرق في السخرية القصوى:
- كيف يستطيع لبنان، عبر فريق منه هو "حزب الله"، ان يتحدى اسرائيل التي تجرأت وادخلت جرافة الى الارض اللبنانية فيطلق النار عليها فيقتل جنديا ويجرح آخر، وفي الوقت نفسه كان احد الديبلوماسيين السوريين في الولايات المتحدة الاميركية يعلن ان سوريا لن تلجأ الى غير المفاوضات لاستعادة اراضيها المحتلة في الجولان؟
- من اين تأتي لبنان عبر هذه الفريق الشجاعة ليتحدى في هذا الزمن الذي ارتبطت فيه اكبر دولة عربية هي مصر باتفاقات سلام مع اسرائيل ومثلها الاردن وتسارع ليبيا، التي كانت حتى الامس القريب كوبا الشرق الاوسط، الى فتح ابوابها امام الامبريالية الاميركية والبريطانية وسائر الامبرياليات التي لم توفر الجماهيرية سابقا في هجائها اياً من مفردات قاموس مالك في هجاء الخمرة؟
- وفي الشرق ايضا لم تزح تركيا الدولة العملاقة قيد انملة عن تراثها الودي مع الدولة العبرية رغم ان حكامها تبدلوا من علمانيين الى اسلاميين، وفي الوقت الذي تمد الجمهورية الاسلامية الايرانية يد التعاون الى تركيا ولا يضيرها ان يد انقرة لا تزال تصافح يد تل ابيب.
- وحتى يستقيم التأويل لا بد ان ندرك ان نموذجنا اللبناني يحاكي النموذج الفلسطيني الذي يؤكد ان هناك شعبا يعاني اشد الضغوط هولا يواجه دولة هي الاعتى في المنطقة.
نرجو ان ننتهي الى تأويل ما. ولكن نرجو ان يتحقق ذلك عبر سلوك طريق الاسطورة الصينية حتى نهايتها السعيدة اذا امكن.