فإن من أهم المهمات وأفضل القربات التناصح والتوجيه إلى الخير والتواصي بالحق والصبر عليه، والتحذير مما يخالفه ويغضب الله عزّ وجلّ ويباعد من رحمته.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منزلته عظيمة، وقد عده العلماء الركن السادس من أركان الإسلام، وقدمه الله عزّ وجلّ على الإيمان كما في قوله تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } .
وقدمه الله عزّ وجلّ في سورة التوبة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم } .
وفي هذا التقديم إيضاح لعظم شأن هذا الواجب وبيان لأهميته في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب. وبتحقيقه والقيام به تصلح الأمة ويكثر فيها الخير ويضمحل الشر ويقل المنكر. وبإضاعته تكون العواقب والوخيمة والكوارث العظيمة والشرور الكثيرة، وتتفرق الأمة وتقسو القلوب أو تموت، وتظهر الرذائل وتنتشر، ويظهر صوت الباطل، ويفشو المنكر.
ومن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما يلي:
أولاً: أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام، قال تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت }
ثانياً: أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: { التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين }
على عكس أهل الشر والفساد { المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون } .
ثالثاً: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين، قال تعالى: { ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون . يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويُسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } .
رابعاً: من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: { كُنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتُؤمنون بالله } .
خامساً: التمكين في الأرض، قال تعالى: { الذين إن مّكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبةُ الأمور } .
سادساً: أنه من أسباب النصر، قال تعالى: { ولينصُرَنَّ الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز . الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبةُ الأمور } .
سابعاً: عظم فضل القيام به كما قال تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً } . وقوله صلى الله عليه وسلم: « من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً » [رواه مسلم].
ثامناً: أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: « فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفّرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر » [رواه أحمد].
تاسعاً: في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفضائل غير ما ذكرنا. وإذا تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعُطلت رايته؛ ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:
1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله عزّ وجلّ: { واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة } .
وعن حُذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: « والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم » [متفق عليه].
ولما قالت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها: "أنهلك وفينا الصالحون؟" قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: « نعم إذا كثُر الخبث » [رواه البخاري].
2- عدم إجابة الدعاء، وقد وردت أحاديث في ذلك منها حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: « مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم » [رواه أحمد].
3- انتفاء خيرية الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: « والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنوهن عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم » [رواه أبو داود].
5- ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلمة حالكة لا فجر لها. ويكفي عذاب الله عزّ وجلّ لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.
أخي المسلم:
قال العلامة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله: فلو قُدِّر أن رجلاً يصوم النهار ويقوم الليل ويزهد في الدنيا كلها، وهو مع هذا لا يغضب الله، ولا يتمعَّر وجهه، ولا يحمر، فلا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، فهذا الرجل من أبغض الناس عند الله، وأقلهم ديناً، وأصحاب الكبائر أحسن عند الله منه.
خطوات الإنكار والأمر:
أولاً: التعريف، فإن الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكراً، فيجب إيضاحه له، ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن أدب ولين ورفق.
ثانياً: الوعظ؛ وذلك بالتخويف من عذاب الله عزّ وجلّ وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون ذلك بشفقة ورحمة له.
ثالثاً: الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإصراره.
رابعاً: التكرار وعدم اليأس فإن الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه التوحيد، وحذروا من المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.
خامساً: إهداء الكتاب والشريط النافع.
سادساً: لمن كان له ولاية كزوجة وأبناء، فله الهجر والزجر والضرب.
سابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة الناس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.
أخي المسلم:
درجات تغيير المنكر ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان » [رواه مسلم].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله من المنكر الذي حرّمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن لم يكن مبغضاً لشيء من المحرمات أصلاً لم يكن معه إيمان أصلاً.
وقال الشيخ محمّد بن عبد الوهاب رحمه الله: فالله الله إخواني، تمسكوا بأصل دينكم، أوله وآخره أُسّه ورأسه، وهو "شهادة أن لا إله إلا الله" واعرفوا معناها وأحبوا أهلها، واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين، واكفروا بالطواغيت، وعادوهم وأبغضوا من أحبهم، أو جادل عنهم أو لم يكفرهم، أو قال ما عليّ منهم، أو قال: ما كلفني الله بهم، فقد كذب هذا على الله وافترى، بل كلفه الله بهم وفرض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانه أو أولاده.
أخي المسلم:
شاع في بعض أوساط الناس الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتبروا ذلك تدخلاً في شؤون الغير؛ وهذا من قلة الفهم ونقص الإيمان، فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس! إنكم لتقرؤون هذه الآية: { يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم } وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه » [رواه أبو داود].
وتأمل في سفينة المجتمع كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: « مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإذا أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً » [رواه البخاري].
ومع الأسف الشديد ظهرت في بعض المجتمعات ظاهرة خطيرة وهي الاستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولمزهم وغمزهم، والله عزّ وجلّ قد توعد الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بعذاب أليم.
وننبه الأحبة الكرام إلى خطورة الأمر، قال في حاشية ابن عابدين: إن من قال "فضولي" لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فهو مرتد.
وفي "الدر المختار" قال في فصل الفضولي: "هو من يشتغل بما لا يعنيه، فالقائل لمن يأمر بالمعروف: أنت فضولي، يُخشى عليه الكفر".
اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المقيمين لحدودك. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عزيزي الباز
تناولت موضوعا في غاية الاهمية من حيث ان لا صلاح في امتنا من دون موجه 00000وجدت فيما ماكتبت حديث النبي صلى الله عليه وسلم( من راى منكم منكرا فليغيره بيده الى اخر الحديث)
فهل تتفق معي ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اقتصر على القلب فقط
والدوله قامت بوضع هيئة متخصصة في الامر بالمعرف والنهي عن المنكر ؛ عزيزي هل تعلم ان هناك من يدعو الى هدم هذه الهيئة مؤكد انك تعلم
لك جزيل الشكر على تعقيبك للموضوع واقول إن الشيخ صالح بن فوزان الفوزان قد ألقى محاضرة بعنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد بين كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراتبه وهذه هي انقله لك لتعم الفائدة ولكن على جزئين ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله, أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه والمتمسكين بسننه إلى يوم الدين تسليمًا كثيرًا.
أما بعد..
فإن الموضوع الذي سنتحدث عنه - إن شاء الله - هو موضوع يهم جميع المسلمين, ألا و هو " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".
" أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة الأنبياء والمرسلين ولا سيما خاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم, فإن الله وصفه بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, فقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف / 157].
وكما أن هذا هو وصف النبي صلى الله عليه وسلم فهو صفة أمته كما قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران / 110].
معنى المعروف والمنكر: والمراد بالمعروف جميع الطاعات, وسميت معروفا لأنها تعرفها العقول السليمة والفطر المستقيمة أول المعروف أعظمه عبادة الله وحده لا شريك له, وإخلاص العبادة لله عز وجل, وترك عبادة ما سواه، وهذا أعظم المعروف, وبعد ذلك سائر الطاعات: من واجبات ومستحبان كلها تدخل في نطاق المعروف, فكل ما أمر الله تعالى به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم فانه معروف.
والمنكر: كل ما نهى الله عنه ورسوله, فجميع المعاصي منكر لأنها تنكرها العقول السليمة والفطر المستقيمة, وتنكرها الشرائع السماوية, كما أن المعروف تقره الشرائع السماوية, فكذلك المنكر تنكره جميع الشرائع السماوية وتنكر أيضا العقول السليمة.
أعظم المنكر: وأعظم المنكر الشرك بالله عز وجل. ولهذا أول ما تأمر الرسل عليهم الصلاة والسلام بأعظم الطاعات: وهو عبادة الله, أول ما تنهى عن الشرك وأعظم المنكرات وهو عبادة غير الله عز وجل أو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله, كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل/ 36].
وكما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء/ 25].
وكذلك يدخل في المنكر كل المعاصي كبائرها وصغائرها.
" فائدة قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
لا صلاح للبشرية إلا بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لأن طبيعة الاجتماع البشري أن الإنسان لا يعيش وحده, وحتى لو عاش وحده فإنه يجب عليه أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر, ولكن في المجتمعات البشرية يتأكد ذلك ويتعاظم وجوبه لأن من طبيعة البشر - إلا من رحم الله - العدوان والظلم بحكم النفوس الأمارة بالسوء وبحكم وجود شياطين الأنس والجن الذي يزينون للناس القبائح ويثبطونهم عن الطاعات, وبحكم وجود المغريات من الشهوات المحرمة في كل وقت بحسبه, فإن المجتمعات البشرية توجد فيها المغريات للوقوع في المحرمات من النساء والمآكل والمشارب والمكاسب, فهناك مغريات فاتنة تغري كثيرًا من الناس لمقارفة المنكر وتثبط كثيرًا من الناس عن أداء الواجبات والمستحبات.
وبحكم أن هذا من لازم البشر, اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يستقيم شأن الأمة وحتى تقاوم هذه الأمراض, والأمم توجد مستشفيات لعلاج الأمراض الحسية التي تصيب الأبدان, وتوجد الأطباء لمعالجة الأجسام, وهذا شيء تحمد عليه وشيء مطلوب, والمجتمعات كذلك تحاول توفير كل ما فيه بقاء المجتمع وقوة المجتمع, ومن أعظم ما يهدده أمراض الشهوات والشبهات, فإن أمراض الشهوات والشبهات أشد خطرًا من أمراض الأجسام, لأنها أمراض تصيب القلوب وتصيب الدين الذي لا صلاح للبشر إلا به, والقلوب هي ملوك الأجسام, كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
فأمراض الشهوات والشبهات تصيب القلوب حتى تمرض أو حتى تموت, إذا لابد من مقاومة هذه الأمراض وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكل مجتمع حتى ولو كان مجتمعًا إسلاميًا ولو كان الإيمان قد انتشر فيه لابد أن يكون هناك فيه من الفساق ومن ضعفاء الإيمان ولابد أن يكون هناك من يقع في المحرمات, حتى في العهد النبوي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة التي هي أزكى القرون والتي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه اثنين أو ثلاثة في هذه القرون المفضلة وجد من يعصي, وجد من يزني, وجد من يسرق, ولذلك أقيمت الحدود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين في القرون المفضلة لقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعلاج هذه الأمراض الفتاكة, فما بالكم بالقرون المتأخرة؟ وما بالكم بالقرون التي نعيش فيها؟ وقد فتحت الدنيا وتقاربت البلدان واختلط العالم أقصاه بأقصاه, وصار ما يحدث في أقصى المعورة يصل إلى أقصاه بسرعة.
ويتأكد إذن قيام جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الوقت والاهتمام به, فليس هو الأمر الهين, فالإنسان يجب عليه أن يأمر نفسه وينهاها, قال تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى . وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى . وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات/ 37 -40 ]
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, الإمام راع ومسؤول عن رعيته, والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته, والمرأة مسؤولة في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها, كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وكذلك يمتد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من البيوت إلى الشوارع إلى المجتمعات, لأن هذه من باب التعاون على البر والتقوى, وهذا هو التكافل الاجتماعي الصحيح وهو أعظم التعاون على البر والتقوى, كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة, الدين النصيحة, الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل في هذه النصيحة.
" حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
وما دام الأمر كذلك فيجب أن نعرف حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقد نص العلماء رحمهم الله على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على هذه الأمة لا خيار فيه, ولكن هو واجب على الكفاية, إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين, وإذا لم يقم به أحد أثم عليه جميع أفراد الأمة, ويسألها الله يوم القيامة عنه ويحاسبها عليه قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران/104].
فقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ} "من" هنا حرف تبعيض, أي تقوم جماعة فيها الكفاية وفيها السداد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع المسلمين, وحينئذ تكون الأمة قد أدت هذا الواجب, إذا جندت جماعة تقوم به على الواجب المطلوب, ومع هذا يجب على الجميع التعاون مع هذه الجماعة وألا تلقى المسؤولية عليها, بل يتعاون جميع المسلمين مع هذه الجماعة بما يتطلبه الأمر, وكون هذه الجماعة هي القائمة عليه, وإذا لم يقم به جماعة من المسلمين على الوجه المطلوب أثمت الأمة جميعًا, وكل فرد من أفرادها يناله الإثم ويحاسب يوم القيامة, لماذا أهملتم هذا الجانب؟ هذا هو حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه واجب لابد منه, ووجوبه على الكفاية, يعني: أن لابد أن تقوم جماعة من المسلمين يكلفها ولي الأمر ويجندها لمتابعة هذا الجانب والقيام به على خير وجه, ويجب على المسلمين أن يتعاونوا مع هذه الجماعة وأن يناصحوها وأن يبذلوا معها ما يستطيعون, لان المسلمين كما شبههم النبي صلى الله عليه وسلم كالبنيان يشد بعضة بعضًا, وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. هذا هو حكم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على هذه الأمة لان قوله تعالى: {كنتم} خطاب لهذه الأمة, فقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران/ 110]..قال المفسرون: كنتم خير الناس للناس.
" لماذا شرع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ "
لأنه لا يكفي الإنسان أن يكون صالحا في نفسه, بل عليه أن يصلح نفسه ويصلح الآخرين: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). وكما أنك تحب لنفسك دخول الجنة والنجاة من النار فتعمل بطاعة الله وتجتنب معاصي الله كذلك تحب لإخوانك دخول الجنة والنجاة من النار, ولا يكون ذلك إلا بأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر, وأنت حين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر تريد لهم الخير, لا تريد إظهار نقص فيهم ولا إظهار عيب ما ولا الحط من قدرهم ولا تعييرهم, وإنما تريد نفعهم, تريد إنقاذهم من النار ودخولهم الجنة, كيف تتركهم يقعون في النار وأنت تقدر على إنقاذهم بأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر؟ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها - يعني: أن بعضهم صار في الطابق العلوي وبعضهم صار في الطابق السفلي, والطابق السفلي أقرب إلى الماء - فكان الذين في الطابق السفلي إذا أرادوا الماء يصعدون إلى الطابق العلوي للحصول على الماء, فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا لنأخذ منه الماء, - أي من الجانب السفلي- ولا تؤذى من فوقنا - بأن نصعد إليهم ونتردد عليهم, ومعلوم أن السفينة إذا خرقت دخلها الماء وغرقت وغرق أهل الطابق الأعلى والطابق السفلي - ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا).
هكذا المجتمع, أهل الطابق الأعلى فيه هم ولاة الأمور والعلماء وأهل الرأي وأهل العقول السليمة, ومن دونهم هم بعض القصار وبعض الفساق وبعض ضعاف الإيمان, هؤلاء في الطابق السفلي. فيجب على أهل الطابق العلوي من أهل الإيمان والعقول أن يأخذوا على أيدي هؤلاء, بأن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر حتى تحصل النجاة للجميع, وأما إذا تركوهم يقعون في المعاصي فهم كمن تركوا أهل الطابق السفلي في السفينه يخرقون فيها, لأن العقوبة إذا نزلت عمت الجميع, قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}.
عمت الصالح والطالح, عمت الطالح لمعصيته وعمت الصالح لسكوته وتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة, متى تحقق ووجد فإن هذا علامة نجاتها وسلامتها, ومتى عدم هذا الجانب - ولا حول ولا قوة إلا بالله - أو ضعف فإن هذا علامة هلاك الأمة, ولهذا لما قالت عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كثر الخبث).
" ما أصاب المجتمعات في هذا العصر بسبب ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر "
المجتمعات المعاصرة وما فيها الآن من النكبات وما فيها من الفتن وما فيها من البهيمية وضياع الأخلاق وضياع الأعراض واختلال الأمن, تسمعون من ذلك الشيء الكثير, حتى وإن كانت تملك السلاح وتملك القوة والمخترعات, لكنها ضائعة في أخلاقها, وفي أعراضها, مهددة في أمنها, أما الأمة التي تؤمن بالله ورسوله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, فإنها آمنة كما ترون والحمد لله في هذه البلاد, ونرجو الله أن يتم نعمته, وأن يديم عليها فضله, وأن يجعلها أمة صالحة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر, هذا جانب عظيم يا عباد الله, وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة, وقد نص الله تعالى عليها في كتابه الكريم, فأخبر سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب الاستقرار والتمكين في الأرض. قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج/ 40 ,41].
أخبر سبحانه بل أقسم سبحانه وتعالى أن ينصر من ينصره, فمن هم الذين ينصرون الله؟ هم الذين ينصرون دين الله عز وجل ثم بينهم بقوله: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج/ 41].
إذا فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سبب للأمن والاستقرار والنصر على الأعداء والتمكين في الأرض, وأخبر سبحانه وتعالى أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ينجى من عذاب الله, إذا نزل في الأرض لا ينجو إلا الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, أما الساكتون والمداهنون فإنهم يهلكون ولو كانوا صالحين, يهلكون مع العصاة, قال تعالى: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الاعراف/ 163].
نهاهم الله عن صيد السمك يوم السبت ابتلاء وامتحانًا لهم, ولكنهم احتالوا عليه ونصبوا له الشباك وحفروا الحفر يوم السبت فصاروا يأخذونه يوم الاحد احتيالًا على ما حرم الله عز وجل, قال تعالى: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الاعراف/ 163].
حتى أن الله سبحانه وتعالى سلط عليهم الحيتان تأتيهم وتكثر في اليوم الذي نهوا عن صيدها فيه ابتلاء لهم وامتحانا فأغراهم ذلك بأن يحتالوا على أكلها {كَذَلِكَ نَبْلُوهُم} يعني نختبرهم {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}, {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الاعراف :164, 165].
لما نزل العذاب لم ينج إلا الذين نهوا عن المنكر, أما الذين سكتوا فلا يدري هل هم من الناجين أم هم مع الهالكين؟ ولما ذكر سبحانه وتعالى في سورة هود ما وقع في الأمم السابقة من النكبات والعقوبات والهلاك. قال سبحانه وتعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود| 116، 117].
ما قال صالحون فقط بل قال: "مصلحون" والمصلحون هم اللذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولهذا قال: {إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} [هود/116].
فذكر أنه سبحانه وتعالى نجا هؤلاء القليل اللذين ينهون عن الفساد في الأرض, وأن الأكثرين هلكوا لأنهم لا ينهون عن الفساد في الأرض, وكما أن الإنكار سبب للنجاة من العذاب والعقاب، فإن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للهلاك, وسبب للعنة الله سبحانه وتعالى ،قال سبحانه وتعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة 78. 79].
وقد تلى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية على أصحابه, فقال عليه الصلاة والسلام (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرونه على الحق أطرا، أو ليضربن الله على قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم), والله جل وعلا خص علينا هذا لأجل أن نحذر من الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء، حتى لا تحق علينا لعنة اله عز وجل وغضب الله، إذا لابد من وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، التي هي خير أمة أخرجت للناس, قال أبو هريرة: كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأتون بهم يقادون في السلاسل حتى يدخلون الجنة، بمعنى أنكم تأسرون الكفار ثم يسلمون ويدخلون الجنة, فأسرهم كان لمصلحتهم وإنقاذهم من عذاب الله، فهذا من فضل هذه الأمة الذي منحه الله لها.
((الحكمة من مشروعية الجهاد في سبيل الله))
المسلمون لا يجاهدون الكفار طمعًا في أراضيهم أو طمعًا في أموالهم، وإنما يجاهدون لأجل إنقاذهم من النار إن اهتدوا. ولأجل إراحة المسلمين منهم وتطهير الأرض من شركهم وكفرهم. قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال / 39].
هذا هو الغرض من الجهاد الذي هو أعظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وهو مزية عظيمة لهذه الأمة تجاهد الناس لأجل مصلحة الناس، ولأجل إدخالهم في الجنة وإنقاذهم من النار، إذا عرفنا فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التهاون فيه.
((الصفات التي يجب توافرها فيمن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر))
لكن ما كل أحد يصلح لأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر, لابد من صفات تتحقق في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتحلى بثلاث صفات :
الصفة الأولى: العلم: بأن يكون عالمًا يأمر به وبما ينهى عنه، يعلم ما هو المنكر من المحرم والمكروه، وبعبارة أخرى: يعلم ما هو المنهي عنه شرعًا وحتى ينهى عنه، ويعلم ما هو المأمور به شرعًا حتى يأمر الناس به, لابد أن يكون على جانب من العلم، يعلم به ما هو المنكر ويعلم ما هو المعروف، فإن أمر ونهى بغير علم فإن ضرره يكون أكثر من نفعه؛ لأنه قد يأمر بما ليس بمشروع وينهي عما كان مشروعًا، وقد يحلل الحرام ويحرم الحلال وهو لا يدري، يتكلم بغير علم، فهذا ضرر أكثر من نفعه إن وجد فيه نفع فالضرر أكثر والخطر أعظم، هذه هي الصفة الأولي.
* الصفة الثانية: الرفق: أن يكون رفيقًا حكيمًا بما يأمر به وفيما ينهي عنه.
* الصفة الثالثة: أن يكون صبورًا على الأذى. إذا ثلاث صفات: العلم, والرفق، والصبر. ((الصفة الأولي)) وهي العلم تكون قبل الأمر والنهي ((الصفة الثانية)) وهي الرفق تكون في حالة الأمر والنهي، ((الصفة الثالثة)) وهي الصبر تكون بعد الأمر والنهي. ((والرفق)) بأن يرفق الناس, ويأمرهم بطريقة حكيمة، وطريقة رفيقة لأنه يريد بهم الخير ويكون تأثيره فيهم أبلغ.
((الأمور التي يجب أن ينظر إليها قبل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
* الأمر الأول: أن ينظر في نتيجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أن يدخل فيه، ما الذي يترتب عليه، ما الذي يحصل إذا أمر ونهي؟ وفي ذلك ثلاث حالات :
* الحالة الأولي: أن يترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر زوال الحالة يتأكد الأمر بالمعروف ويجب لأنه إزالة شر وإقرار خير.
الحالة الثانية: ألا يزول المنكر كله ولكن يخفف، وفي هذه الحالة أيضًا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر تخفيفًا للشر، لأنه إذا لم يمكن إزالته بالكلية فعلى الأقل يخفف.
الحالة الثالثة: العكس بأن يترتب على الإنكار حصول منكر أعظم أو مساو، ففي هذه الحالة يتوقف الإنسان لأنه إذا ترتب على إنكاره حصول معصية أكبر منها فإنه لا يجوز الإنكار إلى أن يفتح الله سبحانه وتعالى ويأتي الله بالفرج، ويكون هذا من باب ((ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما)) هذه قاعدة معروفة في الدين، ومن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تجد هذا واضحًا، فيوم أن كان بمكة عليه الصلاة والسلام وكان يري الأصنام ويري غيرها لكنه يقتصر على دعوة الناس إلى التوحيد وإلى العبادة ولم يكسر الأصنام ولم يحطمها لأنه يترتب على هذا شر أشد وهو القضاء على الدعوة والله تعالى يقول: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام / 108].
فإذا ترتب على مسبة الأصنام ومسبة المعبودات أن تسلط الكفار ويسبوا الله عز وجل فهذه مفسدة أعظم، و((درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)). هذا من جانب النظر فيما يثمره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس التوقف معناه: أننا نعطل هذا الشي بل معناه أن نعمل ما نستطيع من الدعوة والترغيب والبيان، وأما إزالته فتتوقف حتى تكون بأيدينا المقدرة الكافية.
((النظر في حالة الشخص الواقع في المعصية ومعاملته بحسبها))
وكذلك من الرفق أو من الحكمة النظر في حالة الشخص الذي يؤمر وينهي، والذي وقع في المعصية ثلاث حالات :
الحالة الأولي: يكون جاهلًا أنها معصية وجاهلًا أن هذا لاشي محرم، فهذا يكفي أنك تبين له، فنقول: فلان فعلت معصية، يا فلان فعلت محرمًا, فإذا وقع فيه عن جهل فإنه سيتركه.
الحالة الثانية: أن يعلم أنه فعل مصيبة وأنه فعل محرمًا فهذا يوعظ ويخوف بالعقوبة.
الحالة الثاثة: أن يجادل ويأتي بشبه فهذا يجادل بالتي هي أحسن حتى تدحض شبهته.
((حالات الناس اليوم مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
الناس في هذا الوقت ثلاثة أصناف طرفان ووسط :
الطرف الأول: أناس تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولاحول ولا قوة إلا بالله، وهذا ترك لواجب عظيم من واجبات الإسلام، وهدم لأعظم المقومات لهذا الدين، وتسلط لأعداء الله ورسوله, وتسلط للعصاة والمفسدين، فإن الشر إنما ينتشر إذا عطل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه يصبح بدون مقاوم، وأنتم تعلمون أن شياطين الأنس والجن إذا سنحت لهم الفرصة فإنهم ينشرون شرهم بسرعة وبشتى الوسائل ولا يقاومهم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المؤيد بالسلطان.
الطرف الثاني: أناس تشددوا في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرجوه عن إطار الحكمة والموعظة الحسن إلى إطار التنفير والتشديد ومواجهة الناس بالغلظة والقسوة، وهذا لا يجوز ولا يصلح أن يكون أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر، فإذا جاء أحدهم على إنسان جاهل ارتكب معصية في المعاصي فعنفه ووبخه تكلم في حقه وجرحه، فهذا ليس من الحكمة، أو زاد في إنكاره عليه أكثر من اللازم، هذا الجانب الأول، كلاهما خطأ.
أما الوسط: وخير الأمور أوساطها، وقد جعل الله هذه الأمة أمة وسطًا فهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الإنسان الذي يواجه الناس ويأمرهم وينهاهم يحصل له أذى بلا شك، بالقول أو بالفعل، يواجه الناس مواجهات، فلابد أن يصبر، وإذا لم يكن صبورًا فإنه سيقف في أول الطريق، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ . وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل/ 125 -127].
وقال لقمان لابنه في جملة ما أوصاه به: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان /17] فدل هذا على أن الذي يأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى الصبر، لأنه في مقابل الأمر والنهي مشقة من الناس وتعبًا، فلا بد أن يصبر.
والصبر معناه، حبس النفس وهو ثلاثة أنواع :
حبس النفس على طاعة الله.
وحبس النفس عن معصية الله.
وحبس النفس عن الجزع لأقدار الله المؤلمة.
ويكون للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر النصيب الأكبر من الصبر والتحمل، وتعرفون ما جري على الرسل عليهم الصلاة والسلام خلال ما قصه الله عن أول الرسل نوح عليه السلام وأنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ . يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا . وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا . فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} إلى آخر السورة [نوح/ 1 -11].
والنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، ماذا لقي من قومه في مكة وهو يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل؟ وكيف قابلوه بالأذى بالقول والفعل، وقالوا: ساحر، قالوا: كاهن، قالوا: إنه يتعلم من غيره من النصارى أو من أهل الكتب السابقة، معلم مجنون، قالوا...وقالوا، لأكرم الخلق عليه الصلاة والسلام، وضعوا له الأذى في الطريق ووضعوا عليه الأذى وهو ساجد عليه الصلاة والسلام، وضربوه بالحجارة حتى أدموا عقبه عليه الصلاة والسلام في الطائف، شجوه في أُحد وكسروا رباعيته، وهشموا المغفر على رأسه عليه الصلاة والسلام وماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن نصره الله عز وجل وماذا قابلهم به بعد أن نصره الله ودخل مكة بعد ثمان سنوات من الهجرة ومعه جيوش الإسلام وكتائب التوحيد، حتى استولى على مكة وظفر بأعدائه وجلسوا تحت قدمه عليه الصلاة والسلام، وقال لهم :(يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، هذه سيرة الرسل عليهم الصلاة والسلام، صبر وانتظار للفرج، وفي النهاية تكون العاقبة لهم بالنصر والنجاة، {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ} [يونس /103].
تابه محاضرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.....
((درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقله وهذا أضعف الإيمان).بين صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح الوجيز درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن كلا منا يتحمل ما يستطيع.
(من رأي منكم منكرًا فيغيره بيده). إذا كان يستطيع إزالة المنكر باليد. لأن الله أعطاه سلطة، حيث ملكه الله كسلطان المسلمين وإمامهم الذي ولاه الله هذا الأمر أو نائبه، يستطيع إزالة المنكر باليد.
(فإن لم يستطع فبلسانه): إذا لم يكن استطاعته إزالة المنكر بيده، فإنه ينتقل إلى المرتبة الثانية، (فإن لم يستطع فبلسانه) بأن يبين للناس الحلال والحرام والطاعات والمعاصي عن طريق المناصحة الفردية فيما بينك وبين أخيك المسلم، والمناصحة العملية بالخطب والمحاضرات والندوات والدروس بالحكمة والموعظة الحسنة، يبين للناس ليهدي الله من يشاء عز وجل، وكم من كلمة حكيمة أغنيت عن كثير من القوة، كلمة حكيمة تؤثر في القلوب، كم من خطبة أو محاضرة أثرت ونفعت بإذن الله، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية/21].
وإذا كان الإنسان لا يستطيع - ولا حول ولا قوة إلا بالله - أن يعلن للناس بيان ما وجب عليهم وما حرم عليهم، فإنه لا أقل من أن ينكر بقلبه، ينكر على أهل المعاصي معاصيهم يعني: يكره المعاصي وأهلها.
((حكم مخالطة العصاة))
إذا لم يكن في مخالطة العصاة طمع في هدايتهم والتأثير عليهم، يعتزلهم، ولا يخالطهم مسرورًا معهم ومنبسطًا معهم لأن هذا هو المداهنة، فالذي يخالط الناس العصاة والفساق ولا ينكر هذا عليهم ولا يكره ما هم عليه بقلبه بل يكون منشرح الصدر معهم منبسط البال يكون مداهنًا المداهنة المنهي عنها، والإنكار بالقلب واجب على كل مسلم، لا يعذر أحد به، لأنه لا يمكن أن يمنع من الإنكار بالقلب أبدًا فإذا كان لا ينكر المنكر بقلبه فهذا دليل على خلوه من الإيمان، وقال صلى الله عليه وسلم: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). وفي رواية: (وذلك أضعف الإيمان) هلك من لم ينكر المنكر بقلبه، فإذا مرتبة الإنكار بالقلب واجبة عينية على كل مسلم، لا يعذر أحد بتركها، أما الإنكار باليد والإنكار باللسان فهذا يكون حسب الإمكان وحسب الاستطاعة، والله تعالى يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن /16].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتمروا من ما استطعتم).
((الآمر بالمعرف والناهي عن المنكر يبدأ بنفسه))
ثم لنعلم: يا عباد الله أنه يجب بعي الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون أول مبادر لفعل المعروف وترك المنكر، وألا ينكر على الناس أشياء هو يفعلها في نفسه، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة /44].
قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف /2. 3].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلق في النار حتى تندلق أقتابه - يعني: حتى يفتح بطنه وتظهر أمعاؤه -والعياذ بالله -فيدور فيها - يعني: في أمعائه - كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه), ونبي الله شعيب لعيه الصلاة والسلام يقول لقومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود /88].
فالإنسان يصلح نفسه أولًا حتى يكون قدوة حسنة.
هذا ونسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالتوفيق والهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، الحافظين لحدود الله، و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه أجمعين.
((الأسئلة))
س1: سائل يقول: ما هي نصيحتكم للشباب الملتزم وهم يشاهدون المنكرات في الأماكن العامة كالأسواق، والخاصة كالعمل والمنزل وما شابه ذلك، وما هو موقفهم من أصحاب البدع إذا وجدوا في الأماكن المذكورة أو المساجد؟ نرجو توضيح ذلك.
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد....
الذي ننصح به الشباب وكل مسلم إذا رأى شيئًا من المنكر أن ينصح أولًا، ينصح هذا المخالف فيما بينه وبينه، ويبين له أن هذا لا يجوز وأن هذا منكر، وأنه مسلم يجب عليه أن يتقي الله، يحذره فيما يحضره من الأدلة في الوعيد على العصاة، فإذا أزال المنكر بذلك فالحمد لله, يكون قد اختصر الطريق وستر على هذا الإنسان, فإذا لم يجد هذا بعد البيان وبعد النصيحة فعليه أن يبلغ عنه الجهة المختصة من ولاة الأمور وأهل الحسبة، عن هذا الشخص وهذا المكان إلى فيه المكر، وهذه هي الخطوة الثانية التي يستخدمها, ويتابع ذلك مع اتخاذ الحكمة والرفق والصبر والاحتساب، يعني يسعى في هذا الإصلاح حتى يزول المنكر بإذن الله، والبلاد - والحمد لله - لا يزال بخير، فهي بلاد إسلامية وفيها - والحمد لله - هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيها مراكز في كل بلد، وعليه أن بتابع معهم وأن يكرر الشكاية إلى أن يزول هذا المنكر.
س2: سائل يقول: ما حكم استئجار النساء اللواتي يضربن على الدف في الحفلات ويرددن كلام الأغاني، وما حكم ذهاب الزوجة إلى هذه الحفلات وإن كانت لاتدف مع ضاربات الدف؟
ج2: على كل حال: إعلان النكاح مشروع وذلك بضرب الدف عليه من قبل النساء، ولا بأس أن يتغنين ببعض الألفاظ التي ليس فيها محذور, والتي ليس فيها فتنة، ولا يسمعها الرجال وإنما يكون في محيط النساء وفي مجمع النساء فقط, هذا هو الإعلان المشروع, وكذلك من الإعلان صناعة الوليمة واجتماع الناس للأكل منها، في حدود المشروع لا في حدود الإسراف والتبذير والبذخ فإن هذا لا يجوز فكل شيء تجاوز حده فإنه سينقلب إلى ضده، أما جعل أغان أو طرب أو جعل تسجيلات أو جعل ميكروفونات وسماعات تأخذ أصوات النساء فهذا لا يجوز، لأن هذا يحصل في مفاسد ويحصل فيه سماع لأصوات النساء، وإنما يكون هذا في داخل محيط النساء الموجودات، ولا يطول أيضًا وإنما يكون في حدود زمن يسير، قدر ما يحصل به الإعلان فقط. أما ترك الإنسان امرأته تحضر مثل هذه الحفلات: إذا كانت هذه الحفلات تمشي على الوجه المشروع وليس فيها محذور فلا بأس أن يترك زوجته تحضر، أما إذا ترتب على حضورها محظور أو خطر عليها أو كانت هذه المجتمعات أو هذه التجمعات فيها منكرات فإنه لا يجوز للرجل أن يسمح لزوجته بحضور هذه الاجتماعات التي تشتمل على منكرات، أو كان يترتب على حضورها خطر عليها ي الطريق فإنه لا يجوز له أن يتركها تذهب إليه وتتعرض للخطر أو تتعرض للفتنة.
إكمال للسؤال السابق :
كذلك عند التصوير في الحفلات ودخول العريس؟
التصوير لا يجوز والتصوير حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المصورين وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأنهم في يوم القيامة تحضر هذه الصور ويكلفون أن ينفخوا الروح في كل صورة صورها في الدنيا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الصور يوم القيامة يجعل للمصور في كل صورة منها نفس يعذب بها في نار جهنم، الأمر عظيم، فلا يجوز التصوير لا في حفلات الزواج ولا في غيرها، إنما يجوز من التصوير ما دعت إليه الضرورة - كصورة التابعية وصورة رخصة القيادة أو البطاقة الشخصية أو جواز السفر - هذه أمور أصبحت ملزمة فصارت ضرورية للإنسان، أما التصوير الفني أو للتذكار أو التصوير في الحفلات كل هذا لا يجوز، هذا داخل في عموم النهي وعموم الوعيد الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم.
س3: سائل يقول: نرجو منكم أن تبينوا لنا مناسبة تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ذكر الإيمان، في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران /110]، وهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخصوص برجال الهيئة فقط؟
ج3 : تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان من باب الاهتمام، للدلالة على أهميته، وإلا فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان، فهو داخل في الإيمان، لأن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من أعظم خصال الإيمان، وإنما أفرد بالذكر لأجل التنبيه على أهمية، كما قال تعالى :{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة / 238].
فإفراد الصلاة الوسطي بالذكر بعد دخولها في قوله {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} لأهميتها, وكما في قوله: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة/ 98].
فذكر جبريل وميكال مع أنهما داخلان في الملائكة لعظم شأنهما عليهما الصلاة والسلام، فقد يكون ذكر الشيء مفردًا مع دخوله فيما قبله أو بعده لأجل الاهتمام به والتنبيه على عظم شأنه. ورجال الهيئة عليهم جانب الإنكار باليد وإزالة المنكر باليد، لأن ولي الأمر أعطاهم السلطة في حدود ما منحهم فهم يستعملون السلطة التي أعطاهم ولي الأمر أما بقية المسلمين فيتعاونون - كما ذكرنا - مع أهل الحسبة بتبليغهم عن المنكرات ومحلاتها بعد أن يناصحوا أهلها ويعظوهم ويذكروهم، فلابد لكل واحد أن يسهم في إنكار المنكر إما باليد وإما باللسان، وعلى الجميع الإنكار بالقلب.
س4 : سائل يقول: ما هو الدف المقصود به في حفلات الزواج، وما حكم سماع غيره من الطبول وأشياء أخري؟
ج4 : الدف معروف عند العرب، يرجع إلى كتب اللغة، ويعرف الدف فيها وهو ما كان مستعملًا عند العرب أو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما ما أحدث من آلات الطرب والموسيقى فهذه لا تجوز وليست دفًا ولا تدخل في مسمى الدف.
س5 : سائل يقول: متي يجوز تغيير المنكر باليد؟ وما هي الشروط اللازمة لهذا التغيير؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله السبيل الأول لتغيير المنكر.
ج5 : قلنا: يكون الإنكار باليد لأهل السلطة، لأننا لو قلنا إن كل واحد ينكر المنكر باليد لصارت الدنيا فوضى واختل الأمن، فلابد من انضباط الأمور ولابد من رجوع إلى ولاة الأمور في هذا لئلا يختل الأمن، فلو أن كل واحد ينكر المنكر بيده ويتلف الأشياء المحرمة ويضرب الناس لحصلت فوضى، لأنه ليس معه سلطة، بخلاف من معه سلطة وولاية من ولي الأمر فالناس ينقادون له، والإسلام لا يريد الفوضى، وإنما يريد ضبط الأمور ويريد اجتماع الكلمة.
س6: سائل يقول: ما حكم الأناشيد المسماة إسلامية؟ وما حكم التمثيليات المسماة دينية؟ وما حكم نادي كرة القدم مع التفضيل؟
ج6: أما قضية الأناشيد فتسميتها إسلامية خطأ، لكن تسمي عربية، وأما حكمها المعروف من السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحداة في السفر أن يحدوا بالإبل، لأجل أن تتبع صوت الرعي أو صوت الحادي، وكذلك رخص في إنشاد الشعر وقت العمل ووقت التعب من العمل كما في بناء المسجد النبوي، فإنشاد شيء من الشعر في حالة السفر لأجل التنشيط على السير أو لأجل إزالة النوم والنعاس عن المسافرين أو لأجل تنشيط العاملين في البناء هذه أمور وردت بها السنة ولا بأس بها، لكن لا تكون بأصوات جماعية ونغمات وتنغيمات وترنيمات، وإنما كل واحد ينشد بصوته ولا يرتبط بجماعة آخرين منتظمين ينغمون الصوت ويصبح على شكل ترانيم النصارى أو ترانيم الصوفية هذا لا يجوز.
فالأصل في الأغاني التحريم، والأصل في الغناء التحريم، وإنما يرخص منه بما وردت الأدلة له، وهو الحداء في السفر أو شيء من الغناء وقت السآمة من العمل بأصوات فردية لا بأصوات منتظمة وأصوات منغمة وأصوات لها فرق إنشادية، يرتبونها وينظمونها، هذا كله لا يرخص فيه لأنه من الزيادة على ما جاء في الأدلة.
واتخاذها وسيلة للدعوة -كما يظن بعضهم - غلط لأن وسائل الدعوة ومناهج الدعوة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله، وليس منها الأناشيد، نرجع إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، نرجع إلى منهجه في الدعوة كيف كان يدعو الناس؟ ونمشي على حذوه صلى الله عليه وسلم ،هل نجد أن الرسول رتب أناشيد لأجل الدعوة؟
كذلك التمثيليات كلها مستوردة، ليست من الطرق أو وسائل الدعوة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها تقليد للكفار، وما أظن فيها جدوى، وإنما قيها ترفيه عن الحاضرين، وربما أنه يتقمص الشخصيات الإسلامية من لا يصح، كالذي يتقمص شخصية عمر أو شخصية أبي بكر أو شخصية شيخ الإسلام ابن تيميه أو الإمام أحمد وهو ليس على هذا المستوي، والحاصل أن هذا لا يجوز، لا التمثيليات ولا الأناشيد بأن نجعلها من وسائل الدعوة، لكن الإنشاد -إنشاد الشعر - في حدود ما ورد بالأدلة لا بأس به، والرخصة إذا جاءت يقتصر عليها ولا يزاد عليها. وأما حكم لعب الكرة: لاشك أن لعب الكرة إذا كان في حدود، ولا يكون معه كشف للعورات ولا يكون معه تضييع للصلاة أو تعطيل للمصالح النافعة في الدين والدنيا، وإنما يكون في حدود شي يسير لتقوية الجسم، يكون خاليًا من المنكرات، في هذا القدر مباح، لكن إذا خرج عن هذه الحدود، بأن صار فيه كشف للعورات أو صار في استمرار حتى تضاع الصلوات أو تؤخر عن أوقاتها أو يكثر هذا حتى يطغى على حياة الإنسان بحيث يصبح ليس له مهنة إلا لعب الكرة يسمي بالفنان أو الرياضي - هذه ليست مهنة - فالمسلم أعز من أن يصبح، مجرد لاعب ليس له هم إلا اللعب.
وسئل الشيخ من قبل أحد الحاضرين: يقال عن اللعب إنه وسيلة من وسائل الدعوة؟
فأجاب حفظه الله: ليس هو وسيلة للدعوة قلنا: إن وسائل الدعوة يتبع فيها طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هذا من المباحات في الحدود والشروط التي ذكرناها، يكون من المباحات لأجل تقوية الجسم أو إعطاء شي من الراحة للنفس، أما أنه وسيلة من وسائل الدعوة فأنا لا أعرف أنه من وسائل الدعوة، ونحن لا ندخل في وسائل الدعوة شيئًا ليس منها.
س7: سائل يقول: هل لبس الملابس الضيقة للنساء أمام النساء تدخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه(نساء كاسيات عاريات....) إلى آخر الحديث؟
ج7: لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيق الذي يبين مفاتن جسمها لا يجوز, إلا عند زوجها فقط, أما عند غير زوجها فلا يجوز, حتى ولو كان بحضرة نساء لئلا تكون قدوة سيئة لغيرها, إذا رأيتها تلبس هذا يقتدين بها, وأيضًا هي مأمورة بستر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد إلا عن زوجها, تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال إلا ما جرت العادة بكشفه عند النساء كالوجه واليدين والقدمين مما تدعو الحاجة إلى كشفه.
س8: أما شعر الحاجبين فلا يجوز إزالته بأي وسيلة لا بنتف ولا بقص ولا بإزالة بأي وسيلة, لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته, فقد لعن صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة, النامصة: التي تقص الشعر من نفسها أو من غيرها, والمتنمصة: التي تطلب من غيرها أن تزيله من حاجبها, فهذا من الكبائر, لأن المعصية إذا لعن عليها صارت من الكبائر, ولأن هذا من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي أخبر الله تعالى أنه من أمر الشيطان: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء/ 119].
وأما إزالة الشعر من بقية الوجه فهذا ما يسمى عند العلماء بالحف, وإزالة شعر الحاجب يسمونه النمص, أما إزالة شعر الوجه فهذا إذا كان مشوهًا للوجه, فيه تشويه للوجه وشين للوجه لا بأس بإزالته, أما إذا كان عاديًا لا يلفت النظر فهذا قد اختلف أهل العلم في حكم إزالته: فمنهم من منعه واعتبره داخلًا في النمص, ومنهم من رخص فيه, والأحوط والأبرأ للذمة أنه إذا لم يكن مشوهًا للوجه فإنه لا يؤخذ بل يترك, لأنه ليس في أخذه فائدة وليس في بقائه مضرة.
س9: سائل يقول: إنه يعمل في إحدى الشركات, ولكنه لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, مع أن جلساءه يسيئون إلى الإسلام وإلى المسلمين؟
ج9: لا يجوز له أن يعمل في هذه الشركة التي فيها إساءة إلى الإسلام والمسلمين, وهو لا يستطيع إزالة ذلك، بل عليه أن يطلب الرزق في غير هذه الشركة، واله تعالى يقول: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق/ 2 ،3].
والله جل وعلا أكثر من أسباب الرزق ولم يقصره على هذه الجهة التي فيها الإساءة إلى دين الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ودينه.
س10: سائل يقول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/ 105 ]. يرجو إلقاء الضوء على هذه الآية.
يبين الله سبحانه وتعالى أن المهتدي لا يضره ضلال من ضل لأن كلا يجزى بعمله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} [فصلت/ 46].
فالإنسان إذا اهتدى بأن فعل ما أوجب الله عليه وترك ما حرم الله عليه فقد اهتدى, ولا يضره ضلال الضالين وكفر الكافرين, وإنما إثمهم على أنفسهم, لكن ليس معنى هذا: أن الإنسان يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما فهم ذلك بعض الناس، لأن الذي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع القيام به لا يعتبر مهتديًا, لأن المهتدي هو الذي يفعل ما أمر الله تعالى به, ومن أعظم ما أمر الله تعالى به: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فإذا تركه لم يكن مهتديًا الهداية التامة, والله جل وعلا اشترط {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة/ 105 ], ويدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد اهتدى, وبعد ذلك هو لا يملك أن يهدى الناس بأن يخلق الإيمان في قلوب الناس, لأن هذا من أمر الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص/ 56 ].
فالهداية التي هي بمعنى التوفيق للإيمان هذه بيد الله, أما الهداية التي هي بمعنى البيان والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, هذه يستطيعها الإنسان, يستطعها الرسول صلى الله عليه وسلم, ويستطعها كل من اقتدى به, {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى/ 52 ,53].
فالرسول يهدى بمعنى أنه يبين للناس ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويعلم الخير عليه الصلاة والسلام وكذلك أتباعه من الناس.
س11: سائل يقول: ما حكم التهليل أثناء حمل الجنازة بصوت مبتكر؟ وهل الدعاء للميت جماعة عند دفنه جائز؟
ج11: التهليل عند حمل الجنازة بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم, ولاسيما إذا كان بصوت جماعي فهو بدعة ظاهرة ومنكر ظاهر, لأنه لم يكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد), وفي رواية: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد), وكانت الجنائز تحمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يشيعها عليه الصلاة ويمشي معها ويحضرها, ولا ثبت ولا ورد أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتهليل أو بأصوات جماعية, أما الدعاء للميت بعد دفنه فهذا مشروع, قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ولكن بدون صوت جماعي, وإنما كل يدعو لأخيه بنفسه ومفرده,
قال صلى الله عليه وسلم: لما دفن بعض أصحابه وفرغ من دفنه وقف على قبره عليه الصلاة والسلام وقال: (استغفروا لأخيكم وأسالوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) فهذا مشروع, أن ندعو لأخينا بعد دفنه ونستغفر له ونترحم عليه, ولكن بدون صوت جماعي بل كل يدعو لأخيه بمفرده.
س12: سائل يقول: ما طريقة الدعوة بالنسبة للمدعوين وما طريقة إنكار المنكر بالنسبة لمن وقع فيه؟
ج12: قلنا إن الدعوة إلى الله تكون على مراتب, فالجاه يبين له بدون تعنيف فإذا بين له وتباطأ في القبول والعمل فإنه بوعظ ويخوف بالله عز وجل, فإذا لم تجد فيه الموعظة وصار عنده شيء من رد الفعل أو من الاستدلالات الباطلة فإذا يجادل بالتي هي أحسن, فإذا لم تجد معه هذه الأمور فإنه يكون قد ظلم, فهذا يتخذ معه ما يليق بالظالم نمن المنع والردع بحسب الاستطاعة.
س13: سائل يقول: ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء؟
ج13: تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به, كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة, أما إذا كان ذلك مصحوبًا بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن فهذا محرم لا يجوز, يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهن: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [الأحزاب/ 32].
والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة, أما ما زاد عن ذلك بأن كان على طريق الضحك والمباسطة أو بصوت فاتن أو غير ذلك أو أن تكشف وجهها أمامه أو تكشف ذراعيها أو كفيها فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة, فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز وجل أن تتقي الله وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم, تتجنب هذا الأمر, وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام, وإذا كلمت الرجال فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة.
س14: سائل يقول: ماذا عن كتابكم في الرد على عدم صحة نسبة كتاب " أحكام تمني الموت " للشيخ محمد عبد الوهاب؟
ج14: هذه النسبة باطلة, والكتاب ليس للشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا يليق بدعوته رحمه الله وقد كتبت والحمد لله في رده وبيان أنه منحول وأن منسوب إلى الشيخ خطأ, كتبت في هذا وسيطبع إن شاء الله قريبًا, ويصل إلى أيديكم إن شاء الله, الحاصل أن هذا الكتاب ليس من مؤلفات شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لأمور كثيرة, فهذا الكتاب ليس له قطعًا واقسم بالله أنه ليس من مؤلفات محمد بن عبد الوهاب, ومؤلفاته رواها تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وأولاده وأحفاده ولم يذكروا هذا الكتاب منها والحمد الله.
س15: سائل يقول: من ترك الصلاة عمدًا وذلك لمشاهدة مباراة أو مسلسل في التلفاز؟
ج15: لا يجوز ترك الصلاة, بمعنى أنه يتأخر عن أداتها مع الجماعة, أو يؤخرها عن وقتها, فهذه كلها محرمات ومنكرات وتضييع للصلاة, والله تعالى يقول: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم /59].
فليس الشأن أن الإنسان يصلى فقط في أي وقت وفي أي حالة، لا، الشأن أن الإنسان يصلي كما أمره الله في وقتها في المسجد مع جماعة من المسلمين كما أمره الله سبحاه وتعالى، هذا معنى إقامة الصلاة، الله تعالى يقول: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [البقرة /43].
ومعنى إقامتها: أن يؤتى بها قائمة كما أمر الله سبحانه وتعالى، أما إذا صليت على غير الصفة التي شرعها الله فإنها صلاة غير قائمة، بل هي صلاة مضيعة، وقد توعد الله من يضيع الصلاة -والعياذ بالله - بأشد الوعيد، ولو أن الإنسان جلس يقرأ القرآن حتى خرج الوقت لكان فعله ذلك منكرًا مع أنه يقرأ القرآن، فكيف إذا جلس ينظر إلى شي أقل ما يقال فيه إنه مباح وألا الغالب فيه ألا يكون خاليًا من المحرمات؟
س16: سائل يقول: إنه جلس مع قوم عصاة وينصحهم ويذكرهم بالله ولكن لا يسمعون الكلام وأنه مع العلم يجلس معهم في بيت واحد فهل عليه إثم لأنه يأكل ويشرب معهم؟
ج16: مخالطة العصاة وأهل الفسق لا تجوز إلا إذا كان الإنسان يطمع في هدايتهم ويقوم بمناصحتهم، فإذا كان يخالطهم على أساس أنه ينصحهم ويدعوهم ويطمع في هدايتهم فإنه يكون من الدعاة إلى الله عز وجل وهو يعالج إخوانه، أما إذا كان إنما يجلس معهم لأجل الاستئناس بهم والفرح معهم ولا ينكر عليهم أو كان ينكر عليهم لكن لا يطمع في استجابتهم فعليه ألا يجلس معهم، عليه أن يعتزلهم وأن يبتعد عنهم وأن يهجرهم في اله عز وجل حتى يتوبوا إلى الله عز وجل, لئلا يصيبه ما أصابهم، لأن الإنسان إذا جلس مع أهل الفسق وأهل المعاصي من غير إنكار أصابه ما أصابهم، بل ربما يدخل في اللعنة، كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة 79.78].
وقد بين صلى الله عليه وسلم ذلك بأنهم كان أحدهم يلقي أخاه على المعصية فينهاه في أول يوم ويقول له: يا عبد الله اتق الله فإن هذا لا يحل لك، ثم يراه في اليوم الثاني وهو على معصية فلا يمنعه ذلك أن يكون أكليه وجليسه وشريبه، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان أنبيائهم، كما قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة 79.78]. [انتهت المحاضرة]
والله اخوي انا مادري كيف اشكرك على هالجهد الجبار الذي تقوم به والله يكثر من امثالك وان ينالك الاجر والثواب من الله سبحانه
وانا وجميع من في المنتدى نترقب كل ما تسطره يديك
واتمنى من يقراء تلك السطور ان يدعو لك بالخير والسداد في دنياك واخرتك
ومااااااااااااقصرت
ولك ازكى وارق التحايا
اخوك المحب
وفي الروح
جهد جبار من اخ نبيل وصادق النية .... لايرجو الاّ الأجر والثواب
من أرحم الراحمين..
قال تعالى { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}
ولقد بين العلماء أن من أسباب امتناع الدعاء هو ترك الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم " لتأمرن
بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلط الله عليه عقابا من عنده ثم
تدعونه فلا يستجاب لكم "