العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-11-2003, 08:05 PM   رقم المشاركة : 1
totti
( ود جديد )
 





totti غير متصل

الخشوع -3

5- الخامس: أن الخشوع يرد العبد إلى حكم العبودية: والكبر يرفعه عن هذا المقام، ولذلك كان الكبر لا يتناسب إطلاقاً مع عبودية القلب، ومع عبودية العبد، فالكبر كمال لله عز وجل، أما المخلوق فكماله في الخشوع والتواضع و الإخبات، فالعبد لو ترك مع نفسه فإن فيه صفات مذمومة قبيحة تدعو إليها النفس من التعالي على الخلق، والأشر؛ فيخرج عن طوره أصله الذي خُلق له، ويثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة، فينازع ربه ذلك، وقد أمر العبد بالسجود- كما قال ابن القيم رحمه الله- خضوعاً لعظمة ربه وفاطره، وخشوعاً له، وتذللاً بين يديه وانكسارًا له، فيكون هذا الخشوع والخضوع، والتذلل رداً له إلى حكم العبودية، فيتدارك بذلك ما حصل له من الهفوة والغفلة والإعراض، الذي خرج به عن أصله، فتمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه وهو يضع أشرف شيء منه وأعلاه وهو الوجه، وقد صار أعلاه أ! سفله خضوعاً بين يدي ربه الأعلى، وخشوعاً له، وتذللاً لعظمته، و استكانة لعزته مردداً: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، يقول ابن القيم رحمه الله :' وهذه غاية الخشوع الظاهر فإن الله سبح! انه خلقه من الأرض التي هي مذللة للوط بالأقدام، واستعمله فيها، ورده إليها، ووعده بالإخراج منها، فهي أمه وأبوه، وأصله وفصله، فضمته حياً على ظهرها، وميتاً في بطنها، وجعلت له طهوراً و مسجدًا، فأمر بالسجود إذ هو غاية خشوع الظاهر، وأجمع العبودية لسائر الأعضاء، فيعفر وجهه في التراب؛ استكانة وتواضعاً وخضوعاً، وإلقاء باليدين، ويقول مسروق لسعيد بن جبير: ' ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب لله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتقي الأرض بشيء قصدًا بل إذا اتفق له ذلك فعله، ولذلك سجد في الماء والطين كما جاء في الصحيحين[كتاب الصلاة لابن القيم ص210 –بتصرف-] .

لم يكن يتكلف شيئاً دون جهته ووجهه، إذا صلى صلى على التراب، فلم يكن يضع رداءه صلى الله عليه وسلم دون وجهه، وإذا صلى على الحصير لم يتكلف وضع وجهه على الأرض مباشرة من دون حصير

6- أما الأمر السادس والأخير من آثار الخشوع: هو ما يحصل به من تفاضل الأعمال وتفاوتها: فكم من الفرق بين اثنين كل منهما قائم في الصف يصلي، هذا خاشع وهذا لم يخشع؟ فلا شك أن هذه الصلاة التي حصل بها هذا الخشوع أنها في غاية الكمال، ويؤجر عليها غاية الأجر، هذه سورة قل هو الله أحد، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تعدل ثلث القرآن، وقد قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: أن هذه السورة مع ما فيها من الثواب والأجر والمنزلة إلا أن العبد قد يقرأ آية سواها ويخشع فيها، فيكون ذلك أعظم من قراءته هذه السورة، بل يقول: إن العبد قد يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، مع حضور القلب واتصافه بمعانيها فيكون ذلك أفضل في حقه من قراءة سورة قل هو الله أحد مع الجهل والغفلة، ويقول: والناس متفاضلون في فهم هذه السورة وما اشتملت عليه كما أنهم متفاضلون في فهم سائر القرآن.

عاشراً:الأمور التي تنافي الخشوع:

أولها: كثرة الحركة سواء في الصلاة أو خارج الصلاة: كما قلت لكم في الذي يمشي ويخطر بيديه هكذا في مشيته، فهو كثير الحركة، فهذا أبعد ما يكون عن الخشوع والوقار، وقلة الحركة تنبئ عن سكينة وتؤدة! ووقار وخشوع، وكذلك في الصلاة، والله عز وجل يقول}وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[238]{ [سورة البقرة] والمراد به أن يكون العبد ساكناً مع طول القيام فيها، لا يلتفت، ولا يرفع بصره، ولا يتحرك، ولا ينشغل بشيء من جوارحه، أو ببصره عن ما هو بصدده، ' لأن الخشوع يتضمن السكينة والتواضع جميعاً؛ ولهذا نقل عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته فقال:' لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه' يعني: سكنت وخضعت . والله يقول:} وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ...[39]{ [سورة فصلت] . فأخبر أنها بعد الخشوع تهتز، والاهتزاز حركة، وتربو، والربو: الارتفاع ، فُعلم أن الخشوع فيه سكون و انخفاض، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حال ركوعه: : [اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي...]رواه مسلم . فوصف نفسه بالخشوع في حال الركوع لأن الراكع ساكن متواضع ' [ما بين الأقواس من كلام الشيخ ابن تيمية].

الأمر الثاني: هو رفع البصر: وهو منهي عنه في الصلاة لكونه مما ينافي الخشوع، والله عز وجل قد ذكر خشوع أهل الموقف فقال:} فَ! تَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ[6]خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ ...[7]{ [سورة القمر] .وقال :} يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ[43]خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ...[44]{ [سورة المعارج] وقال: :} وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ...[45]{ [سورة الشورى] . أي: أنهم لا يحركون أبصارهم يمنة ويسرة، وينظرون إلى أعلى، ولا يحركون جوارحهم، وإنما ينظرون من طرف خفي يُسارقون فيه النظر مسارقة. هذا ذكره بمعناه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في 'تعارض العقل والنقل' وذكر نحو ذلك أيضاً في الفتاوى.[ درء التعارض 7/ 24، الفتاوى 6/ 578].

الحادي عشر:السلف والخشوع:

هذا إمامنا و قائدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، وقد غفر ما تقدم من ذنبه، وصفه عبد الله بن الشخير كما أخرج أبو داود والنسائي بإسناد صحيح قال:'رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى مِنْ الْبُكَاءِ'. ويقول ابن مسعود: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [اقْرَأْ عَلَيَّ قُلْتُ] آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: [فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي] فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ }فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا[41]{ [سورة النساء] قَالَ: [أَمْسِكْ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ]رواه البخاري ومسلم . وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: ' مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ...[16]{ [سورة الحديد] إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ 'رواه مسلم. فأنت ! كم يمضي عليك و أنت تسمع القرآن، وتشهد مع الناس الصلاة، وقلبك لا يتحرك؟!

وكان ابن عمر إذا تلا هذه الآية:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ...[16]{ [سورة الحديد] قال:' بلى يارب 'ويبكي حتى تبل الدموع لحيته[الدر المنثور]. وقد قال القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ' كما كانت هذه الآية سبباً في توبة الفضيل بن عياض، وعبد الله بن مبارك، وقد سئل عبد الله بن مبارك عن بدء زهده و توبته فقال: كنت يوماً مع إخواني في بستان لنا وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه، فأكلنا وشربنا حتى الليل، ونمنا وكنت مولعاً بضرب العود والطبول، فقمت في بعض الليل، فضربت بصوت عال يقال له: راشين السحَر، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة، والعود في يدي لا يجيبني إلى ما أريد فإذا به ينطق كما ينطق الإنسان يقول:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ...[16]{ [سورة الحديد] فقلت: بلى والله . فكسرت العود وصرفت ما كان عندي من الناس والأصحاب، فكان هذا أول زهدي وتشميري . وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق امرأة فواعدته ليلاً، فجاء يرتقي الجدران، وبينما هو يتسور ليصل إليها سمع قارئا يقرأ:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ...[16]{ [سورة الحديد] فرجع وهو يقول: بلى والله قد آن . فأواه الليل إلى خربة وبها جماعة من السابلة من المسافرين وبعضهم يقول ! لبعض: إن فضيلاً يقطع الطريق، وهم لم يشعروا بمكانه، فقال: أوّاه، أراني بالليل أسعى في معاصي الله، وقوم من المسلمين يخافونني، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام . وفي بعض الروايات أنه قال: لهؤلاء القوم: أنا الفضيل جوزوا، يعني:امضوا في طريقكم وسفركم، والله لأجتهدن ألا أعصي الله أبداً، فرجع عن ذلك .

وأما ابن المبارك الذي عرفتم توبته فكان يوصف خشوعه بأوصاف عجيبة، كان إذا قرأ في كتابه الزهد والرقائق كأنه بقرة منحورة من كثرة البكاء، وكذا كان الفضيل في خشوعه . جاء ناس إلى الفضيل بن عياض، واستأذنوا عليه عند بابه، فلم يؤذن لهم، فقال قائل: إنه لا يخرج إليك إلا إذا سمع القرآن، فكان معهم رجل مؤذن حسن الصوت، فقال له اقرأ:} أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[1]{ [سورة التكاثر] فقرأ ورفع بها صوته، فأشرف عليهم الفضيل، وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع، ومعه خرقه ينشف بها الدموع من عينيه ويقول:

بلغت الثمانين أو جُزتها فماذا أُؤمل أو أنتـظر

أتاني ثمانون من مولدي وبعد الثمانين ما يُنتظر

علتني السنين فأبلينــني

ثم انقطع وخنقته العبرة، فقال لهم رجل أنا أكمل لكم البيت:

علتني السنون فأبليننــي فَرقت عظامي وكل البصر

:} أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ...[16]{ [سورة الحديد] يقول الحسن البصري رحمه الله:'إن المؤمنين لما جاءتهم هذه الدعوة من الله صدقوا بها، وأفضى يقينها إلى قلوبهم، وخشعت لله قلوبهم وأبدانهم وأبصارهم، وكنت والله إذا رأيتهم رأيت قوماً كأنهم رأى عين- يعني: للجنة والنار- فوالله ما كانوا بأهل جدل ولا باطل، ولا اطمأنوا إلا إلى كتاب الله، وما أظهروا ما ليس في قلوبهم، ولكن جاءهم عن الله أمر؛ فصدقوا به، فنعتهم الله في القرآن بأحسن نعت فقال:} وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا[63] { [سورة الفرقان]. قال: حلماء لا يجهلون، وإذا جُهل عليهم حلموا، يصاحبون عباد الله نهاراً بما يسمعون، ثم ذكر ليلهم خير ليل فقال:} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّد! ًا وَقِيَامًا[64]{ [سورة الفرقان] تجري دموعهم على خدودهم؛ خوفاً من ربهم. فقال:'لأمر ما سهروا ليلهم، لأمر ما خشعوا نهارهم . ثم قرأ:} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا[65]{ [سورة الفرقان] . قال: كل شيء يصيب ابن آدم، ثم يزول عنه فليس بغرام، إنما الغرام الملازم له ما دامت السماوات والأرض قال: صدق القوم والله الذي لا إله إلا هو، فعلموا وأنتم تمنون، فإياكم وهذه الأماني؛ فإن الله لم يعط عبداً بأمنيته خيراً قط في الدنيا والآخرة، وكان يقول:' يالها من موعظة لو وافقت من القلب حياة '.

فتيـة يُعرف التخشع فيــــهم كلهم أحكم القرآن غلامـــــا

قد بـرى جلدهم التهجد حتــى عـاد جلداً مصفـراً وعظامـــــا

تتجافى عن الفراش من الخوف إذا الجاهـلون بــاتوا نيــامــــا

بأنيـــن وعبـــرة ونحيــب ويظلـون بالنهار صيــــامــا

يقرؤون القرآن لا ريــب فيـــه ويبيتون سجـــداً وقيامــــا

قرأ ابن عمر رضي الله عنه بـ:} وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ[1]{ فلما بلغ:} يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ[6]{ [سورة المطففين] . بكى حتى خر وامتنع عن قراءة ما بعدها [الزهد لوكيع]. وبات رجل عند الربيع بن خثيم ذات ليلة، فقام الربيع يصلي، فمر بهذه الآية:} أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا...[21]{ [سورة الجاثية] . فمكث ليلة حتى أصبح يبكي بكاء شديداً لا يجاوز هذه الآية .

لهم دموع من خشوع نفوســــهم ودموعها فوق الخدود غـــزارُ
يقول مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح، أو كاد يقرأ آية، ويرددها ويبكي:} أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا...[21]{ [سورة الجاثية] .

بكى الباكون للرحمن ليــــــلاً وباتوا جمعهم لا يسأمونـــــا

بقاع الأرض من شوق إليــــهم تحن شي عليهـا يسجدونـــــا

وكان إبراهيم النخعي إذا سمع قوله تعالى:} إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ[1]{ [سورة الانشقاق] اضطرب حتى تضطرب أوصالة . واشتكى ثابت البناني عينه، فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرئ عينيك . قال: ما هي؟ قال: لا تبك . قال:'وما خير في عين لا تبك' [الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا].

نزف البكاء دموع عينك فأستعــر عينــاً لغيرك دمعها مــدرارُ

من ذا يعيرك عينه تبكي بــــها أرأيت عيناً للــــدموع تُـعارُ

وكان عبد الله بن الزبير يسجد، فيأتي المنجنيق، فيصيب ثوبه، ولربما أصاب طرف ثوبه، وهو لا يتحرك في صلاته، ولا يرفع رأسه، ولا يلتفت . ودخل عليه رجل بيته، فإذا به يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية! الحية! ثم قتلوها، وما قطع صلاته، ولما سئل بعد الصلاة قال:' ما شعرت بشيء من ذلك'. ويقول ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبه منصوبة لا تتحرك. ووصفة بعضهم إذا صلى كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد، فلربما نزل الطير على ظهره تحسبه الطيور جذع حائط . وصلى يوماً في الحجر، فجاء حجر من المنجنيق، فضرب ثوبه فما انفتل، وما تحرك وما التفت . وذلك في حصار الحجاج للكعبة.

وكان مسلمة بن بشار في المسجد فانهدمت طائفة من المسجد، فقام الناس ولم يشعر أن أسطوانة المسجد قد انهدمت !! وهذا يعقوب الحضرمي لم يُر في زمانه مثله، بلغ من زهده أنه سُرق رداؤه عن كتفه وهو في الصلاة، ورُد إليه ولم يشعر.

محي الليل صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإنشغاق منســـجمِ

مسبحاً لك جنح الليل محتملاً ضراً من السهد أو ضراً من الورمِ

رضية نفسه لا تشتكي سأما وما على الحب إن أخلصت من سأمِ

وهذا محمد بن إسماعيل البخاري ذُكر في قصته وترجمته أنه خرج مع قوم إلى حائط مزرعة، فقام يصلي بالناس الظهر، فلما فرغ قام يتطوع، فلما فرغ من تطوعه رفع ثوبه وقال لبعض من معه: انظروا هل ترون تحت قميصي شيئاً؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر، أو سبعة عشر موض! عاً، وتورم ذلك من جسده، فقال له بعض القوم:كيف لم تخرج من الصلاة في أول ذلك؟.قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها . وهذا محمد بن يعقوب الأخرم يقول: ما رأينا أحسن صلاة من صلاة محمد بن نصر- يعني المروزي- كان الذباب يقع على بدنه – يعني الزنبور – ولا يذبه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة، كان يضع ذقنه على صدره، فينتصب كأنه خشبه مسنودة. ووصفه آخر يقول: رأيت محمد بن نصر ما رأيت أحسن صلاة منه، ولقد بلغني أن زنبوراً قعد على جبهته، فسال الدم على وجهه، ولم يتحرك .

وكان كرز بن وبرة إذا دخل في الصلاة لا يرفع طرفه يمنة ولا يسرة، وكان من المخبتين، وربما كُلم خارج الصلاة فلا يُجيب إلا بعد مدة من شدة استغراقه في التفكير . يقول الذهبي رحمة الله -معلقاً على ذلك-: هكذا كان زهاد السلف، وعبادهم، أصحاب خوف وخشوع وتعبد . ووقع حريق في بيت على بن الحسين، وهو ساجد، فجعلوا يقولون: يا ابن رسول الله النار..النار، فما رفع رأسه حتى أطفأت، فقيل له في ذلك فقال:' ألهتني عنها النار الأخرى ' . وكان مسلم بن يسار يقول لأهله إذا دخل في صلاته:'تحدثوا فلست أسمع حديثكم'.

هذه نماذج من رجال السلف، وحينما أذكر أشياء من ذلك إنما أذكر ما قرب منه، وأما الأمور التي قد تنبو عنها الأسماع، ولا تدركها كثير من العقول؛ فإني أتجاوز ذلك أجمع، ومع ذلك كثير منا يظن أن هذه الأمثلة والنماذج سواء في الخشوع، أو في الإخلاص، أو في التوكل، أو في التفكر، أو ما سيأتي في الورع، وما سبق في اليقين، وغير ذلك أن هذه من الأمور التي لا يمكن الوصول إليها، وأنها بعيدة المنال !! وليس الأمر كذلك بل هي أمور تحصل للعبد بالمجاهدة، ولهذا يقول محمد بن المنكدر' كابدت الصلاة عشرين سنة وتلذذت بها عشرين سنة ' هذا آخر الكلام عن الخشوع.







قديم 23-11-2003, 11:09 PM   رقم المشاركة : 2
شووق
( وِد ماسي )
 
الصورة الرمزية شووق
 






شووق غير متصل

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


سلام تفوح منه رائحه المسك والعنبر

لك اخي العزيز totti

رفع الله قدرك على هذه المساهمه الطيبة المضمون

وجزاك خير الجزاء وبوأك منازل من احب من عباده

وسدد خطاك لطريق الخير والصلاح

ننتظر جديدك بشغف

تقبل تحياتي القلبيه

اختك بالله

شووق


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الى جنة الخلد يا بابا جابر

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:50 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية