تخيل قمة عالية .. منحدر زلق ... هاوية سحيقة .. صخور ناتئة .. أيد تدفع .. قلوب تحقد .. هوام ووحوش على جوانب الهاوية .. خناجر حادة ، سامة في قاع الوادي .. كيف ينجو من يسقط ؟!!
إنها صورة في عالمنا سيفهمها من عاش حدثاً مؤلماً .. وبعداً مقلقاً .. إن السقوط أخي مؤلم قاس موحش .. تموت النفس فيه آلاف المرات .. وتزهق الروح فيه بعمق الهاوية .. تنظر إلى الأعلى فترى من دفعك يضحك .. وترى الآخر يلقي عليك حجراً ليهشم رأسك .. وقد تحطم رأسك في سقوطك .. وارتطم بكل صخرة .. فكأن الصخور تسابق الناس في التنكيل بك .. فإن سلمت من ضربة في صخرة فلن تسلم من أفعى تنهشك .. أو عقرب يلدغك .. أو سبع يتطاول عليك .. فإن سلمت منها وبقى في الروح بقية ممزقة ، وجدت في الخناجر والسيوف في القاع يداً أخرى تمزق لا تعين .. فلا تدري هذه الروح بأي يد تمزق .
الكل ينظر إلى سقوطك بنظرات تقرأ فيها التشفي ، والشماتة ، والاستهزاء ، والرغبة في الإيذاء ، والحقد ، والحسد ، وكل معنى ذميم .
لو أنك نظرت أخي ورأيت دمعة لهان عليك ما تلقى .. ولكنك هناك تفتقد حتى الدمعة .. نعم كان كل الذي تحتاجه دمعة من عين محبة تخفف عنك ألمك .. دمعة صغيرة ، غريبة ، منزوية ، غير مؤثرة .. المهم أنك شعرت بقلب يحبك .. وعين بكت من أجلك .. ولكن جفت العيون فلا دمعة بكت من أجلك .. وأقحلت القلوب فلا قلباً يحن إليك .. وتاهت الدروب فلا خطى تلتقي بك .
أخي .. ستقول لي لست وحيداً ... أعلم والله ذلك .. أنا هنا وأنت هناك وغيرنا هنا وهناك .. ولكنه ألم الوحدة والغربة .. ألم تأنيب الضمير .. ألم استشعار المراقبة ... ألم الرغبة في دنيا مباحة .. ألم كره معصية ذميمة .. فمهما حاول غيرك التقرب منك فلن يقدر .. لأنك ستكون ناراً محرقة .. كم تشتاق إلى الاستقرار .. وكم تحن إلى العودة .. وكم تتمنى إشراقة روح .. وصفاء قلب .. ولكن في كل وجه حولك خنجر مغروس .. وطعنة مسددة .
عجباً .. كأن العالم خلا من معاني الحب ؟!! وغابت منه صور التضحية ؟!! لا والله .
أعلم أن هناك قلوباً تهب الحب الصادق ... والود العميق .. ولكن في زحمة المؤثرات غابت .. ربما لو رفع الساقط رأسه لرأى دمعة بعيدة تبكي عجزها أن تمد يدها .. وتبكي شريك روحها في سقوطه .
مد كفاً أخي لكل ساقط .. فلا تدري ، لعلك بكفك ترفعه .. وتعيده إلى القمة .. إن القلوب الحرة نقية مهما اتسخت .. طاهرة مهما تلوثت .. مشرقة مهما أظلمت .. يعيدها معروف مبذول .. وتربية أصيلة .. وحنين نقي .. وشوق وحب وصفاء .
أخي ... قصدت همسة للغرباء ، اروي بها أرضهم .. فكأنني أقول لهم لست لوحدكم .. فكم من جريح هنا وهناك جرحه يدمى وهو يفكر في جراح غيره ... ونفسه تخرج وهو يفكر في حفظ غيره .. ليس عجزاً ولا فهماً خاطئاً ... بل رغبة في تضحية .. وحب بذل .. إنها النفوس العظيمة هي تلك النفوس التي تثبتنا في المسير ، تعلمنا كيف نعطي ، وتزرع في صدورنا الوفاء .
لو أن دمعة التقت بقطرة دم لهانت المصيبة .. فلتكن أنت الدمعة والقطرة .. ولتغمض عينك عند الجراح .
أبو فيصل
العرض الشجري
