هانحن وقد أكتمل عددنا فما رأيكم أن نبدأ قصتنا الجديدة ، أخبرت يوما عن شخص يدعى " حسام " وقد قيل لي أنه عانا في حياته كثيرا حتى اصبح ما هو عليه اليوم ، لا تتعجلوا في معرفة ما اصبح عليه ، و إنما استمعوا أولا إلى ما واجهه ومن ثم تعرفون ما هو عليه ، ولد "حسام " لأب وأم فقيرين، لا يملكان من متاع الدنيا إلا ما يعينهم على الاستمرار والبقاء ، وقد ولد لهم طفل بعد عناء وانتظار دام طويلا وهذا الطفل هو " حسام" ، وسعى الوالدان إلى تعليم ابنهما الوحيد وإنشاءه التنشئة السليمة وقد ألحقاه بمدرسة ذات مستوى جيد وعمل الأب جاهدا لتوفير جميع مصاريف مدرسة ابنه ، وكان الابن جيد في دراسته وكان دائما من المتفوقين ، وهذه ليست بداية قصتنا ، اقصد قصة بطلنا ، وإنما تبدأ منذ أن اصبح " حسام " في السنة النهائية من دراسته ( ثانوية عامة ) ففي هذه السنة حدث ما لم يكن يتوقعه " حسام " توفي والده أثر نوبة قلبية بسبب المجهود الزائد والإرهاق لسعيه الدائم وراء توفير كل ما يلزم "حسام " وأن لا ينقصه شيء ، وبوفاة والده فقد المعيل والأب الحنون ، أثر ذلك في نفس " حسام " جدا ، فكره الدراسة والمدرسة التي كان يعتقد إنها السبب المباشر في وفاة والده ، وقد كره نفسه اكثر لأن والده كان يجهد نفسه في العمل من أجله ليكون الأفضل بين زملائه وحمل نفسه المسؤولية ، وبدأ في دوامة من الضياع وبدأ يدمر نفسه شيئا فشيئا ، فترك دراسته وترك البيت ووالدته وهاجر إلى مدينة أخرى ، ليبتعد مثلما قال عن كل شيء يذكره بوالده ، وعند وصوله نزل في نُزل صغير لأنه لا يملك من المال الكثير سوى ما أدخره ليكمل دراسته ، وبعد ذلك أخذ يتجول في المدينة ، وعاد في المساء إلى النُزل ، وستلقى على سريره وأخذت الذكريات تعصف بعقله ليرى صورة والده في كل مكان ، وفي صباح اليوم التالي راح يتجول في شوارع المدينة كل اليوم السابق ، وبينما كان يجلس في أحد الأيام بأحد المقاهي تقدم منه شاب يكبره ببعض سنوات ، ألقى عليه التحية واستأذنه للجلوس إليه ، دعاه " حسام" للجلوس وعلامة الاستغراب مرسومة على وجهه ، فبادره الشاب بالقول: أنت غريب عن هذه المدينة صح ؟؟.
أجابه "حسام" : نعم
فأضاف ولا تعمل هل أصبت القول . حرك حسام رأسه بالإيجاب وقال نعم لما تسأل .
فقال له ذلك الشاب دعني أولا أعرفك بنفسي اسمي " سامي " ولكن الجميع يدعوني" سيمو" وأنا معروف عني أني أساعد كل منه غريب على هذه المدينة ،رسمت على وجه " حسام " بعض علامات الاستفهام وقبل أن يقول أي شيء ، بادره " سيمو " لا تستغرب مني هذا التصرف فأنا قد عانيت من هذا قبلا ومنذ أن أصبحت ميسور الحال تكفلت بمساعدة كل غريب أقابله ، وعندما تعرفني أكثر لن تستغرب تصرفي هذا وأنا أريد أن أساعدك يا ......... ، ما اسمك ؟؟.
قال له : اسمي "حسام" .
تفضل معي وسوف اقدم لك كل المساعدة اللازمة وسوف أوفر لك وظيفة تحصل منها على راتب جيد ، وأيضا سوف اقدم لك مسكنا لتقيم فيه ، رغم أن "حسام " لم يكن يستوعب شيء مما يحدث إلا انه ذهب مع هذا الشاب الذي يدعى" سيمو" ، وبالفعل قدم له منزلا صغير يتكون من غرفتين وصالة ، وأيضا قدم له بعض المال واخبره إنها دفعه أولى من راتبه ليسير بها حاله إلا أن يستلم وظيفته ، ومرت الأيام ولكن حسام لم يعمل للآن ، ورغم أنه كان يستغرب من انه لم يعمل لكنه يحصل على راتب وراتب كبير، إلا انه لم يكلف نفسه عناء معرفة السبب ، وفضل أن يعيش هكذا لان المال يصل له دون تعب والمال متوفر له دون أن يخسر أي شيء كما خسر والده بسبب العمل ، وذات يوم قدم له "سيمو " وقال له حان الوقت للعمل ، فلقد ارتحت كثيرا ، وكانت لهجته تخالف العادة من لين ورفق ، وانما تحولت إلى قسوة وخشونه، قال له حسام وأنا مستعد للعمل ولكن اخبرني ماذا تريد مني وأنا سأفعل .
فقال له : أنت ستعمل معي في ترويج بضاعتي وجلبها من المناطق المختلفة ، قال "حسام " بحذر: أي نوع من البضاعة ؟!
رد عليه "سيمو " المخدرات .
ذهل "حسام" ونزل عليه الخبر كالصاعقة فهل هو فعلا سيعمل في ترويج هذا السم القاتل ، فحاول أن يتهرب منه إلا إن "سيمو " هدده بالقتل لأنه كان يتعاطى راتبا كبيرا ولفترة طويلة ولن يستطيع دفعه وهو مضطر للعمل معه إلى أن يقول له "سيمو " أن حقه قد وصله بالكامل
وهكذا اضطر " حسام " للعمل في ترويج المخدرات وبيعها للناس وجلبها وتهريبها من مناطق مختلفة، وظل حاله هذا فترة من الزمن تقارب العامين وهو يتحسر على ما أوقع به نفسه ، ويرى المذلة والهوان الذي يعامل به من قبل من يعمل معهم ، وفي يوم كان يمشي في أحد الشوارع بعد عودته من العمل رأى فتاه في العاشرة من عمرها تبكي فسألها ما سبب بكائك أخبرته أن والدها مات بسبب المخدرات التي كان يتعاطاها ومات والدها وتركها هي واخوتها الثلاثة الأصغر منها وأم مريضة لا تقدر على العمل ولا تعرف ماذا تفعل فاخوتها يبكون جوعا ووالدتها تحتاج إلى دواء وهي لم تجد عملا لتستطيع مساعدتهم فالكل يرفض أن يشغل طفلة صغيره عنده ، فحتار وكأن صاعقة قد أصابته ولم يدري ماذا يفعل سوى أن يعطيها بعض المال وقال لها تعالي لي غدا لربما استطعت مساعدتك فرحة الصغيرة وذهبت مهرولة إلى البيت ، وتركته في حيرة واخذ يفكر بتلك السموم التي ساعد في جلبها وبيعها وقتلت الكثير من الناس وقتلت عائله كاملة مثل ما حدث لتلك الصغيرة وقد حرمت من والدها وهو السبب وان لم يكن بشكل مباشر فما الحل وماذا يفعل لينقذ نفسه وغيره من هذا الخطر واخذ يفكر ويفكر، ومع طلوع الفجر قرر أنه لابد من أن يساعد في إيقاع هذه العصابة في يد الشرطة ليتخلص منهم ولينقذ غيره من سمومهم وأخذ في الأيام القادمة يدرس كل شي عن العصابة ، في يوم توجهه إلى الشرطة في الخفاء وأدلى بكل ما يعرف للضابط في الشرطة واتفق معه بان يدبروا لهم مكيدة ليقبضوا عليهم متلبسين بالجرم المشهود ، وفعلا تم ذلك وقبض على أفراد العصابة بفضل إصرار حسام وعدم رضاه بالاستمرار في الخطأ ، وبعد ذلك قرر حسام أن يعود لدراسته وان يعمل في نفس الوقت أرسل في طلب والدته واعتذر منها، أقامت معه في تلك المدينة وكان بجانب عمله ودراسته كان يساعد تلك الطفلة وعائلتها ، فكما كان يقول هو مدين لها لأنها أيقظته على الحقيقة وأرجعت صوابه إليه ، وبعد انتهاء دراسته ، بدأ في أعمال جديدة إلى أن اصبح اليوم من كبار رجال الأعمال والتجارة . وقد تعلم درسه جيدا لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس وكان دائما يردد هذا الدرس للشبان الذين يلقاهم ويقص قصته ليعتبروا .