مع إقتراب موعد بداية الغارة الأمريكية على العراق كما ترى عواصم القرار في الغرب فإنّ الفجوة تزداد إتساعا بين أمريكا وأوروبا التي بدأت تجهر بموقفها المعادي من السياسية الأمريكية القائمة على إشعال الحروب بدل إطفائها , ولم يعد في وسع العواصم الغربية الصمت إزاء الإستفراد الأمريكي في تقرير مصير العالم خصوصا وأنّ التظاهرات الأوروبية العارمة في أكثر من شارع أوروبي بدأت تضغط بقوة على دوائر القرار في هذه العاصمة الغربية وتلك . وقد تبعت التظاهرة البريطانية الكبرى ضد المشروع الأمريكي – البريطاني في العراق تظاهرات أخرى في اليونان وإيطاليا و السويد وأستراليا وغيرها من العواصم الغربية .
وفي اليونان لجأ المتظاهرون ضدّ السياسة الأمريكية إلى إحراق صور الرئيس الأمريكي جورج بوش وهو تعبير عن الإستياء الغربي الكبير من السياسة الأمريكية , و قد أحرق المتظاهرون صور بوش على هامش إنعقاد مؤتمر وزراء الدفاع في أوروبا في فندق بلدة ريثيمنو السياحيّة . وفي ميلانو الإيطالية أحرق متظاهرون إيطاليون تمثال جورج بوش ورفعوا لافتات كتب عليها : لا تقصفوا العراق .
وفي السويد طالبت وزيرة خارجية السويد السيدة آنا ليند بضرورة أن تتبنى المجموعة الأوروبية وجهة النظر الفرنسية فيما يتعلّق بعدم الذهاب مع واشنطن في نهجها القاضي بشرعنة العمل العسكري ضدّ العراق , و طالبت بضرورة إستبعاد خيّار الحرب وإعتماد الوسائل الديبلوماسية في التعامل مع الملف العراقي , وأعتبرت السيدة أنا ليند في تصريحاتها التي نقلها التلفزيون السويدي أنّ المجموعة الأوروبية لا يجب أن تخرج من دائرة نزع الأسلحة العراقية إلى المشروع الأمريكي القاضي بإسقاط النظام العراقي بقوة السلاح , معتبرة ذلك سابقة لا مثيل لها .
وقالت بصريح العبارة : أنا لا أريد أن تدشنّ الولايات المتحدة الأمريكية حربا جديدة في العراق , وقالت أنّ الحكومة السويدية ستقف ضدّ هذه الحرب المحتملة . وطالبت المجموعة الدوليّة بضرورة التحرك لوقف مشروع الحرب الأمريكية المقبل على العراق .
وتجدر الإشارة إلى أنّ وزيرة خارجية السويد آنا ليند تتزعم خطّا سياسيّا داخل دوائر القرار السويدي يقوم على ضرورة إفساح المجال للحلول السياسيّة والدوليّة في السعي لحلحلة القضايا الدولية الساخنة , كما ترفض السيدة ليند إستفراد واشنطن بصناعة القرارات العالمية وتلاشي الأدوار الكبيرة لجمعية الأمم المتحدة . وتسعى السيدة آنا ليند وزيرة خارجية السويد للتنسيق مع نظرائها في الدانمارك والنرويج وفنلندا – دول شمال أوروبا – ومع نظرائها في ألمانيا و فرنسا للوقوف بقوة في وجه الإرادة الأمريكية التي تتخذ من الحرب وسيلة لتحقيق المآرب السياسية .
وكان خبراء سويديون في مجال الإستراتيجيا والسياسات الدفاعيّة قد أكدوا أنّ العراق ليست له القدرة العسكرية لإيذاء العالم كما تلوّح بذلك الإدارة الأمريكية التي تريد إستخدام هذه الورقة لإقحام العالم في حربها المحتملة ضدّ العراق .
وقد صرحّ أوكي سالستروم الباحث في شؤون التسلّح لجريدة أفتون بلادت الذائعة الصيت في السويد أنّ أمريكا غير محقّة بقولها أنّ العراق قادر على صنع القنبلة النووية والأسلحة الكيميائية الأخرى , وأستطرد هذا الباحث السويدي قائلا أنّ العراق إذا تمكن من إتمام مشروعه في مجال الأسلحة الكيميائية فغاية ما يستطيع صنعه هو بعض القنابل الكيميائية التي لا ترقى إلى مستوى تهديد البشريّة كما تدعّي أمريكا . ويستطرد هذا الخبير قائلا : المؤكّد أنّ العراق كان قد توقف نهائيا عن التفكير في صناعات عسكرية نووية وكيميائية وخصوصا عندما كان المفتشون الدوليون يترددون على بغداد , ولا يعقل أن يتمكن العراق منذ 1998 تاريخ خروج المفتشين الدوليين من العراق إنتاج كل هذا الكمّ من الأسلحة التي تتحدث عنها أمريكا . ومن جهتها الخبيرة في شؤون الدفاع والأسلحة الكيميائية والعاملة في معهد متخصص في أبحاث التسلح النووي والكيميائي السيدة لينا نورلاندر فقد صرحّت بأنّ أمريكا لا تملك أي دليل على ماتذهب إليه بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقيّة .
أمّا الباحث في معهد السلام السويدي الشهير شانون كيلي فقد صرح لنفس الجريدة بأنّ العراق لا يملك على الإطلاق قنبلة نوويّة , وأنّ صناعة قنبلة نوويّة يتطلب وقتا طويلا ومعدات غير متوفرة لدى العراق . وغاية ما يملكه العراق يقول هؤلاء الخبراء السويديون هو صواريخ سكود ومجموعة أسلحة تعرف واشنطن عنها كل شيئ . والقول بأنّ صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل هو من باب الذريعة لجعل العالم الغربي على وجه التحديد المساهمة في الغارة الأمريكية المرتقبة على العراق .
وعلى الرغم من الإعتراضات الشعبية الأوروبية على السياسة الأمريكية و إختيار العديد من العواصم الأوروبية أن تكون في خطّ شعوبها , بإعتبار أنّ المواطن في الغرب هو صانع الحكم من خلال اللعبة الديموقراطية فإنّ واشنطن تريد من العواصم الأوروبية أن تحذو سياستها وتوافقها على كل صغيرة وكبيرة , بل وتدعمها ماديا وسياسيّا في مشروع ضرب العراق , وبدأت بعض الجماعات الأوروبية كجماعة هجوم Atak التي لها موقع على الإنترنت ولها أتباع من الطلبة والشباب في كل الدول الأوروبية والتي كانت وراء كل التظاهرات ضد قمم الكبار الغربيين في العواصم الأوروبية تدعو إلى التعبئة العامة ضدّ السياسة الأمريكية التي تريد فرض رؤاها بقوة السلاح , والتي تتجاوز بعنجهية قرارات الشعوب .