كان الصحابة - رضي الله عنهم - شديدي الحرص على التأدب بآداب القرآن ، والتخلق بأخلاقه ، والوقوف عند آياته ، وهذا موقف يدل على ذلك : عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنـزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته ، كهولاً كانوا أوشباناً ، فقال عيينة بن حصن لابن أخيه : يا ابن أخي ، لك وجه عند هذا الأمير ، فاستأذن لي عليه ، قال : سأستأذن لك عليه ، قال ابن عباس : فاستأذن الحر لعيينة ، فأذن له عمر ، فلمّا دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب ، فو الله ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل . فغضب عمر حتى همّ به ، فقال له الحر : يا أمير المؤمنين ، إن الله - تعالى – قال لنبيه – صلى الله عليه وسلم - : " خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين " وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه ، وكان وقافاً عند كتاب الله (21).
فهذا الموقف من عمر – رضي الله عنه – يبين لنا كيف كان الصحابة – رضي الله عنهم – يتأثرون بآيات القرآن الكريم إذا تليت عليهم ، ويقفون عند حدودها ويتأدبون بآدابها . فما أحوجنا إلى التأسي بهم في مثل هذه المواقف ، وما أحوجنا إلى الوقوف عند آيات القرآن الكريم ، والعمل فما فيه من آداب ، فهذا هو الغرض والهدف الذي أنزل من أجله القرآن ، ليعمل بما فيه لا ليقرأ وتبحث آياته بحوثاً نظرية مجردة عن العمل والتطبيق كما هو حال أكثر المهتمين بدراسة القرآن اليوم ، تجد الواحد منهم يحلل الآيات ، ويبحث في مدلولات ألفاظها ومعانيها ويسوّد الورق في ذلك دون أن ترى لآيات القرآن أدنى تأثير في سلوكه وفي هديه وسمته ، وما هكذا ينبغي أن يكون أهل القرآن ، وما لهذا أنزل القرآن !!.