هل الأمة عاجزة عن السير في الطريق الصحيح المؤدي للنجاة والخلاص ؟؟؟
الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ( فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ {45} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ {46} ) الحج .
والقائل : ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105} ) التوبة .
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( أيما راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ! إلاَّ حرم الله عليه الجنة ) .
أيها الإخوة الكرام : شرع الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يُعدُّ نفسه للهجرة , وكان المشركون يتربصون به ليقتلوه , ولكن الله سبحانه وتعالى أعمى أبصارهم فخرج من بينهم ولم يروه , وكان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه صاحبه في السفر, وفي طريق هجرته أدركه سراقه وشهرعليه سيفه ليقتله , إلاَّ أن رعاية الله حالت دون تمكنه من نبيه , إذ انغرست أرجل فرس سراقة في الرمال , فلم يستطع الحراك , فقال له الرسول صلوات ربي وسلامه عليه ــ إرجع ولك سواري كسرى , وصدق الله وعد نبيه فقد ألبسَ سُراقة سواري كسرى أيام خلافة عمر رضي الله عنهم .
وهنا دعونا إخوة الإيمان : نتصور بعضاً من المواقف الفاصلة في هذا الموقف العصيب !
الموقف الأول : أن الكفار قد تربصوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة ليقتلوه , فخرج عليه السلام من بيته , وألقى التراب على وجوههم , بعدما أغشى الله سبحانه وتعالى على عيونهم , ثم بعد ذلك يغادرالرسول عليه السلام ومعه صاحبه أبو بكر, فيدركه سراقة ويهم بقتله , فتتدخل مشيئة الخالق سبحانه وتعالى فيخلأ الفرس ,
ثم يقول الرسول وهو في هذا الموقف , الذي يُعتبر من ناحية عقلية ــ موقف هروب , وموقف ضعف ــ ورغم ذلك , يقول صلوات ربي وسلامه عليه لسراقة : إرجع ولك سواري كسرى !
مع أنه عليه السلام خارج من مكة مطارداً ومحاصراً ,
ذاهباً إلى يثرب من أجل أن يقيم الدولة التي لم تكن قد قامت بعد .
أيها الإخوة الأكارم : على الرغم من هذا الموقف العصيب ! إلاَّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث مطمئناً , ويبشر سراقة بسواري كسرى ! أي أنه يخبر عن قـُرب فتح بلاد فارس ! فأي موقف هذا في حساب العقل ؟! هذا هو الموقف الأول.
والموقف الثاني : وهو موقف حصل مع جميع أنبياء الله ورسله صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين , فهذا نوحٌ عليه السلام وقد تحمل الصدَّ والأذى لما دعا قومه قروناً طوالا ولم يستجيبوا لدعوة الهدى , فأمره ربُّه ببناء سفينة في أرض يابسة لا ماء فيها , ولا صلة لها ببحر أو نهر!
فقام عليه السلام ببناء السفينة في منطقة جبلية كما أُمر ,
حتى سخر منه قومه وقالوا : أسفينة في البر؟!
فرد الله عليهم بقوله مصوراً هذا المشهد ومتوعداً : ( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ {38} فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ {39} ) هود .
وقال : ( فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ {64} ) الأعراف .
وأما الموقف الثالث وهو كذلك متعلقٌ بهاتين الحادثتين : أن كفار مكة الذين مكروا بالرسول عليه السلام جعل الله تدميرهم في تدبيرهم , فقال عزَّ من قائل : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ {9} وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ {10} إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ {11} ) يس .
ويقول : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {179} ) الأعراف .
إخوتي في الله , أحبتي في الله : إن العمى الذي أصاب قوم نوح ليس عمى الأبصار! وإنما عمى القلوب ,
وعمى القلوب هو العمى الحقيقي !
لماذا ؟ لأنهم لم يروْا الطريق الصحيح المؤدي إلى النجاة , تماماً كحال كفار مكة ,
ولكن الأنبياء والمرسلين الأولين , والرسول الكريم , والصحابة المكرمون ومن تبعهم بإحسان , أبصروا الحق يقيناً , فأيقنت به قلوبهم , قبل أن تقع عليه أبصارهم ,
عرفوا طريق النجاة فسلكوها , فهم وإن لم يروه بأعينهم , فإنهم يرونه بقلوبهم , أي يرونه بإيمانهم , ويرونه من شريعتهم , ويرونه من كتاب ربهم سبحانه وتعالى , ويرونه من سنة نبيهم الهادي عليه السلام .
أما قوم نوح فإنهم كانوا قوماً عمين , لأنهم لم يروا طريق النجاة .
وهذا ما حصل من ابن نوح عليه السلام وقد ظن أن طريق النجاة بالصعود إلى رأس الجبل فقال : ( سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء ) فقال له أبوه عليه السلام : لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} ) .
نعم : فطريق النجاة مع الله تبارك وتعالى , وهذا ما بينه كتاب الله وسنة نبيه عليه السلام .
يتبع بإذن الله