هكذا وبالتدريج أصبح المنكر أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه !
الحمد لله القائل في محكم التنزيل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9} وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ {10} وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {11} كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ {12} لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ {13} ) الحجر .
فالله سبحانه وتعالى قد تعهد هذا الدين وهذا الذكر بالحفظ أن لا يتغير, وإلاَّ فإننا لو تتبعنا ما صنعه الناس بأمر هذا الدين لولا حفظ الله سبحانه وتعالى له لوجدنا أنه سيتغير فيه الكثيرُ الكثير, فقد جاء بعض الناس وعمدوا إلى عقيدة الإسلام , فغيروا فيها وبدلوا بذريعة ما أسموه ــ فلسفة ــ فكان الفلاسفة الذين عُرِّفوا فيما بعد بفلاسفة المسلمين , وجاء أناس فعمدوا إلى العبادات , والعبادات كما هو معلوم أوامر شرعية موقوفة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بأوقاتها وكيفياتها , فغيروا فيها وبدلوا بما أسموه طرقاً أو طرائق أو طريقة , وجاؤوا إلى كل أمر تفصيلي في المعاملات بين المسلمين وعلى مرِّ مئات السنين , ولا يزال أناس حتى يومنا هذا يأتون هذا الدين ويغيرون فيه , ويُدخلون عليه تسميات وتسميات !
فجاؤوا إلى الربا الذي حرمه الله سبحانه وتعالى , وأعلن الحرب على آخذه ومُعطيه وشاهديه , فسُمِّي ـ فوائداً ـ ! واعتبر جزءً من النظام الإقتصادي للعصر الحديث , وأصبح بعد أن كان حراماً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أصبح ضرورة لازمة لشؤون الإقتصاد !
ثم جاؤوا إلى النظام الإجتماعي الذي فرض الله سبحانه وتعالى فيه على المرأة أن تستر جميع بدنها عدا وجهها وكفيها , فنادوْا بتحرير المرأة , ودعوها للخروج سافرة , وسُمِّي سفورها وفجورها , وكشفها لعورتها تقدمية , ونادوْا كذلك بإعطائها دورها بحجة أن الإسلام قد نقصها حقها ! مع أنها تشكل نصف المجتمع برأيهم !
وهكذا أيها الإخوة الكرام : ففي كل مرة يريدون فيها تغيير أمر من أمور الدين , أو حرفـَهُ بما يتوافق مع الزمن الذي يعيشون فيه , أو المصالح التي يبغونها أو الأهواء التي يتبعونها , فإنهم يسمونه كما يشاؤون , حتى لا يدرك الإنسان المسلم أنه قد تغير هذا الدين أو بُدِّلَ فيه ,
فلو قالوا أن الفوائد التي تعطى في البنوك عين الربا , وأن الربا قد حرمه الله تبارك وتعالى , إلاَّ أننا نريد أن نأخذه ونأمر المسلمين أن يأخذوه , لنفرَ الناس منهم !
ولكن ما الذي قالوا ؟! قالوا هذه فوائد , وهي ضرورة بشرية , وصفقة إقتصادية , يتطلب الواقع التعامل بها .
والمشكله إخوتي في الله وأحبتي : أن المسلمين حينما يتعرضون لأمر كهذا , فإنهم إنما يُأتوه جرعاً متوالية على نحو بطيء , لأنهم لو صدموا به مرة واحدة لرفضوه جملة وتفصيلا , ولبنوْا بينهم وبينه سدوداً يصعب اختراقها , ولكن هذه المسائل وأمثالـَها تمرر إليهم قليلاً قليلاً , حتى أصبح الناس قد اعتادوا عليها وألفوها ,
وصارت عندهم أموراً طبيعية لا غضاضة فيها ولا حرج !
والزوجة قد تخرج سافرة مع زوجها فلا يغار عليها , ولا يتمعر وجهُهُ غضباً !
بل قد يفتخر بجمالها وزينتها !
أتدرون لماذا ؟ لأن خروجها على هذا النحو أصبح لديه أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه ولا حرج ! .
والمسلم الذي يحمل نعش قريبه , ثم يقف خارج المُصلى منتظراً خروج النعش دون أن يؤديَ الفريضة ! أو حتى صلاة الجنازة , بل يقف منتظراً حتى يُصلى عليه ,
ثم بعد ذلك يسيرُ مع الجنازة غير معتبرٍ بها ولا متعظ !
أتدرون لماذا ؟! لأن ترك الصلاة أصبح لديه أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه ولا حرج ! .
والمسلم الصوام القوَّام الذي يرى الكفار المستعمرين وقد احتلوا بلاد المسلمين , وفعلوا بإخوانه الأفاعيل فشردوهم وعذبوهم , وسفكوا دماءهم , وهتكوا أعراضهم , وخرَّبُوا مساجدهم , ولا يزالون في كل مكان وحين ! ثم هو لا يحرك ساكناً !
أتدرون لماذا يحصل هذا ؟ لأن هذا الأمر أصبح لديه أمراً طبيعياً لا غضاضة فيه ولا حرج !!
ـــــــــــــــــــــ
يتبع بإذن الله