ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لاتشتهي السفن
أذكر في صغري كنت كلما سمعت هذا البيت من الشعر, أضحك باستهزاء وبلامبالاة.
ودائما أقول : غبي ساذج من يردد هذه العبارة كم هو جبان ألا يعرف معنى التحدي ؟!
ألا يعرف الطموح ؟!
ليس لديه إلا الاستسلام للأقدار, ألا يعرف أن ما يريده يجب أن يحققه ولا يتعذر بالرياح والسفن, تاركاً أحلامه خلفه مستسلماً لهذه العبارات التي تحمل بداخلها اليأس و الاستسلام .
هكذا أنا في صغر سني .....
عندما كانت نظرتي للحياة نظرة طفلة بريئة, نظرة وردية بظني أن كل ما أتمناه سأحققه دون أي عوائق بطريقي, دون أي مصاعب, دون أي صدف.
لم أكن أعلم أن تحقيق الأحلام لابد وأن يواجه المصاعب بطريقه .

كلنا نحلم ونتمنى ونتفاءل و نغوص ببحور أحلامنا دون أي حساب لما سنواجهه من الصدمات , دون أي حساب لما تخبئه لنا الأيام , دون أي حساب لما تخبئه لنا الأقدار .
كلنا نحلم وليس هناك من لا يحلم, وإن كان هناك من لا يحلم فهو يحلم بأنه لا يحلم,
يا من تقرأ هذيان سنين حياتي, راجع شريط حياتك معي كما سأراجعه أنا, كم من أحلام حلمتها ولم تتحقق صغيرة كانت أم كبيرة, تافهة أم عظيمة, لك أم لغيرك,

أحلام حلمناها ولم تتحقق , ربما لفشلنا , ربما ليس لدينا طموح كافي لتحقيقها مستسلمين لهذا البيت من الشعر , ربما لم نجد من يقف بجانبنا , ربما لم نجد من يشجعنا , ربما لم نجد من يوجهنا ويرشدنا ويدعمنا , ربما ربما ربما .......

ولكن هذا ليس بعذر كافي فليس هناك من هو مسئول عن أحلامك لتحقيقها , فهذه أحلامك أنت وليست أحلامه هو , هو مسئول عن أحلامه فقط , وأنت مسئول عن أحلامك فقط , ولكن لا مانع من تعاوننا مع بعضنا لتحقيق أحلامنا , إنما المانع من اعتمادنا على غيرنا لتحقيقها .
لا حياة بلا أحلام , ولا معنى للحلم إذا لم يتحقق , وما أروع الحلم إن أصبح حقيقة , ما أجملها من صورة وما أروعه من إحساس , عندما ترى ما كان بخيالك صورة غير ملموسة أصبح حقيقة محسوسة , تراه بعينيك وتلمسه بيديك , وقتها صار لحياتك معنى , لأنك إنسان عاش حياته لتحقيق حلمه ولوصول هدفه , تحدى وثابر وواجه المصاعب وقاوم ولكنه بالأخير وصل لمراده ومبتغاه , صار حلمه حقيقة وأروع حقيقة .

لم يعرف اليأس أو الكسل أو الاستسلام, كان يعرف شيء واحد فقط وهو تحقيق حلمه بأي طريقة.
ولكن مهما يكون, مهما يكون, مهما يكون, هناك قوة خفية تلعب بنا وتحركنا رغما عنا مهما كنا طموحين, مهما كنا مجتهدين, مهما كنا مثابرين .
ألا وهي لعبة الأقدار........

كم من أحلام كانت بخيالي بأجمل البراويز وأحلى الصور , عشتها أتمناها وأحسست بها بالرغم من عدم تحقيقها , أحسست بسعادتي بها بعد تحقيقها , بالرغم من عدم تحقيقها , بظني أنني كل ما تمنيته وحلمت به سأحققه , دون أي عوائق , دون أي مصاعب , لم أكترث لهذا البيت من الشعر , لأنه يذكرني ويصدمني بحقيقة واقعي المرة القاسية , بأن ليس كل ما أتمناه أدركه وتجري رياح زماني بما لا تشتهي سفني رغما عنها شاءت أم أبت, إن طاوعت سفني رياح زماني فهذا معناه أنني سأعيش ولكن لن تتحقق أحلامي كلها , وإن عاكست سفني رياح زماني فستتحطم وتغرق وأغرق معها , هذه هي الحقيقة المرة التي كنت غافلة عنها أو بالأصح كنت أتجاهلها لعدم رغبتي بتصديقها ,

هناك ما يقف وسط طريق تحقيق حلمنا , ربما لنرى هل نحن متمسكين بحلمنا كما يجب , هل نحن بما يكفي من قوة وشجاعة للتحدي وتحقيق حلمنا , هل وهل وهل تساؤلات كثيرة تتعبني وتحيرني , تضعفني لحظات وتقويني لحظات , ولكن مازلت أثابر وأحاول , فإن لم أحقق حلمي أنا فمن سيحققه لي , وإن لم يكن لي حلم فليس لحياتي معنى ولا طعم , ولكن تظل الحقيقة مرة دائما , قاسية دائما , وعكس رغباتنا دائما , وتلعب بنا الأقدار لعبتها .

آسفة يا حلمي ...... حاولت بكل ما أملك من قوى , بكل ما لدي من أسلحة , وكل ما لدي من أفكار وخطط وحيل , استخدمت عقلي وعواطفي وجسدي وكل ما لدي لكي أجعلك تعيش وأراك حقيقة ولكن أعذرني فهناك قوة أقوى مني ألا وهي الأقدار بيد كاتب الأقدار , مقدر كل شي , وكاتب كل شي , بيده كل شي , سبحانه وتعالى , له الحمد على كل حال , وإن أراد رب العالمين أن لا نحقق أحلامنا , فلن تتحقق , لحكمة أرادها يعلمها ونحن نجهلها , سبحانه علام الغيوب .
فلا تحزن إن لم تحقق حلمك ربما لم يكن لك خير في ذلك الحلم, ربما حالك الآن أفضل من حالك إن تحقق حلمك, ربما وربما وربما .......
فلتكن نظرتك للحياة وردية دائما حتى وإن لم تتحقق أحلامك , حاول أن تحافظ على هذه النظرة الوردية بقدر المستطاع .

كلنا مؤمنون ونؤمن بقضاء الله وقدره مهما كان , ولكن هذا لا يمنع من المحاولة والاجتهاد والمثابرة لتحقيق الحلم من جديد , فكر في سعادتك بعدما تحقق حلمك , وشعورك بالراحة والاستقرار الفكري بعدما حققت ما كان يتعب فكرك ويشغل بالك , ويجب أن تعرف الفرق بين التوكل والتواكل , فالتوكل محاولة تحقيق الحلم والاجتهاد في ذلك مع العلم بأن كل شي بيد الله سبحانه وتعالى , أما التواكل فهو عدم الاجتهاد لعمل أي شي أو تحقيق أي حلم والتعذر بأن كل شي بيد الله , وكلنا يعرف بان التوكل هو الأصح وهو الأفضل , وبأن التواكل أسلوب الجاهل اليائس العاجز عن فعل أي شيء .
ماكل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لاتشتهي السفن
الآن أدركت حقيقة هذا البيت لأني عشتها, وذقت طعمها المر, وعانيت من قسوتها, وأدركت بأن كلامي بصغري كان مجرد فلسفة طفلة عادية جاهلة عن حقيقة زمانها المرة, صدق لسان الشاعر كاتب هذا البيت الذي أدرك حقيقة الزمان أكثر مني, وقال ما يجب أن يقال, واختصر حقيقة الأيام بشطر بيت في قمة الصدق والواقعية .
بقلم أختكم روووووووووعة جدة