الحب أسمى العلاقات الانسانية
يعتقد الكثيرون من أبناء مجتمعنا أن الحب عبارة عن شعور لذيذ بالسعادة يحس به انسان ما في نفسه عندما يقيم علاقة مع شخص آخر، كما أن الحب أيضاً في نظر هذا الجمع من الناس هو ذلك الشعور اللذيذ بالسعادة الذي يمنحه انسان ما لانسان آخر. هذا الشعور اللذيذ بالسعادة والبهجة هو ما يطلق عليه عامة الناس اسم الحب. والحب بهذا المعنى إن هو غلا وليد المصادفات السعيدة التي تضع في طريق الانسان شخصاً ما يشعر نحوه ومعه بهذا الشعور اللذيذ. وإذا كان الأمر كذلك فإن المشكلة الوحيدة في هذا النوع من الحب هي مشكلة وجود الشخص المناسب والجدير بالحب. ومن هذا المنطلق يعتقد عامة الناس أيضاً أنه ليس في الكون أسهل من الحب، فما على الانسان إلا أن ينتظر حتى يسوق له القدر من يحب، أي أن الحب بهذه الطريقة ليس في حاجة إلى قيام الانسان بأي مجهود.
ويذهب البعض الآخر من أبناء المجتمع مذهباً آخراً في نظرتهم إلى الحب، فالحب في نظرهم يختلف تماماً عن الحب في رأي الفريق الأول.. إنهم ينظرون إلى الحب على أنه علم أو فن مثل غيره من العلوم أو الفنون التي يتعلمها الانسان وأنه لا بد أن تتوفر لدى الانسان مجموعة من القدرات النفسية والعقلية حتى يتمكن من تعلم هذا العلم أو ذلك الفن وإتقانه، وحتى يتمكن أيضاً من ممارسته، وهنا يتحتم على الانسان أيضاً أن يكون مستعداً لبذل الوقت والجهد في سبيل تعلم هذا العلم أو ذلك الفن. ونحن بدورنا نميل إلى اعتباره واحداً من العلوم أو الفنون المختلفة، يجب أن يبذل الانسان في سبيله الوقت والجهد إذا أراد أن يحب، أضف إلى ذلك أن يكون هذا الانسان ممتلكاً للقدرات النفسية والعقلية التي تمكنه من التعلم.
وإذا كان الكثيرون يعتقدون أن الحب ما هو إلا وليد حسن الطالع والمصادفات السعيدة أو الحظ كما قد يحلو للبعض تسميته، إلا أنهم يؤمنون إيماناًَ نفسياً عميقاً بأهمية هذا الحب. إنه ليس من قبيل الصدفة أن نجد أن أغاني الحب تحتل مساحة واسعة في خريطة الإرسال الإذاعي اليومي المسموع، والمرئي المسموع وليس غريباً أن يحتفظ هؤلاء الناس بأغاني الحب على شرائط التسجيل بأنواعها المختلفة، وليس غريباً أن يبحث هؤلاء الناس أيضاً عن الحب ليل نهار، يذهبون إلى السينما أو يجلسون أمام أجهزة التليفزيون وأشرطة الفيديو وأجهزة التسجيل لسماع كلمات الحب التي يتغنى بها المطربون والمطربات لمشاهدة أفلام تحكي قصص الحب الناجح وأفلا أخرى تحكي قصص الحب الفاشل، ويذهبون إلى المسرح ليشاهدوا أيضاً روايات الحب، ويتغنون بكلمات الحب وأغانيه في كل وقت وحين.. ورغم كل هذا فإن هؤلاء الناس من أبناء مجتمعنا لا يعتقدون بوجوب ما يمكن أن يتعلمه الانسان عن الحب.
إن موقف هؤلاء الغالبية من الناس يعتمد على منطق فردي وجمعي يرى أن المشكلة في الحب تكمن أساساً في أن يكون الانسان محبوباً من الآخرين، ويتناسى أصحاب هذا المنطق أن مشكلة الحب الأساسية هي في ن يمتلك الانسان القدرة على أن يحب.
كيف أكون محبوباً؟ هذا هو المحور الأول في منطق الغالبية من الناس. فكل فرد من هذه الغالبية يتساءل بينه وبين نفسه: هل يمكن أن أجد من يجبني؟ وكيف أكون موضع حب الآخرين؟ وفي سبييل الوصول إلى هذا الهدف يسلك هؤلاء الناس طرقاً ومسالك متعددة، فنجد الرجال يلجئون عادة إلى محاولة تحقيق أكبر قدر من النجاح والشهرة، وإظهار علامات الرجولة والقوة أو السيطرة والتحكم في الآخرين، أو الوصول إلى أكبر درجة من الغنى والثروة، أما النساء فإنهن عادة ما يسلكن طرقاً أخرى، إن كل سيدة أو فتاة تحاول إظهار فتنتها وجاذبيتها وأنوثتها وذلك عن طريق الاهتمام بجسمها وبأناقة ملابسها وباستخدام مواد التجميل المختلفة وتسريحات الشعر المبتكرة، وكل الحركات والإيماءات، وحتى عن طريق التحكم في الأصوات سواء في اللقاءات المباشرة أو عبر الهاتف، وحتى عبر القنوات الفضائية والأقمار الصناعية... إلخ.
وهناك من الطرق والأساليب ما يصلح للجنسين على حد السواء مثل محاولة الانسان رجلاً كان أو امرأة أن يكون لبقاً ولطيفاً ومهذباً، ذا خبرة وثقافة رفيعة، وأن يكون ذكياً واسع المعرفة، وأن يكون ذا خلق، وعلى استعداد لمد يد المساعدة. ويمكننا هنا أن نلاحظ بسهولة أن الكثير من هذه الطرق التي يسلكها كل من الرجال والنساء حتى يكونوا محبوبين من غيرهم، هي نفس الطرق التي يسلكها الانسان لتحقيق النجاح في حياته بصفة عامة، وليكسب بها الأصدقاء وليؤثر بها في الآخرين وفي آرائهم. وهنا تظهر حقيقة هامة وهي أن ما يفهمه كثير من أبناء مجتمعنا عن الحب، ما هو في جوهره إلا خليط بين بعدين إثنين وهما الحصول على الشهرة والحصول على موضوع جنسي.
كيف أجد من أحب؟ هذا هو المحور الثاني في منطق الغالبية من الناس الذين يعتقدون بعدم وجود ما يجب أن يتعلمه الانسان عن الحب. فالمشكلة من وجهة النظر هذه هي مشكلة وجود الانسان الذي أحبه، أو الانسان الذي يستحق الحب، وليست مشكلة القدرة على الحب، ويعتقد هؤلاء الغالبية أن الحب هو أسهل وأيسر شيء في الحياة، ولكن المشكلة الصعبة تكمن في إمكانية وجود الانسان الذي يحبني، وفي وجود الانسان الذي يستحق حبي له... إن المشكلة هنا هي مشكلة أن أجد من أحب.
هذا الاعتقاد الخاطئ عن الحب له جذوره العميقة في عملية التطور الاجتماعي. لقد حدث تغير كبير في المجتمع المعاصر، فلقد أصبح الانسان المعاصر حراً في اختيار الانسان الذي يحبه. منذ سنوات مضت ـ ولعل هذه الصورة لم تنته بعد في بعض الأوساط الاجتماعية، وفي بعض القرى النائية ـ لم تكن هناك الحرية الكافية في أن تختار الفتاة فتى أحلامها، ولم تكن هناك الحرية الكافية في أن يختار الفتى فتاة أحلامه التي يحبها، حيث تؤدي العلاقة بينهما فيما بعد إلى الزواج. لقد كان ما يحدث هو العكس تماماً.. كان الزواج أولاً وذلك بتوثيق العقد، وكانت العلاقات الأسرية تلعب دوراً كبيراً في هذا الزواج، وإن لم يكن فإن الخاطبة تقوم بالدور الأساسي في عملية الزواج، وكان الاعتقاد في أن الحب سوف يأتي بعد الزواج. ورغم وجود الحب العذري في المجتمع العربي الذي يحدثنا عنه شعر قيس/ ليلى، وكثير/ عزة، وغيرهم، الا أن المجتمع العربي لم يعترف بهذا الحب في يوم من الأيام، ولا غرابة في ذلك فالمجتمع الأوروبي أيضاً لم يكن يعترف بهذا النوع من الحب، ولكن المجتمع الأوربي تغير في العهد الحديث تغيراً كبيراً حتى وصل الأمر إلى الإباحة التي تمنح الحرية في أن يختار الانسان من يحبه، وأن يقيم معه من الخبرات والتجارب ما يشاء بغض النظر عما إذا كانت هذه العلاقة ستؤدي إلى الزواج أم لا. أن المفهوم الحديث لحرية الحب لا يمكن أن يحتمل أكثر من معنى وهو البحث عن موضوع للحب لويس الاهتمام بالعملية أو الوظيفة الأساسية في الحب.
لقد قلنا أن ما وصل إليه المجتمع لما يسمى بحرية الحب، أو الحرية في البحث عن موضوع الحب يرتبط بتطور المجتمع الذي نعيش فيه، وبنوع الحضارة التي تسود في هذا المجتمع. فإذا كان المجتمع يعتمد على تبادل المصالح، وطغت عليه المادة، أصبحت العلاقات بين أفراد هذا المجتمع ليست أكثر من علاقات تجارية أو مصلحية، يعتقد كل طرف فيها بأنه سيعقد صفقة رابحة لا تعوض، وأن عليه أن يسرع في إتمام هذه الصفقة. لقد أصبحت سعادة الانسان الحديث تكمن فيما يستطيع هذا الانسان أن يحصل عليه من ترف ورفاهية، يتجول هذا الانسان في الشوارع يشاهد المعروضات من السلع في فترينات المحلات، يشترى من المعروضات ما يستطيع شراءه سواء بالنقد أو بالتقسيط، كل حسب ما تسمح به حالته. وهكذا تسري العدوى من نظرة هذا الانسان إلى السلع المعروضة إلى نظرته إلى غيره من بني الانسان، فالرجل يبحث عن فتاة فاتنة جذابة، والمرأة أو الفتاة تبحث عن رجل جذاب. والجاذبية هنا تعني ما تعارف عليه الناس ي هذا المجتمع، وهي مجموعة من الصفات الشخصية المحبوبة والمطلوبة في مجال سوق الشخصية. وما يجعل إنساناً ما جذاباً يرتبط أساساً بأساليب وخطوط الموضة سواء في الملبس أو السلوك. ففي فترة من تاريخ مجتمعنا كانت الفتاة التي ظلت ملازمة بيت أبويها فلم يرها انسان هي الفتاة الجذابة التي يرغبها الرجال حتى دون أن يروها، وجاءت فترة أخرى كانت الفتاة التي خرجت على تقاليد الأسرة والمجتمع سواء في زيها أو في تصرفاتها هي الفتاة العصرية الجذابة في نظر الرجل، ودار الزمن لتعود الفتاة المحتشمة الخجول هي الفتاة التي يبحث عنها الفتى الراغب في الزواج.. منذ سنوات قليلة كانت الفتاة الممتلئة الجسم هي الفتاة الجذابة في نظر الرجل، ولذلك كان معظم الفتيات والنساء في المجتمع يبحثن عن مواد السمنة والجمال عند العطار وغيره، أما الآن وقد أصبحت الفتاة النحيفة الرشيقة هي الفتاة الجذابة فقد اتجه الكثيرات إلى البحث عن مواد التخسيس واتباع أنواع معينة من (رجيم) الأكل للمحافظة على الرشاقة التي يعشقها الرجل والتي تعتبر موضة العصر الحديث. ومنذ فترة كانت جاذبية الرجل تعني أن يكون الرجل فظاً غليظاً قوياً مفتول الشوارب والعضلات، ولذلك كان الشباب جميعاً يحاولون اكتساب مثل هذه الصفات وأن يكون كلا منهم صاحب أطول شارب (يقف عليه الصقر)، أما الآن فقد تغير مفهوم جاذبية الرجل ليصبح الانسان الرقيق المهذب الناجح.. وهذا هو ما يحاول كل شاب أن يحققه في نفسه حتى يصبح موضوع حب من فتاة. وإذا تأملنا موضة الجاذبية هذه في الرجال والنساء سنجد أنها تعني ببساطة خضوعها للمعيار الذي تخضع له السلع ذات المواصفات الإنتاجية المتميزة، والتي تجعلها تحظي بثقة المستهلك الذي يسعى بدوره إلى الحصول على أجود السلع بأرخص الأسعار. ولنتصور معاً الأفكار التي تدور بذهن أحد الشباب وهو يخطو خطواته الأولى على طريق الحب: إنني أريد فتاة تتوفر فيها شروط الموضة السائدة في المجتمع، ويجب أن تكون لديها رغبة مماثلة في أن أكون أنا موضوع الحب الذي ترغب هي فيه، لأن هذا يعني أنها مقتنعة بصفاتي الشخصية، وانها معجبة بهذه الصفات. والأفكار التي تدور بذهن الشاب تدور أيضاً بذهن الفتاة فهي تريد شاباً تتوفر فيه آخر خطوط الموضة على أن تكون لديه الرغبة في أن تكون هي موضوع حبه، أي اقتناعه بصفاتها وإعجابه بها. إن بإمكان كل فتى وفتاة أو رجل وامرأة، أن يحب كلا منهما الآخر إذا وجد لدى كل منهما الشعور بأنه وجد أنسب الموضوعات في سوق العرض، والذي يمكن الحصول عليه بأسهل الشروط، أي الحصول على بضاعة جيدة بسعر مناسب. وليس هذا عجيباً ففي مجتمع بدأت تطغى فيه ـ أو طغت فيه بالفعل ـ أساليب المعاملة التجارية والمادية، ليس من المستبعد أن تكون علاقات الحب بين الناس فيه قائمة على نفس الأسلوب التجاري والمادي الذي يسود المجتمع، حتى غاني الحب في هذا المجتمع أصبحت صفقات تجارية ((يحبك لا، محتاج لك آه.. بقلبي لا، بعقلي آه، مش حتنازل عنك أبداً مهما يكون... إلخ)).
ما هو الفرق بين الوقوع في الحب وبين الحياة في الحب؟ ذلك هو المحور الثالث في منطق هؤلاء الغالبية التي تعتقد بعدم وجود ما يجب أن يتعلمه الانسان عن الحب، فهؤلاء الناس لا يستطيعون التمييز بين الخبرات الأولية في الحب وبين الحياة الحقيقية في الحب، أي التمييز بين قولنا ((فلان طب. وقع)) في الحب، وفلان يعيش في الحب)). عندما يلتقى شاب وفتاة أو رجل وامرأة لأول مرة دون سابق معرفة أو موعد كما قد يحدث لكثيرين منا مثل هذا الموقف ـ ويشعر كل منهما بأن الحواجز التي تقف حائلاً بينهما قد تحطمت، ويشعر كل منهما بانجذاب نحو الآخر، ويحس كل منهما بأنه خلق للآخر.. هذه اللحظة تعتبر على المستوى الشعوري النفسي لحظة توحد، إنها لحظة من أسعد اللحظات، إنها أكبر حدث في حياة كل منهما. إن معنى هذه اللحظة يقترب من أن يكون معجزة يصعب تصديقها، وخصوصاً بالنسبة للانسان الذي عاش حتى هذه اللحظة وحيداً معزولاً محروماً من الحب. هذه اللحظة المعجزة والتي تعطي الانسان شعوراً بالأمان والثقة إنما تتأثر غالباً بالمشاعر النفسية الطاغية وبالرغبات الجنسية التي تصاحبها وترتبط بها، أو حتى قد تكون هي المثير الأساسي فيها. هذا النوع من الحب المفاجئ والذي نطلق عليه (الحب من أول نظرة) لن يكتب له الاستمرار والنجاح، فبمرور الوقت ستزداد معرفة كل من هذين الشخصين بالآخر، وبازدياد هذه المعرفة، والوصول إلى درجة من الاطمئنان والسيطرة على النفس ستنخفض حدة الدهشة الأولى والإعجاب الشديد المفاجئ بالصفات الشخصية التي بدت للوهلة الأولى فريدة في نوعها، وبانخفاض حدة الإعجاب والدهشة ستصبح هذه الصفات موضوعاً للمناقشة ولن تكون النتيجة غير خيبة للأمل، واكتشاف أن هذا الشخص لا يختلف عن غيره، وستكون الصدمة والعناد هي الأثر الباقي نتيجة لهذه الخبرة.. خبرة الحب من أول نظرة.
وإذا حاولنا أن نتمعن قليلاً في حقيقة مشاعر كل من هذين الشخصين نحو الآخر فإننا سنجد أن كلا منهما في البداية لم يكن على بينة بمشاعره الحقيقة ولا بحقيقة هذه المشاعر، سنجد أن الدور الذي يقوم به كل منهما تجاه الآخر محاولاً التلطف واظهار الحب والشوق الزائد بهدف التدليل على مدى الحب الذي يكنه كل منهما للآخر، ما هو إلا دليل على درجة المعاناة من الوحدة القاتلة والحرمان الذي كان يعيشه أحدهما أو كلاهما.
إنه من الصعب على الغالبية من أبناء المجتمع الذي يعتقدون بان الحب هو أسهل وأيسر شيء في الحياة، وأنه لا يوجد ما يجب أن يتعلمه الانسان عن الحب، من الصعب على هؤلاء الغالبية أن يغيروا هذا الاعتقاد الخاطئ حتى ولو ظهر لهم جليا عكس ما يعتقدون. ولننظر مثلاً في حياتنا اليومية في المجتمع، إن الانسان إذا تعثر في إتمام عمل ما، لا يستريح حتى يبحث عن الأسباب والعلل التي عرقلت عمله وعطلته عن الوصول إلى الهدف، حتى يستطيع أن يتعلم منها في المستقبل وليصلح من الأخطاء التي حدثت. وإذا لم يكن الانسان قادراً على مناقشة سلوكه والأسباب التي عرقلته عن الوصول إلى الهدف فإنه يطوي صفحة الفشل هذه ولا يعود إليها مرة أخرى. إذا أردنا أن نطبق هذا السلوك الانساني على الحب فسنجد أن الحب هو من أهم الأنشطة في حياة كل منا، يبدأ الانسان بحماس عظيم وهو مملوء بالأمل والرجاء.. وقد تنتهي محاولة الحب هذه إلى الفشل وخيبة الأمل.. ولكن الانسان لا يستطيع أن يطوى صفحة الفشل في حبه الأول، وأن يصرف النظر عن العوة للمحاولة من جديد، إذا كان ذلك كذلك فليس أمام الانسان إلا أن يبحث عن الأسباب التي أدت إلى الفشل الأول في تجربة حبه السابق، حتى يتمكن من تفادى هذه الأسباب عند معاودة الكرة من جديد، وعلى الانسان أيضاً أن يحاول معرفة الحب معرفة صحيحة. والخطوة الأولى على هذا الطريق هي معرفة أن الحب ما هو إلا علم أو فن وأن الانسان إذا أراد أن يتعلم علم الحب أو فن الحب فعليه أن يتبع الطريق الذي يتحتم عليه أن يسلكه إذا أراد أن يتعلم علماً أو فناً من الفنون. على هذا الانسان أن يعرف أن الحب ليس إحساساً عابراً، وإنما هو فن معقد مثل الطب أو الجراحة أو العلوم أو التدريس أو الكتابة الأدبية.. إن الحب فن يحتاج إلى المعرفة والجهد والإخلاص.. إن الحب وظيفة انسانية وفن معقد كالحياة سواء بسواء. وإذا ما أرد الانسان أن يتعلم فناً من الفنون أو العلوم التي أشرنا إليها فعليه أن يتبع الأسلوب العلمي للتعلم.
إن انسان مجتمعنا الحديث لا يحاول أن يتعلم فن الحب أو أن يتعلم الحب كفن لا نادراً رغم أنه غالباً ما يعاني من الفشل في الحب. فرغم الشوق المتغلغل في النفس البشرية بحثاً عن الحب، فأن انسان المجتمع المعاصر يعتبر الفنون الأخرى والأشياء الأخرى مثل النجاح والمكانة الاجتماعية والثروة والغنى والجاه والقوة والسلطان أهم من الحب.
إن الانسان في مجتمعنا المعاصر مستعد لبذل المال والعرق والجهد لتعلم الطب أو العلوم أو الرسم أو الهندسة أو التدريس وغيرها من الفنون والعلوم الأخرى، ولكنه لا يحاول أن يتعلم فن الحب، والسبب في ذلك أن الفنون والعلوم المختلفة في مجتمعنا المعاصر لها عائد مادي مجز، يمكن الانسان من الوصول إلى أهدافه المتمثلة في النجاح والجاه والثورة والمكانة الاجتماعية أما الحب فإنه لا يدر إلا عائداً روحياً يغذي النفس والروح، وليست الروح والنفس في حضارة طغت عليها المادة من الأهمية بمكان مثل الصناعة أو التقدم المادي وتحقيق الرفاهية المادية.
---------------------------------------------------------
المصدر: الحب بين الفلسفة والعلم
د :علي السيد سليمان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً أختي شووق على الكلام الجميل وشكراً على التواصل
شكراً أخي الكنز على الراي وإطالة الموضوع إنما هدفه إيصال المعلومة بشكل أكثر شمولية .. شكراً على التواصل
مع تحيات S.B