مفهوم القدوة الحسنة :
القدوة : هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسناً وإن قبحاً ، وإن ساراً وإن ضاراً ، ولهذا قال تعالى :
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ).
والأسوة أو القدوة نوعان : أسوة حسنة وأسوة سيئة ، فالأسوة الحسنة الأسوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأما الأسوة بغيره إذا خالفه فهي أسوة سيئة ، كقول المشركين حين دعتهم الرسل للتأسي بهم ( بل قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على إثرهم مهتدون )، والمقصود هنا أن يكون الداعية المسلم قدوة صالحة فيما يدعو إليه فلا يناقض قوله فعله ، ولا فعله قوله.
· أهمية القدوة الحسنة :
ويكن إجمال أهمية القدوة الحسنة في الأمور التالية : 1- إن المثال الحي والقدوة الصالحة يثير في نفس البصير العاقل قدراً كبيراً من
الاستحسان والإعجاب والتقدير والمحبة ، فيميل إلى الخير ، ويتطلع إلى مراتب الكمال ويأخذ يحاول يعمل مثله حتى يحتل درجة الكمال والاستقامة.2- إن القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل والأعمال الصالحة من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال. 3- إن الأتباع والمدعوين الذين يربيهم ويدعوهم الداعية ينظرون إليه نظرة دقيقة دون أن يعلم هو أنه تحت رقابة مجهرية ، فرب عمل يقوم به من المخالفات لا يلقي له بالا يكون في نظرهم من الكبائر ، لأنهم يعدونه قدوة لهم.4- الفعل أبلغ من القول إن مستويات الفهم للكلام عند الناس تتفاوت ، ولكن الجميع يستوون أمام الرؤية بالعين المجردة ، وذلك أيسر في إيصال المفاهيم التي يريد الداعية إيصالها للناس المقتدين به.
وفي هذا أمثلة كثيرة أذكر منها : ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة : أذن يأذن لهم في القتال وأن ينصروا فيكملوا عمرتهم ، قالت له أم سلمة : أخرج إليهم واذبح واحلق ففعل فتابعوه مسرعين ، فدل ذلك كله على أهمية القدوة وعظيم مكانتها .5- إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر الدعاة من المخالفة لما يقولون ،فبين صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف حال الدعاة الذين يأمرون الناس
وينهونهم وينسون أنفسهم ، قال : (( أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار ، كلما قرضت وفت ، فقلت ياجبريل من هؤلاء؟ قال :خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون ، ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون به )) ،ولا يقتصر الخطر على الداعية وعلى دينه بل يتعدى إلى كل من يدعوهم .فليحتاط الداعية لهذا الأمر المهم ، ويراقب أفعاله وأقواله .. وليُري الله تعالى من نفسه خيرا .
6- إن جميه الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم كانوا قدوة حسنة لأقوامهم ، وهذا يدل على عِطم وأهمية القدوة الحسنة ، ولهذا قال شعيب عليه السلام لقومه : [ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلاالإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ]. 7- إن الناس كما ينظرون إلى الداعية في أعماله وتصرفاته ينظرون إلى أسرته وأهل بيته وإلى مدى تطبيقهم لما يقول ، وهذا يفيد ويبين أن الداعية كما يجب عليه أن يكون قدوة في نفسه يجب عليه أن يقوم أهل بيته وأسرته وسلزمهم بما
يأمر به الناس ، ويدعوهم إليه ، ولهذه الأهمية كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء ، جمع أهله فقال : (( إني نهيت الناس عن كذا وكذا ، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ، وأقسم بالله لا أجد
أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة )).
* المبحث الثالث : وجوب القدوة الحسنة(1) قال الله – جل وعلا - : [ يا أيها الذين ءامنوا لم تقولون مالا تفعلون ، كبر مقتاً
عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ] ، [ ومن أحسن قولا ممن دعآ إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ] ، هذه الآية العظيمة تبين لنا أنا الداعي إلى الله - عز وجل – ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه ، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً ، ولهذا قال بعده [ وعمل
صالحاً ] ، فالداعي إلى الله – عز وجل – يكون داعية من الناس ، هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة ، وهم يوجهون الناس بأقوالهم والأعمال فصاروا قدوة صالحة في اقوالهم وأعمالهم وسيرتهم . فالداعي إلى الله - عز وجل - من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة
حسنة وذا عمل صالح ، وذا خلق فاضل حتى يقتدى بفعاله وأقواله .أيضاً فإن هذه الآية الكريمة تفيد أن الدعاة إلى الله – عز وجل – هم أحسن الناس قولاً إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح ، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفيح بهذه النعمة العظيمة ، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها . (2) قال الله موبخاً اليهود : [ أتأمون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب
أفلا تعقلون ] ، فأرشد – سبحانه – في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل . (3) صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في
النار قتندلق أقتاب فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه ، وأنهاكم عن المنكر وآتيه )) . هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، ثم خالف قوله فعله ، وفعله قوله ، نعوذ بالله من ذلك ، فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية ،
أن يعمل بما يدعوا إليه ، وأن ينتهي عما ينهى عنه .فينبغي للدعاة إلى الله تعلى أن يعنوا عناية تامة بالقرآن والسنة ، فالعلم هو ماقاله
الله في كتابه الكريم ، أو ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، في سنته الصحيحة ، ليعرف ما أمر الله به وما نهى عنه ، ويعرف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الله وإنكاره المنكر وطريقة أصحابة – رضي الله عنهم -.وهل هناك هدف للمؤمن أعظم من أن يكون على أهدى السبل وأقومها . فعلى جميع أهل العلم وطلبته أن يعنوا بهذا الخلق ، وأن يقبلوا على كتاب الله قراءة وتدبراً وتعقلاً وعملاً ، يقول – سبحانه وتعالى – : [ كتاب أنزلنه إليك مبارك ليدبروا ءايته وليتذكر ألوا الألباب ].