لأماميون والخلفيون

[عسل الخبر]

الأماميون والخلفيون
دائماً يجلس الطالب الذي يشعر بأنه ذكي ومتفوق في الصفوف الأولى من الفصل
الدراسي.أما الطالب الذي يشعر بأنه أقل من أقرانه في التحصيل والأستيعاب
والمذاكره ، فيجلس في آخر الفصل ،معترفاً باختياره ذلك،بأنه لا يستطيع مجاراة
زملائه الأمامين في التميز ، ومتجنباً احراج المدرسين له بأسئلتهم المباغته،وداعياَ
ربه بأن تنتهي الحصه قبل أن ياتي عليه الدور للتسميع،او الاجابه عن الاسئله
التي يطرحها المدرسون على الطلبه بالدور.
وللأسف ينظر كثير من المدرسين الى هؤلاء الطلبه ،الذين يختارون الجلوس في
الخلف وسأسميهم هنا الخلفين،نظرة فيها شيىء من الدونيه وقلة الاحترام ايضاً،
مقارنه بنظرتهم الى الاماميين .
فهذه الفئه من المدرسين تعتقد ان الاماميين هما الذين يبيضون وجوههم امام
الادارة وامام المفتشين ،وهم الدليل الحقيقي على مستوى المدرس،ومدى تمكنه
من مادته ومتفوقه في توصيل المعلومه الى ذهن الطالب .
اما الخلفيون فهم وبال على المدرس ،ولا ينفعون في الاوقات التي يحتاج فيها
اليهم،بل انهم يعكسون صوره غير حقيقيه عنه،ومن هنا اتوجه لتدليل كثير من المدرسين
للأمامين على حساب الخلفيين ، وهذا بدوره ينعكس على نفسيات فاشلون ،لتبدأ
الهوة تتسع بينهم وبين حبهم التعليم .
ويزيدهم ألماً ونفوراً من المدرسة بعض المفردات التي يصفهم بها مدرسوهم مثل:
(( ياغبي )) (( ياحمار )) (( ياجاهل )) (( يااهبل))
(( يا فاشل )) ((عمرك ما بتتعلم ))!!.
وأذكر أن أحد المدرسين المصريين، عندما كنا في المرحلة الثانوية، كان لا يكتفي
بذكر الصفات السابقة ، انما كان يمسح ذقنه ويقول لنا:(( آدي دأني لو مافلحتو))
(( وأقطع دراعي لو نجحتو)) وكان يرش كلماته تلك على كل من في الفصل
، من دون استثناء .
على الرغم من أننا كنا أمامين ، وكانت كلماته تصل إلينا قبل أن تصل إلى الخلفيين
أما الخلفيون ، فكان لهم برنامج خاص بهم ، حيث إنه يذهب إليهم ويقف على رؤسهم المنحنية
، خوفاً وخجلاً ليشبعهم ردحاً وقدحاً ، ذماً وغماً، ويتفنن في المفردات التي جلبها
معه من شارع محمد علي ، متناسياً أن مهمته ،هي التربية قبل التعليم.
ولكننا اكتشفنا أن نظرية الأماميين والخلفيين،التي كنا نؤمن بها ونحن على مقاعد
الدراسة، هي نظرية خطأ ، وذلك بعد انخراطنا في الحياة العلمية .
فكثير من الخلفيين الذين كانو معنا في الفصل أو في المدرسة ، برعوا في
حياتهم العلمية ، وتفوقوا على كثير من الأماميين . وتبوأوا مناصب مرموقة ،
وإن كانت الواسطة قد خدمت القلة القليلة منهم، فإن هذه القلة أثيتت أيضاً قدرتها
على تحمل المسؤولية.
وعلى المستوى الإبداعي العالمي ، فإن ما يثبت خطا نظرية الأماميين والخلفيين ،

وأن أداء الطالب في الفصل ليس شرطاً للحكم على قدرته العقلية ، هو علمنا بأن توماس
أديسون ( 1847-1931م )، مخترع (( المصباح الكهربائي ))
كان يصفه زملاؤه الطلبه بالأبله ، وكان والده يعتقد أنه تلميذ غبي ، ذو دماغ فاسد،
و أن إسحاق نيوتن ( 1642-1727م ) مكتشف (( قوانين الجاذبية))
كان خاملاً ، وكان أوطأ أقرانه في الفصل، وأن تشارلز داروين(1809-1882م)
صاحب نظرية (( التطور في الأجناس الحية ))كان والده يرى فيه طفلاً عادياً
لايصلح لشيء سوى صيد الكلاب والقطط ، وأنه عار على نفسه وعائلته ، وأن
ليوتو لستوي ( 1828-1910م) الروائي الأشهر ، صاحب( الحرب والأسلام)
و ( آنا كارنينا )،وصفه معلموه بأنه غير راغب وغير قادر على التعلم ، و أن
إميل زولا(1840-1902م) الروائي الفرنسي، زعيم المدرسة الطبيعية
الواقعية، كان تلميذاً رديئاً كما كان يقال عنه ، وقد ترك المدرسة ورفض العودة لها،
و أن كثيرين من العظماء سواهم ، مثل آينشتاين وبيكاسو وبسمارك و بلزاك، قد
فشلوا فشلاً ذريعاً في دراستهم.
فيا أيها المدرسون ، ويا أولياء الأمور:لا تقسوا على أبنائكم الخلفيين، وتنتظروا
إليهم نظرة دونية، وتحسسوهم بالقصور.فقد يكون بينهم:المتنبي أو صلاح الدين
الأيوبي أو أبن خلدون أو الرازي أو ابن سينا.
ويا أيها الخلفيون: اكتشفوا طاقاتكم الكامنة، وأثبتوا مرة أخرى خطأ النظرية.