أسلم قوياً , وهاجر قوياً , وقتل قوياً , شمرقميصه في اليقظه فجره في المنام ,
أراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل قصره فيالجنة فذكرَ غيرته فلم يدخل .
إسلامه فتحٌ هزَّ مكة , وهجرتهُ نصرلأنه هاجر متحديّاً شامخاً ظاهراً , وخلافته رحمة
لأنه أول الجائعينوالمساكين والزاهدين.
شـكــــراًً لــــذاك الفــــذِّ ليــــت حيــــاته طــــالت وليــــتسنيــــنه أحقــــابا
إنهعمــــــــر الفاروق ....
وضع يمينه في يمين الرسول صلى الله عليه وسلمفي دار الأرقم بن أبي الأرقم ,
فعزَّ الإسلام , وارتفعت الأعلام , وانهزمتالأصنام , واندك الباطل ,
وسحق الزيف , وقمع الضلال , وغربت شمس الزور
وضعها في يمين أبي بكر في سقيفة بني ساعدة , فساد الأمن , وتوطدت الخلافة ,
وحسمت الفتنة , كسر بسيف الشرع ظهركسرى , وقصر بالحق
آمال قيصر , وأرهق بكتائب الله هرقل .
إذاسمع الباطل أزبد وأرعد , وتهدد , وقام وقعد , وأنجز ما توّعد ,
وإذا سمعالقرآن بكى وشكى وتململ وتزلزل .
خاف الشيطان منه , وارتعد لرؤيته الهرمزان , وانتهت به دولة آل ساسان .
أيــــا عمــــر الفاروق هــــل لك عــــودةٌ فإن جيــــوش الروم تنــــهىوتــــأمرُ
تنــــاديك مــــن شــــوق مــــآذن مكــــة وتبكيــــك بــــدرٌيا حبيــــبي وخيبــــر
هدّمت به قصور فارس لأن بيته من طين , وكسرت به سيوف رستم لأن في يده درةوخلعت
به تيجان آل كسرى لأن قميصه مرقّع
له ثلاث وقفات , وثلاثرؤى , وثلاث كلمات
تعرّضَ للموت في كل مكان , فما وجده إلا في المحراب , دوّخ ملوك العالم
فقتله عبد , قُتِلَ ساجداً لأن قاتله لم يسجد أبداً , خرجاللبن الذي شربه
يوم طعن , لأنه اكتفى بفضل ما شربه من لبن الرسول صلى اللهعليه وسلم
في عــــروق الحــــبِّ يســــري دافقــــاً من دمــــاء الجــــرحأو دمــــع الحبيــــب
يقول وهو يتنهد : يا ليتني كنتُ شجرةً فأُعضد , فنال الشهادة في المسجد
وفــــاة قــــامت الدنيــــا تعــــزى ونـــاح الدهــــرُواهتــــزَّ الزمــــانُ
وافق الوحي , وخالف الهوى , وتابع المعصوم , وتلا الصدِّيق , وسبق الملوك ,
وصحب العدل , وجدَّ في الأمر , وعزم على الرشد .
سمِع الوحيفقال : الله أكبر , وقرقر بطنه من الجوع فقال : قرقر أو لا تقرقر ,
فبقر فيسبيل الله بالخنجر , طالت همته فقصر أمله , وكبرت نيته فصغرت نفسه ,
واتسعفهمه فضاق وهمه , كان للظلم بالمرصاد , فكم من ظالم قد صاد ,
ظنه يقين , لأنه صحب الأمين , وردد وراءه آمين .
قيل له الروم بالجيوش رموك ؛ فقال الموعد اليرموك ؛ أطلق كسرى الرصاص ,
فكتب عليه القصاص , وأرسل له سعد بن أبي وقاص
هو باب دون الفتنةكسر , فدخلت منه الطوائف , كلما دخلت منه أمّة فاقت في الشر أختها ,
وأرادأهل الضلال العبث في الكتابة , فضرب بينهم بسور له باب ,
خرج من الدنيافأطلَّت برأسها الخوارج ,
ورفض العيش فأقبلت الرافضة , ولقي قدره فعشعشتالقدرية , افترس فارس
بسعد الفوارس , ورمي الروم بخالد فطاش راميها , وبعثرسجستان
بالنعمان , وأرغم هرقل وأنو شروان , وجبى خزائنهما , يخرج منهمااللؤلؤ
والمرجان .
قُتِلَ عمر ولكنه عاش , وارتحل لكنه أقام , هو فينا في ضمائرنا , في عروقنا
في دمائنا , في قلوبنا , في عيوننا , في الأبطال , في الرجال , فيالأطفال
فكيــــف تذهــــب يا من حبــــه أبدا في كــــل قلــــب وهــــلللحــــب من أجــــلِ
طبت يا عمر حياًوطبت ميتا لبست جديداً وعشت حميداً ومت شهيدا
المصدر/ حدائق ذاتبهجة للشيخ عائض القرني