لأول مرة تجمع أوراقها..وتنوي أن تفعل شيء غير معتاد..!!
ملّت الكراسات..والأقلام المصبوغة باللون الأحمر..ويدها تمر مصححة..ومتابعة للأوراق..ملّت اللون الرمادي زيا موحدا تريديه الطالبات..ملّت أن يغريها الصباح..في طابور المدرسة تلم أشتات الفتيات لتسوقهن إلى الصف الدراسي..تعبت من عبوس المديرة ومن تباين نفوس المعلمات..
إيمانا..أنها عملية تدور في رحى الاعتيادية..وبداخلها رغبة..ليس إلا..!تنافس الاعتيادية المملة..!
ولأول مرة تجمع أوراقها..وتقرر أن تكتب شيء ..غير معتاد..و تكسر سيف الروتين الذي سطى على شرايينها وامتص عذوبة الانطلاق للحياة فبقت مقيدة..في يوم دراسي ..وروتين أسرىّ كاسر..!
شيء..تمليه رغبة تمحو هذا التوتر والقلق..والفجائع المتتالية..
قررت..أن تغيب..لتكون حاضرة..قررت أن تسافر..لتمارس روعة الإياب..
أن تتمرد ..وتعود إلى كل هذه الأسوار المحاطة بها بشكل جديد..
رأت ..أن تستقيل ..أربع سنوات ..! كافية للعطاء..وما بعدها..اعتياد..!
رأت..أن تعيد الحب الذي كان مرسوم بالأحداق لهذا الزوج الذي اغتاله الروتين وسحبته عجلة الحياة..
رأت ..أن تمارس دوربة البيت الذي أتقنته الخادمة وسلبته الحياة الوظيفية منها..
رأت ..أن تسترجع لغة الالتصاق الأول بينها وبين أطفالها الذين طغت عليهم حياة السرعة..
رأت.. أن تعيد الصلات الفاترة بينها وبين الصويحبات ورفيقات العمر..!
رأت.. رأت.. رأت .. وقررت..أن ترفع رأسها لتنظر إلى الساعة المسمّرة في الحائط منذ أربع سنوات دراسية مارست فيها روتين التعليم..!
بذهول ..بشرود..قارنت بينها وبين ساعتها..!
الثالثة..ظهرا..!الثالثة عصرا..! أي زمن..؟ أي وقت..؟!
أيّ دقائق فرّت هاربة..!!
رأت..وقررت..أن تلم أوراقها..المملؤة إقرار
وأخذت عباءتها..وحقيبتها وكراسات الطالبات..! والقلم الأحمر ..وانتهبت سلم الدرج حثيثا..خلّت المدرسة من الطالبات والمعلمات..
وصوت من الخارج ينادى بإلحاح..يدعوها للخروج مستبطئا تأخيرها الغير معتاد..وعقلها مملوء بأفكار شتى ..بماذا تفسر التأخير ..؟ ماذا تقول عن جلوسها ..الطويل في المدرسة بلا عذر..
ستصل..هل الوقت يسعف لإعداد الطعام وملاحظة الأطفال..واقتطاع راحة لا تزيد عن نصف ساعة للنوم..وأعباء المنزل وكراسات الطالبات..وأداء المهمات والأعباء..وقضاء ما يمكن انقضاؤه في يوم نصفه راح..؟؟!
ولم تنسى أن ترمي بإقرارها..في أقرب سلة مهملات ومضت..عاصفة كأنها الريح تسابق وقت يومها المنصرم…!!!