مواقف يوم القيامة
مواقف يوم القيامة
تأليف السيد الجميلي
اهداء
الى روح امي التي ما برحت تبعث في نفسي كل لحظة الدأب والجد في عطاء جديد متصل من اجل بث الخير في ربوع النفوس..
رحمها الله وافسحح لها في قبرها ونور لها فيه وجزاها عني كل رحمة ورضوان واسكنها فراديس الجنان .
السيد الجميلي
****
المقدمة
الحمد لله رب العالمين خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى لا اله الا هو رب العرش العظيم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
وبعد:
قرأنا فيما سلف لاخواننا من مفكري الاسلام القدماء عن مشاهد القيامة في القرآن وما شاكل ذلك من مسائل متصلة عن قريب او بعيد بيوم القيامة وعلى غرار هذه العناوين مضى الكثيرون مسترسلين في الحديث عن هذه الاشياء ولكن احدا لم يتقرب من مواقف يوم القيامة لا لشيء الا لوعورة المسلك ودقة الموقف ومشقة التناول وعمق التحقيق .
ولم يخل بحث من قصور مهما كان قليلا وهذا القصور قد تقبل فيه المعاذير. وقد ترفض تماما وللباحث المقصر ثواب المجتهد المخطيء لا يحرمه الله سبحانه وتعالى من اجر ولكن في مواقف القيامة فان التقصير لا مبرر له لانه جد خطير ويجب ان يستبعد ادنى سبب اجتهادي او علة تؤدي الى قصور مهما كان والا كانت الخسارة جسيمة فادحة لا يستطاع أداء دينها بحال .
ومن جراء ذلك رجعنا وراجعنا المتون والاسانيد في كل صغيرة وكبيرة اذ ان تهيب هذا التناول واجب شرعي حتمي. لذلك عمدنا الى استقراء واستقصاء كل متون التفسير تقريبا ومراجع الفقه وانفقنا وقتا طويلا دون ادنى
ملل او سآمة للاستدلال والتحقيق والتوثيق كما اهتممنا بورود وسرد المراجع كلها التي استقى البحث منها مادته واثبتناها في حينها وفي مكانها حتى يسهل على الباحث الرجوع الى المصادر الاساسية متى شاء.
ويوم القيامة قد اقرته جميع الشرائع الدينية القديمة وحتى الوثنيون انفسهم آمنوا بالبعث وباليوم الاخر والجزاء ويومئذ يختلف موقف البشر من حال الى حال
فهم جميعا ليسوا على حال واحدة انما تتفاوت مراتبهم ودرجات المؤمنين على دركات الاخسرين اعمالا.
وقد اجاب الكتاب على كثير من التساؤلات التي تشغل بال الناس واوردنا ما قاله الأئمة المفسرون في تاويل نقاط في غاية الاهمية وفي النهاية اوردنا ما اطمأن اليه خاطرنا انه الصواب وبالله التوفيق ومنه المعونة.
اللهم انا نسالك التثبيت والامان يوم الفزع الاكبر وان تجمع بيننا وبين الاحبة في عرصات القيامة وتمتع عيوننا
بالنظر الى وجهك الكريم .
_________________
بسم الله الرحمن الرحيم
( فاذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة، فيومئذ وقعت الواقعة،وانشقت السماء فهي يومئذ واهية )
الحاقة 69/13-15
قال تعالى يصور فناء هذا العالم في آيات كثيرة في القرآن الكريم على سبيل المثال أتينا بالتصوير المبين في الآيات الموضحة قبل ، ففي نفخة واحدة في الصور تندك الارض والجبال وينشق العالم الأثيري وينفجر انفجار القنابل الهيدروجينية والذرية كما هو معروف فان انفجار قنبلة ذرية في حجم لا تراه العين المجردة يهلك الحرث والنسل ويدع الحصون والقلاع بلاقع فلا تكاد ترى همسا ولا حسا كما حدث في قنبلة هيروشيما فما بالنا ببلايين الذرات في بلايين المجرات والسدم انها تنشق جميعا فتحدث صيحة وضجة لا يبقى بعدها في السموات ولا في الارض ديار ولا نافخ نار ولا صادح ولا باغم ولا ملك مقرب ولا نجم ساطع ولا كوكب لامع .
والصور : قرن على هيئة البوق لا ندري ما هو انه من عالم الغيب كالعرش والكرسي والقلم واللوح المحفوظ والبيت المعمور وغير ذلك مما اشار الله اليه في القرآن الكريم وترك لنا تفصيله وطلب منا الايمان به فما كل ما في كون الله يراه الانسان فالى عهد قريب في القرن السابع عشر اخترعت المناظير المكبرة والعدسات فراينا عوالم الفضاء وكان المظنون ان الارض هي مركز الكون فاذا بها بعد هذه الاكتشافات الحديثة كوكب حقير لا قيمة له في هذا الكون الواسع ودنيا هذا الكوكب يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء "
وبعض العلماء مضى في سبيل التاويل ولكن الاسلم الا تؤول ونترك ما لله لله . ففي يوم القيامة سنعرف كل شيء مما اخفاه الله عنا .
قال تعالى في سورة ق :
( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ).
ق 50/22
وانما يعمد اللغوي الى التاويل اذا كانت هناك استحالة ولكن لا يستحيل على الله سبحانه وتعالى شيء .
ولما كان الله سبحانه وتعالى يخلق الاسباب والمسببات فقد وكل اسرافيل عليه السلام بالنفخ فيه مرتين باذن الله تعالى وفي النفخة الاولى يهتز سير النظام الكوني فتندك الكواكب والنجوم والاراضي ويعود العالم كما كان لا شيء غير الواحد القهار يقول تعالى :
" لمن الملك اليوم فيجيب ذاته بذاته : لله الواحد القهار .
وفي سورة الزمر 39/68 يقول القران الكريم:
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ).
لقد هلك العالم الكوني كله : ما فيه من سدم ومجرات ومجموعات شمسية وبروج سماوية وما الى ذلك مما لا يعلمه الا الله فمن هم هؤلاء الذين شملتهم المشيئة الالهية بالحياة ؟.
قيل هم : جبرائيل وميكائيل واسرافيل رؤساء الملائكة المعروفون لنا ويقبض الله سبحانه وتعالى ارواحهم كما شاء بيده التي لا نعلمها وليست جارحة " محدودة " كيدنا حاشا لله .
في هذا الموضوع اقوال كثيرة يهمنا الايمان بان هناك من يستثنيهم الله من الصعق لعلهم يفتنون بغيره وما احسن التفويض فيما لا فائدة في نقاشه والبحث عنه ففي المنظور من الكون يقول الله تعالى ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير )
فما الفائدة في نقاش اشياء غير منظورة ولن تصل اليها المناظير المكبرة فهي من خصوصياته سبحانه وتعالى.
ينفرد الله سبحانه وتعالى - بعد ذلك بالبقاء - تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى في سورة الحديد:
( هو الاول والآخر )... الى اخر الاية الكريمة
الحديد 57/3
****
ان الدارسين لجغرافية الكون يقولون: ان الكون كالبالون يتسع شيئا فشيئا ولعل قولهم العلمي هذا يناسب الاية القرانية الكريمة:
( والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون )
الذاريات 51/47
ومن شأن " البلون " ان ينفجر اذا ضعفت مقاومة جدرانه الجلدية الرقيقة للاتساع الهوائي فيه فهذا الكون على هذا النمط والاتساع الهائل لا بد ان يفقد فيه التوازن ولا بد ان تنفجر ذراته.. ذلك رأي علماء الدراسات الكونية وفي سورة الانعام ( ويوم ينفخ في الصور )
النمل 27/78
قال المفسرون : الصور قرن من نور ينفخ فيه النفخة الاولى للفناء والثانية للانشاء.
وقد اوله احدهم: اي ينفخ في صور الموتى وهو تاويل سخيف بعيد عن حقيقة اللفظ. والذي ينفخ في الصور اسرافيل عليه السلام ومن انكر ان الصور قرن ينفخ فيه كان كمن انكر العرش والميزان والصراط وطلب لها تاويلات .
وفي قراءة للحسن وعياض ( يوم ينفخ في الصور )
النبأ 78/18
بفتح الواو جمع صورة يعنون صور الخلق يوم القيامة
اي ينفخ في صور الموتى والارواح ولكن هذه القراءة متروكة والاجماع على اللفظ المتعارف عليه الصور : اي القرن الذي لا نعلم عن حقيقته شيئا كما لا نعلم عن اسرار الله وملكوته الا ما علمنا الله سبحانه وتعالى قال تعالى
في سورة لقمان :
( ولله ما في السموات والارض ان الله هو الغني الحميد ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفذت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير)28
ويقول العلامة القرطبي: ان القائلين ان الصور: جمع صورة اي قراءة الكلمة بفتح الواو مردود بالكتاب والسنة.
ونقول نحن ايضا: مردود من الناحية اللغوية فان الصور ينفخ فيه مرتين مرة للفناء واخرى للانشاء فكيف ينفخ في الصور ( جمع صورة ) لنفنى وان اجيز النفخ فيها للاحياء .
القائلون بهذا حجتهم قول الله تعالى ونفخنا فيه من روحنا ) وهو استدلال في غير محله .
النفخة الاولى : نفخة الصعق : اي الموت الفجائي.
والى هذه النتيجة يشير الله تعالى بقوله:
( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض )
الزمر 39/68
اي يفنى العالم كله الا من شاء الله وينفرد الله سبحانه وتعالى بعد ان يفنى جميع خلقه من فني منهم بالصعقة ومن فني منهم بقبض ارواحهم بما يعلمه الله سبحانه وتعالى واخرهم موتا عزرائيل وينفرد الله لا اله الا هو بالدوام .
وقال تعالى في سورة يس:
( ويقولون متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ما ينظرون الا صيحة واحدة تاخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا الى اهلهم يرجعون ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ان كانت الا صيحة واحدة فاذا هم لدينا محضرون فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون ).
يس 36/48/54
تكلمنا عن النفخة الاولى وقلنا ان الله سبحانه وتعالى بعد ان يفني السموات والارض يخاطب ذاته بذاته :
" لمن الملك اليوم ؟ ويجيب ذاته: لله الواحد القهار "
ثم بعد هذه الفترة يحي الله اسرافيل ويامره ان ينفخ في الصور نفخة اخرى هي الثانية - نفخة البعث- فترد الارواح الى اجيادها فاذا هم قيام ينظرون الى هذا اليوم الجديد يوم القيامة .
يقول الكفار : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا من الاجداث التي كانوا فيها فتاتا رميما .
فتجيبهم الملائكة : هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون وفي الحديث الشريف عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كما جاء في مسند احمد واللفظ له:
يخرج الدجال في امتي فيمكث اربعين- لا ادري اربعين يوما او اربعين شهرا او اربعين عاما - فيبعث الله تعالى عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم لقد رفع عيسى الى السماء في مكان من امكنتها لعله نائم كنومة اهل الكهف او لعله حي كحياة البشر في كوكب اخر كل ذلك علمه عند ربي فسينزل اخر الزمان ليحارب الدجال ويقتله كما جاء في الاحاديث الصحيحة وليس في العقل ما يمنع حدوث ذلك ولا في الشرع ما يبطله وانكر بعض المعتزلة والجهمية وزعموا ان هذه الاحاديث تعارض قوله تعالى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين وحديث الرسول لا نبي بعدي وان شريعته مؤيدة الى يوم القيامة وهو استدلال باطل لان عيسى لن يحكم الارض بشرع جديد .
فقد صحت الاحاديث انه يحكم بشريعة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم راجع النووي في شرحه لصحيح مسلم . كأنه عروة بن مسعود ثم يرسل الله عز وجل ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الارض احد في قلبه مثقال ذرة من خير او ايمان الا قبضته ( اماتته )
حتى لو ان احدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه.
قال :" سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" فيبقى شرار الناس في خفة الطير واحلام السباع ( اي يسرعون الى المعاصي والشهوات كأنهم حيوانات ) لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيتمثل لهم الشيطان فيقول : الا تستجيبون ؟ فيقولون: فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الاوثان وهم في ذلك دار - كثير - رزقهم حسن عيشهم . ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه احد الا اصغى ليتا ورفع ليتا ( الليت : صفحة العنق ) قال : فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله او قال: ينزل الله مطرا كانه الطل او الظل فتنبت منه اجساد الناس ثم ينفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون. ثم يقال : يا ايها الناس هلموا الى ربكم " وقفوهم انهم مسؤولون " قال : ثم يقال : اخرجوا بعث النار فيقال : من كم ؟ فيقال : من الف وتسعمائة وتسعة وتسعين. قال فذاك يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق - يكشف عن شدة وهول عظيم كما يقال كشفت الحرب عن ساقها - اي اشتد اوارها .
حديث : رواه الشيخان واللفظ سليم .
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين اربعون" قالوا: يا ابا هريرة اربعون يوما. قال ابيت . قالوا اربعون شهرا قال ابيت قالوا اربعون سنة قال ابيت
" ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس من الانسان شيء الا يبلى الا عظما واحدا هو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة "
تعليقا على هذا الحديث
1- ما بين النفختين: نفخة الصعق والفناء ونفخة الانشاء والقيامة .
2- اربعون :لم يبين ابو هريرة تمييزا للاربعين هل هي ايام او شهور او سنون لعدم علمه بذلك ولعله سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم مجملة من غير بيان نوعها وجاء في رواية مسلم انها اربعون سنة فان صحت الرواية فلعله تردد في حال او جزم في حال اخر .
3- نزول المطر من السماء اي شبيها بمني الرجال فينبت الموتى في قبورهم كما ينبت الزرع في باطن الارض وتستعد اجسادهم لقبول الحياة بعودة الروح اليها .
4- عجب الذنب: بفتحة ثم سكون الوسط ويقال عجم الذنب والذنب بفتحتين هو عظم دقيق كحبة الخردل في اسفل الصلب عند العجز وهي للانسان كالحبة للزرع .
****
فناء الناس
والايات كثيرة في القران الكريم تقرر فناء الناس:
والاحاديث توضح ذلك :
والعلم التجريبي القائم على كشف التموجات الاشعاعية ودراسة الكون تؤيد ما جاء في القران الكريم من ان لهذا العالم نهاية .
وان كانت الايات القرانية اعطت لنا صورا ومشاهد وكذا الاحاديث النبوية قربت الينا هذا الحدث العظيم:
اذا رجت الارض رجا وبثت الجبال بثا فكانت هباء منبثا وقرع الكون بالقارعة وما ادراك ما القارعة وزلزلة الارض وخروج الكواكب عن مداراتها .
( فاذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الانسان يومئذ اين المفر ).
القيامة 75/7-9
علم هذه الحقائق عند ربي .
وما علينا الا ان نؤمن بما جاء من عند ربنا .
وليست هذه الحقائق كما نتصورها. فعقولنا ضعيفة والحوادث ذاتها عظيمة فوق العقول>>
سحر الحياه