بسم الله الرحمن الرحيم
حق الأولاد
الأولاد يشمل البنين والبنات ، وحقوق الأولاد كثيرة من أهمها : التربية وهي تنمية الدين والأخلاق في نفوسهم حتى يكونوا على جانب كبير من ذلك . قال اللّه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته فالأولاد أمانة في عنق الوالدين ، وهما مسئولان عنهم يوم القيامة ، وبتربيتهم التربية الدينية والأخلاقية يخرج الوالدان من تبعة هذه الرعية ويصلح الأولاد فيكونون قرة عين الأبوين في الدنيا والآخرة ، يقول اللّه تعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ ( أي ما نقصناهم ) مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به من بعده ، أو ولد صالح يدعو له فهذا من ثمرة تأديب الولد إذا تربى تربية صالحة أن يكون نافعاً لوالديه حتى بعد الممات .
ولقد استهان كثير من الوالدين بهذا الحق ، فأضاعوا أولادهم ، ونسوهم كأن لا مسئولية لهم عليهم ، لا يسألون أين ذهبوا ، ولا متى جاءوا ، ولا من أصدقاؤهم وأصحابهم ، ولا يوجهونهم إلى خير ، ولا ينهونهم عن شر . ومن العجب أن هؤلاء حريصون كل الحرص على أموالهم بحفظها وتنميتها والسهر على ما يصلحها مع أنهم ينمون هذا المال ويصلحونه لغيرهم غالباً ، أما الأولاد فليسوا منهم في شيء ، مع أن المحافظة عليهم أولى وأنفع في الدنيا والآخرة . وكما أن الوالد يجب عليه تغذية جسم الولد بالطعام والشراب ، وكسوة بدنه باللباس ، كذلك يجب عليه أن يغذي قلب ولده بالعلم والإيمان ، ويكسو روحه بلباس التقوى فذلك خير .
ومن حقوق الأولاد : أن ينفق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقصير ، لأن ذلك من واجب أولاده عليه ، ومن شكر نعمة اللّه عليه بما أعطاه من المال ، وكيف يمنعهم المال في حياته ويبخل عليهم به ليجمعه لهم فيأخذونه قهراً بعد مماته ؟ حتى لو بخل عليهم بما يجب فلهم أن يأخذوا من ماله ما يكفيهم بالمعروف كما أفتى بذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هند بنت عتبة
ومن حقوق الأولاد : أن لا يفضل أحداً منهم على أحد في العطايا والهبات ، فلا يعطي بعض أولاده شيئا ويحرم الآخر فإن ذلك من الجور والظلم واللّه لا يحب الظالمين ، ولأن ذلك يؤدي إلى تنفير المحرومين وحدوث العداوة بينهم وبين الموهوبين ، بل ربما تكون العداوة بين المحرومين وبين آبائهم . وبعض الناس يُميزّ أحداً من أولاده على الآَخرين بالبر والعطف على والديه ، فيخصه والده بالهبة والعطية من أجل ما امتاز به من البر ، ولكن هذا غير مبرر للتخصيص ، فالمتميز بالبر لا يجوز أن يعطى عوضاً عن بره ؟ لأن أجر بره على اللّه ، ولأن تمييز البارّ بالعطية يوجب أن يعجب ببره ويرى له فضلاً ، وأن ينفر الآخر ويستمر في عقوقه ، ثم إننا لا ندري فقد تتغير الأحوال فينقلب البارّ عاقاً والعاق بارا ؟ لأن القلوب بيد اللّه يقلبها كيف يشاء .
وفي الصحيحين - صحيح البخاري ومسلم - عن النعمان ابن بشير أن أباه بشير بن سعد وهبه غلاماً فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أكل ولدك - نحلته مثل هذ ؟ قال : لا . قال : فأرجعه وفي رواية قال : اتقوا اللّه واعدلوا بين أولادكم وفي لفظ أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور فسمى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تفضيل بعض الأولاد على بعضا : جوراً ، والجور ظلم وحرام .
لكن لو أعطى بعضهم شيئاً يحتاجه والثاني لا يحتاجه مثل أن يحتاج أحد الأولاد إلى أدوات مكتبية أو علاج أو زواج فلا بأس أن يخصه بما يحتاج إليه ؟ لأن هذا تخصيص من أجل الحاجة فيكون كالنفقة .
ومتى قام الوالد بما يجب عليه للولد من التربية والنفقة فإنه حريّ أن يوفّق الولد للقيام ببر والده ، ومراعاة حقوقه ، ومتى فرّط الوالد بما يجب عليه من ذلك كان جديراً بالعقوبة بأن ينكر الولد حقه ويبتلى بعقوبة جزاءً وفاقا ، وكما تدين تدان .