الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
فإنه في رمضان تصفد الشياطين ، لكنها في وسائل الإعلام في كثير من الدول الإسلامية ، تتنادى وتجتمع لتقيم الأفراح والليالي الملاح ، وتلعب بالأهواء وتلهب الشهوات وتفتح الباب على مصراعيه للتسيب والتحلل والرذيلة في هذا الشهر الفضيل ، في رمضان يكثر العباد والركع السجود ، والقراء والهجد الخشوع ، ويصان السمع والبصر واللسان عن الفحش والفجور والعصيان ، وفي وسائل الإعلام يكثر الرقص والتثني ويزاد العري والتغني ، ويتواصل الهيام والغرام ، والعشق والمدام ، تتهجد فيه الموسيقى والمعازف ، ويتعبد السكارى في محاريب ( الكازينوهات ) طوال الليل الساجي تطلب العون من الشياطين ، والتوفيق من الأبالسة والهداية من الندامى والإجابة من الفتيات والرضى من العشاق ، رمضان يرتدي فيه كل صائم لباس التقوى ، وينهل منه بزاد الإيمان ويغتسل فيه بماء الطهر والعفاف ، أما وسائل الإعلام فقد سارت في الطرقات ، ودخلت البيوت ، وخالطت الناس عارية مفضحة ، وارتشفت وأولغت في الحرام حتى الثمالة ، وتمرغت وتلطخت بالأوحال والأرجاس حتى ذهبت معالمها ، وتهتكت وتفضحت وانكشفت سواءتها حتى نبذتها الفضيلة وتبرأ منه الحياء ، وذهب عنها الخجل والكرامة ، لقد كان الفساق القدامى يستحيون من المعصية في رمضان ، ويعتبرونه قيدا ثقيلا على شهوات الجسد ونزوات النفس ، وكان ذلك في قلة من الناس ينبذون في المجتمعات ويعدون من الخلعاء ساقطي المروءة ، ولأبي نواس في ذلك حماقات نذكر منها على سبيل الفكاهة قوله :
منع الصوم العقارا --- وذوي اللهو فغارا
وبقينا في سجون الصوم --- للهم أسارى
غير أنا سنداري فيه --- ما ليس يدارى
لكن الداهية العظمى أن الفساق اليوم صاروا لا يستحيون في رمضان ولا في غير رمضان ، وأخذوا يجاهرون في رمضان بما لم يجاهر به في غيره ، ويستعدون لذلك من شهورا عددا ، ويدبجون فيه من البهارج والمفاسد ما يغري ويجذب ويفتن ويضل كثيرا من الناس ، يكونون الفرق الاستعراضية ليعرض في رمضان أبرع ما أبدعته عقول صناع الملذات وعباقرة مؤلفي الملاهي ، وتظهر الإعلانات عن ذلك بلا حياء ولا تورع ولا وجل ، لتعلن عن السحور الحالم ، والفطور على الأنغام والسهر حتى الصباح مع وصلات الإيقاع الراقص ، وما خفي كان أعظم ، ويعلن كل ذلك وتذيعه محطات إذاعية وتلفازية تنفق عليها الدولة من دماء المسلمين الكادحين بدعوى الفنون والثقافة !! والفنون والثقافات منها براء .
وأقول أخيرا وليس آخرا ، هل تصوم وسائل الإعلام المسلمة في رمضان وتتقي الله ، أم يرسم لها أن تفطر على ما حرم الله وتذهب آثار الصوم من نفوس الناس ويستوي الماء والخشبة !!
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم