أهمية الإخلاص لله تعالى ؟
قلنا أن الرجل الذى يشار إليه بالبنان هو في الحقيقة على خطر ، وما هو الخطر الذى قد يتعرض له ؟؟ والإشارة إليه كما قلنا هو صالح هو عامل هو مصلح هو يعين الأمة
ولإفائدته من نوع من هذه الفوائد وغيرها اشير إليه بالبنان فهو من أجل ذلك على خطر لماذا؟؟؟
لأنه معرض إلى أن يفسد عمله الصالح إذا لم يبتغ بذلك وجه الله تبارك وتعالى وبقدر ما هو في خطر بقدر ما هو في أجر بالغ وكثير جدا فيما لو ثبت وحفظ نفسه من أن يفسد عمله بأن يحب الظهور أو أن يحب الكلام من الناس بأن يقولوا فلان كذا وكذا
فبذلك يفسد عمله وإلا كان له حسنات تزن جبال الدنيا وتفوقها كثرة ووزنا ، أما الخشية فيكفى في ذلك قول ربنا تبارك وتعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ............"
والإخلاص في العبادة
تستوجب ألا يقصد بذلك شيئا من أمور الدنيا أو حطامها ، وقد جاء في الحديث الصحيح الذى أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلّىَ الله عليه وسلم :
"أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة عالم ومجاهد وغنى – هنا تكمل خطورة المشهور لشئ من هذه الأوصاف الطيبة العلم والإنفاق في سبيل الله والجهاد كذلك في سبيل الله –
مع ذلك الخطورة تتجلى لنا في هذا الحديث الصحيح –
يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقال له أى عبدى ماذا فعلت بما علمت يقول يا ربى نشرته بين الناس في سبيلك فيقال له كذبت ، إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم ، وقد قيل
– أى إن الذى ابتغيته من وراء علمك وبثك ونشرك إياه بين الناس قد حصلته وهو الظهور والإشارة إليه بالبنان ،
في هذا العالم تكمن الخطورة لأنه يُخشى - قد يكون هو في بادئ أمره قصد العلم لوجه ربه ولكن بسبب تحدث الناس عنه قد تميل به نفسه إلى حب الظهور ، وقديما قال بعض الصوفية
"حب الظهور يقطع الظهور"
وأنا أقول بعض الصوفية لأنه ليس كل ما يقوله الصوفية هو خلاف الشريعة الإسلامية ، بل فيها ما هو موافق لها وفيها ما هو مخالف لها ،
لأن الصوفية كمذهب من المذاهب أو طريقة من الطرق لم تنزل من السماء وحيا من الله على شيخ الطريقة ، وإنما هو رأي وإجتهاد وسعي منه إلى إصلاح الناس بطريقة أو بأخرى ، فهذه كلمة فيها من الحكمة ما شاء الله
"حب الظهور يقطع الظهور" معنى مجازى جميل جدا .
لذلك أول من ذكرهم الرسول عليه السلام هو العالم لأن مركزه حساس وخطر جدا أن تميد به الأهواء والشهوات وأخطرها ليس هو حب المال فقط وإنما هو أيضا حب الظهور والجاه والمنزلة ونحو ذلك.
ولما قال هذا الرجل ما قال وقيل له كذبت إنما فعلت ذلك ليقول الناس فلان عالم وقد قيل، قيل عنه خذوا به إلى النار، والعياذ بالله، من هو ؟؟
هو العالم المفروض أن يكون كما قال الله عز وجل في الآية الكريمة :
" ..... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ.... "
وإذا هذا العالم يصبح بعلمه في الدركات من النار والعياذ بالله .
قال في الحديث :
" ثم يؤتى بالمجاهد فيقال له ماذا فعلت بما أنعمت عليك من قوة فيقول يا ربى قاتلت في سبيلك
فيقال والعياذ بالله له : كذبت إنما جاهدت ليقول الناس فلان بطل فلان شجاع وقد قيل ، فقيل خذوا به إلى النار
ولذلك نقف هنا قليلا عند هذا الحديث
أن المسلم المجاهد حقا هو الذى لا يبتغى بجهاده حقا كالعالم أيضا كلاهما لا يبتغى به جزاءا ولا شكورا إنما كل منهم يجاهد في سبيل الله هذا بعلمه وهذا بشجاعته وقوته وبطولته ،
فإذا ما انحرف بهم القصد والنية كان عاقبتهم أسوء من عاقبة الجاهل لذلك جاء في بعض الآثار وليس في بعض الأحاديث المرفوعة، وإنما في بعض الآثار عن السلف الصالح ، وهو فيما أذكر أبو الدرداء رضى الله عنه قال :
ويل للجاهل مرة وويل للعالم سبع مرات
طبعا التسبيع هنا للتكثير وليست للتحديد ، ولكن المقصود ويل للجاهل مرة ، لأنه قد يكون معذورا ، وويل للعالم سبع مرات لأنه قد يكون على خطر .
نعود إلى تمام الحديث ،
ثم يوتى بالغنى ، فيقال له ماذا عملت فيما أنعمت عليك من مال ، فيقول ربى أنفقته في سبيلك فيقال له كذبت ، إنما أنفقت ليقول الناس فلان كريم وقد قيل ، خذوا به إلى النار، انتهى الحديث إلى هنا.
عطفا عليه اقول قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المتفق عليه بين علماء المسلمين والذى قال فيه بعض العلماء أنه ثلث الدين ، ثلث الإسلام قائم على هذا الحديث المشهور
" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ،
فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
اعود إلى أول الكلام ،
فمن كان صالحا ويشار إليه بالبنان فهو على خطر من هذه الحيثية لأنه لا يشار عادة إلى إنسان بالبنان إلا بعد أن ظهر وهذا الظهور قد يقصم الظهور أو يكسرها بسبب أن يغلب عليه حب الدنيا وأن يغلب عليه كراهية الموت فحين فحينئذ يفسد عمله كله ، وعلى العكس من ذلك
فإذا ثبت بعد أن نبت وظهر ولم يتأثر بثناء الناس عليه وبظهوره بينهم فإن له أجراً لا يحصيه أكبر كمبيوتر معروف اليوم في الدنيا، ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:
" من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شئ "،
ذلك لأن العالم
حينما يدل الناس على الخير ، فكما جاء في الحديث في صحيح مسلم أيضا
الدال على الخير كفاعله ،
وفى الحديث الآخر
من دعى إلى هدىً كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شئ
فتصوروا معى كم يكون أجر هذا الإنسان الداعى إلى الله المخلص في دعوته إلى الله لا يحصيها إلا الله عز وجل عددا.
ومن هنا قال العلماء
أن نبينا محمداً صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم هو أكثر الأنبياء والرسل أجراً وثوابا لأنه هو الذى كان سبب هداية الأمة ، والأمة في لغة العلماء تنقسم إلى قسمين :
أمة دعوة وأمة إجابة
فكل من جاء بعد نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلم داخل في أمة الدعوة ، فمن استجاب لدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام دخل في القسم الثاني وهو أمة الإجابة ، أى أجاب الرسول صلَّى الله عليه وسلم وخضع له، فتصوروا منذ بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بدعوته للناس إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإلى تفصيل هذه الكلمة الطيبة علما وتطبيقها عملا ،
تصوروا كم وكم جاء من بعده من الملايين الملايين حسنات هؤلاء ، ربما يكون الواحد منهم له حسنات كالجبال ، كل هذه الحسنات من كل هؤلاء الأفراد تكتب في صحيفة الرسول عليه الصلاة والسلام ومن هنا يظهر أهمية العالم العامل بعلمه والمخلص في دعوته إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلَّى الله عليه وسلم ،
ولكن هذا العالم كما يشترط فيه أن يكون عاملاً بعلمه وألا يكون قوالا ليس فعَّالاً
كذلك يشترط فيه أن يكون علمه مستقى فقط من كتاب الله ومن سنة نبيه صلَّى الله عليه وعلى آله صحبه وسلم
مع الإخلاص
الذى أشرت إليه آنفاً ولذلك قال الله عز وجل في كتابه :
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ
على بصيرة أنا – ليس هو الرسول فقط بل ومن اتبعه عليه الصلاة والسلام
ولا تكون البصيرة إلا كما قال الله تعالى أيضا في القرآن الكريم:
" فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا
، وقد قال علماء التفسير أن هذه الآية دلت على أن النجاة عند الله عز وجل إنما يكون بشرطين إثنين
أن يكون عمله صالحا
وأن يكون لوجه الله خالصاً ،
أما أن يكون عمله صالحا فهذا واضح في الآية أما أن يكون لوجهه خالصا وهو قول الله تبارك وتعالى في آخرها وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ، لأن الشرك ليس كما يظن بعض الناس أن تقول إن مع الله خالقاً آخر وليس أيضا الشرك فقط أن تعتقد أن فلانا من الأولياء أو الصالحين يستحق شيئا من الخضوع والعبادة من دون الله عز وجل ، ليس هذا وذاك فقط هو الشرك بل أيضا
أن تقصد بعملك الصالح الذى تقوم به بينك وبين الله – إنما تقصد به غير وجه الله تبارك وتعالى كما سبق ذكره ، وأضيف إلى ذلك أخيرا قوله عليه السلام
"بشر هذه الأمة بالثناء والرفعة والمجد والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملاً للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب"
نسأل الله عز وجل أن يجعل عملنا خالصا وأن يجعله لوجه الله خالصا
وأن لا يشرك أحداً في عملنا هذا الصالح وإنما لوجه الله تبارك وتعالى.
هذا ما عندنا في الخاطر الكليل ذكره في هذه المناسبة، مناسبة الإشارة بالبنان والشهرة بين الأنام
والحمد لله رب العالمين .