حياة العظماء.. لم تكن مفروشة بالورود
أهدي هذا المقال لكل شاب طموح
ربما كان مقالي هذا مهدي الي الشباب الذي يسير في الطريق الصحيح، ويفعل ما ينبغي عليه فعله، إلا أنه يصيبه الإحباط عندما يجد من هو أقل منه كفاءة، يسبقه ويتقدم عليه لأسباب عديدة، ربما كان أهمها الآن المحسوبية والوساطة وغيرها.
وفي البداية ينبغي ان يعمل كل منا من منطلق الآية الكريمة 'قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين'، إذن فكل ما نفعله في الحياة ينبغي ان يكون لوجه الله وحده، وبالطبع فما عند الله لا يمكن ان يضيع أجره.
أما الأمر الثاني فهو أمر أخلاقي مثلما يشير المنفلوطي في قوله: الخلق هو أداء الواجب لذاته بغض النظر عما يترتب عليه من النتائج، وحتي الأنبياء لم تكن حياتهم رغدة، أو مفروشة بالورود، فقد حوربوا وأوذوا، الا انهم أبدا لم يقنطوا من رحمة الله، ولم يتسلل اليأس الي نفوسهم، وازدادوا إصرارا وعزيمة علي المضي في رسالتهم.
ولأن العلماء ورثة الأنبياء، فكما أورثوا العلم، فقد أورثوا ايضا الأذي والجحود والاضطهاد، ولأنني أري أن أهم ما يمكن ان يتسلح به العرب والمسلمون اليوم هو العلم، الذي أمرنا المولي عز وجل أن نستلح به في قوله 'وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة'، فليس هناك الآن أمضي من قوة وسلاح العلم.
ولعلي أذكر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله الذي كان دائما ما يردد: إن عبدالله بن مسعود أو ابن عباس لو كانا يعيشان بيننا اليوم لكانا وأمثالهما علماء في الذرة والكمبيوتر والهندسة الوراثية وغيرها من العلوم التي يحتاجها ديننا لكي يصبح المؤمن مؤمنا قويا 'المؤمن القوي خير وأحب الي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير'.
ونعود مرة أخري الي العلم والعلماء، فلا أحد ينكر أن العالم الحقيقي يعاني كثيرا، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، أو العملية، أو حتي من غيرة زملائه وحسدهم له، وأحيانا اذا كان هذا العالم عبقريا، فهو يعاني من الجحود والنكران لأن فكره قد يسبق فكر زملائه، وبالتالي فالناس أعداء ما يجهلون، وقد حدث هذا مع كثير من العلماء مثل جاليليو الذي كفروه، وباستير الذي اتهموه بالجنون، وأينشتاين الذي هاجموه بعد ان اعلن عن نظريته النسبية التي قام عليها كل التقدم العلمي الذي حدث خلال القرن العشرين.
وبعض هؤلاء العلماء يصبر ويجاهد ويقاتل حتي يثبت نظريته وعلمه، وبعضهم لا يقوي علي مواجهة مثل هذه الاحقاد، فينتهي به الأمر الي الانتحار مثلما حدث مع 'لويس بيلمر' الذي اكتشف الطريق البديل للجهاز المكمل، وهو أحد مكونات جهاز المناعة، لكن العلماء في عصره اتهموه بالجهل والتلفيق، ولم يحتمل الرجل الإهانات وأنتحر، وبعدها بخمسين عاما، تم اكتشاف ما سبق أن وصل اليه 'بيلمر' ولم ينل سوي حفلات التأبين والدعاء.
وبمناسبة الحديث عن 'أينشتاين' فقد كانت في حياته عثرات من الفشل لم يستسلم لها وقاومها، فقد التحق أينشتاين الذي ولد عام 1879 بإحدي مدارس ميونيخ وهو في السادسة من عمره، وظل في نفس الوقت يتعلم العزف علي الكمان التي برع فيها، وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره تقدم للإلتحاق بإحدي جامعات يوريخ تسمي ETH من أجل ان يحصل علي شهادة في الهندسة الكهربائية، ولكنه فشل في تخطي امتحان القبول، فلم ييأس ودخل احدي المدارس الثانوية لكي تؤهله لدخول هذه الجامعة.
وكان 'أينشتاين' يميل الي الدراسات الرياضية والتحليلية، ولا يميل الي الدراسات العملية والتخيلية، وبالفعل تخرج اينشتاين مدرسا للرياضيات والطبيعة، الا انه لم يجد وظيفة، بينما حصل ثلاثة من زملاء الفصل الذين كانوا معه علي وظائف في الجامعة التي كان يرغب في الإلتحاق بها في زيوريخ، وظل أينشتاين يكتب للجامعات المختلفة طالبا وظيفة دون جدوي، وبعد عامين من البحث حصل علي وظيفة لجزء من الوقت كمدرس ثانوي للرياضيات، وفي نفس الوقت ساعده زميل دراسة 'جروسمان' علي الحصول علي وظيفة 'فني ثالث' في مكتب تراخيص مدينة 'برن'، الذي ظل يعمل به لمدة 7 سنوات.
وخلال هذه الفترة أنجز أينشتاين مجموعة من ابحاثه القيمة، الا انه لم يستطع ان ينشرها لعدم معرفته أو اتصاله بالجهات العلمية المحترمة، لم يجلس أينشتاين ويندب حظه في هذا العمل الذي يقل كثيرا عن قدره وامكانياته وعلمه، ولكنه ظل في طريقه يعمل، وهو موقن أن اليوم سوف يأتي لكي تخرج أعماله الي البشرية وتقدر حق قدرها، ليس هذا فحسب، بل انه حصل علي الدكتوراه في هذه الاثناء من جامعة زيوريخ عن رسالته عن 'النظرية الخاصة للنسبية' عام 1905، وخلال نفس العام، واثناء عمله كفني من الدرجة الثالثة انتهي أينشتاين من انجاز أخطر ثلاثة ابحاث غيرت مسار العلم في القرن العشرين، وفي عام 1908 عين أينتشاين محاضرا في جامعة 'بون' السويسرية، ثم بعدها بعام استاذا للطبيعة بجامعة زيوريخ، وأصبح اسم 'أينشتاين' من الاسماء الرائدة والمحترمة في مجال الرياضيات والطبيعة علي مستوي العالم، وعين في عام 1912 عميدا للكلية التي رفضت قبوله ETH عندما كان طالبا في الثانوية ونال 'أينشتاين' العديد من الجوائز من أشهرها جائزة نوبل التي حصل عليها عام 1921، ومن العجيب أنه حصل عليها عن الابحاث التي قدمها قبل ان ينال شهرته العالمية، عندما كان يعمل فنيا من الدرجة الثالثة في مكتب تراخيص مدينة 'برن' عام .1905
وغيرها من المشاهدات اللتي نراها وتجارب القدامى وتجار اليوم فكم من تاجر بدأ من الصفر ولم ييأس الا ان اصبح كما نراهم اليوم
فلا يأس مع الحياه أبدا ..
تحيياتي لكم: الشوق
العرض العادي
